يمشي أبو حسين الكبريتي وسط سوق الحلال شرق مدينة غزة، بين الخراف والأغنام المعروضة للبيع استعدادًا لموسم الأضاحي. يتلفت يمينًا ويسارًا يتفحص المواشي ويسأل عن أنواعها وأسعار هذا العام إلا أنه لم يشترِ أضحية.
يقول الكبريتي البالغ من العمر (47 عامًا)، "في العادة أشتري الأضحية من سوق الحلال، وقبل الشراء أتجول في السوق لاختيار رأس مميز، لكنّ هذا العام لن أشتري أضحية بسبب التعطل عن العمل قبل 4 أشهر، ولم أجد البديل إلى الآن".
كان يعمل الرجل في أحد مصانع الخياطة بقطاع غزة، إلا أنه وبسبب تراجع العمل نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي في القطاع، قرر صاحب المصنع تسريح عدد من العمال.
لم يكن الكباريتي الزبون الوحيد المتجول في سوق الحلال رغم أنه لا ينوي الشراء، لكن الكثير من الناس اعتادوا على زيارة أسواق المواشي كأحد طقوس عيد الأضحى، هذا ما قاله لنا المواطن علي إسليم (39 عامًا) والذي تكرار سؤاله للبائعين: كم ثمن الكيلو؟.
يسجل إسليم انطباعا سلبيا على حركة البيع هذه الأيام، وبصفته مراقب دائم لسوق المواشي، قال: "الإقبال على شراء الأضاحي هذا العام ضعيف، وأقل من الأعوام السابقة، ربما بسبب تزايد الأعباء على المواطنين أمثالي، وزيادة احتياجات الأسرة والأبناء في ظل انخفاض الأجور وارتفاع نسب البطالة".
ووفق تقرير سابق صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فقد تضاعفت مؤشرات الأزمة الإنسانية في القطاع بفعل الحصار الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، حيث وصلت عند نهاية عام 2021 إلى 50.2%، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، بينما شهدت معدلات الفقر ارتفاعًا حادًا لتشمل 69% في عام 2021، من سكان القطاع الذي تجاوز تعدادهم المليوني نسمة.
واشتكى مواطنون من قطاع غزة، من ارتفاع أسعار الأضاحي لهذا العام، بقيمة (1-2 شيكل) لكل كيلوجرام بحسب نوع الأضحية من خراف وعجول وأغنام، كما أشارت وزارة الزراعة بغزة في بيان سابق لها.
حسن عفانة صاحب مزرعة وتاجر مواش من شمال قطاع غزة، أكد على توفر كميات وفيرة من الأضاحي هذا الموسم، إلا أنّ هناك ارتفاع طفيف طرأ على الأسعار مقارنة بأسعار العام الماضي، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والشعير، سواءً في قطاع غزة أو عبر مناطق الإستيراد، مصر و إسرائيل.
ويشير تاجر المواشي عفانة، إلى أنّ هناك مضاربات كبيرة في السوق نتيجة سماح وزارة الزراعة لعشرات التجار باستيراد المواشي، وهو ما لم يكن متاحا في السابق. ويقول لـ آخر قصة "زمان كان الاستيراد محدود على تجار محددين لا يتجاوز عددهم ما بين 30 إلى 40 تاجرا، أما اليوم بين كل شارع وشارع في مستورد مواشي".
وفي عرف الاقتصاد، فإن زيادة مساحة العرض أمام المستهلك تعطيه مساحة لتخفيض مستوى الإنفاق على السلع، غير أن الأمر من وجهة نظر تجار المواشي يعتبر ضارا بمصالحهم، على اعتبار أن "الاستيراد الوفير في سوق محدود الاستهلاك يعمل على تكديس المواشي بكميات أكبر من الاحتياج المطلوب، وهو ما يتسبب بخسائر للتجار"، حسبما قال عفانة.
وحددت وزارة الزراعة أعمار الأبقار المستوردة، بحيث لا تتجاوز العامين، فيما فرضت مخالفات مالية على من يتجاوز القرار من التجار.
ويعزو عفانة ارتفاع أسعار المواشي، إلى رفع "الزراعة" قيمة المخالفة من 200 شيكل لكل رأس من البقر، إلى ألف شيكل.
في المقابل، أكد الدكتور حسن عزام مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة بغزة، على قيام وزارته بمراقبة جميع المواشي التي يتم استيرادها من الخارج، سواء عن طريق مصر أو الاحتلال الإسرائيلي، وقامت بتحرير مخالفات تبلغ قيمتها ألف شيكل لكل رأس مخالف من الأبقار.
لكنه استدرك حديثه قائلاً لـ آخر قصة "هذا ينطبق على أبقار الحليب، والتي من المفترض ألا يتجاوز عمرها وقت استيرادها العامين"، معللاً ذلك بأن الأبقار التي تتجاوز الأربع سنوات على سبيل المثال، لا يتم استغلال إنتاجيتها للحليب لفترة طويلة قبل أن تتحول للذبح، إضافة إلى أنّ أسعارها كأضحية لا تقل كثيرًا عن أسعار العجول والتي تمنح صاحبها كميات أكبر من اللحم.
وعن مخالفته لتعليمات وزارة الزراعة، يقول تاجر المواشي عفانة "نحن كتجار لحم، نشتري الأبقار بعد إنتهاء إنتاجها للحليب، ومن المفترض تحويلها إلى الذبح، إضافة إلى اشتراط التاجر بالخارج إلى شرائنا للأبقار على مختلف أعمارها وإلا لن يبيعنا". مضيفًا "إذا كان البقر غير مطابق للمواصفات يمنعوا دخوله من المعبر بدل ما يسمحوا بدخوله وندفع عليه مبالغ كبيرة".
في الأثناء، أعرب عزام عن استغرابه الشديد من فكرة استيراد التجار للأبقار كبيرة السن، قائلاً "ليس من المعقول أن يستورد التجار بقرة انتهت من إنتاج الحليب، وكأن قطاع غزة مكب نفايات للاحتلال.. من المفترض أن يتم تحويل تلك الأبقار إلى برامج ذبح لديه، وليس إلى قطاع غزة في موسم الأضاحي".
ويستعد المواطنون في قطاع غزة، لاستهلاك ما بين 15 ألف إلى 18 ألف أضحية خلال العام الحالي 2022، وفقاً لتقديرات مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة.