أدت السيدة ديانا الأيوبي (30 عاماً) من سكان قطاع غزة، أدوار درامية كثيرة ومتعددة على المستوى المحلي، لتجسيد واقع القطاع الذي يخضع للحصار للعام 15 على التوالي، في محاولة منها لتجاوز تعقيدات الفكر الاجتماعي القائم على تقليص مساحة مشاركة المرأة في الفضاء العام.
الأيوبي فنانة موهوبة منذ الطفولة، وهي واحدة من النساء اللواتي حاربن العادات والتقاليد المجتمعية، وعملن في مجال التمثيل والدراما والعروض المسرحية، إلى الآن.
وترجع الأيوبي وهي أم لطفلين، محدودية مشاركة المرأة الفلسطينية في المجالات الفنية خصوصا التمثيل والغناء، إلى حجم الانتقالات اللاذعة التي تواجهها، وقالت: "إن النساء يستبعدن من المشاركة في التمثيل نظرا لوجود قيود كثيرة فرضها المجتمع عليهن".
ويعارض الكثير من سكان غزة - الذين يتجاوز عددهم 2 مليون نسمة، ويعيشون على مساحة جغرافية تقدر بـ 365 كم2- مشاركة المرأة في المجالات الفنية لأسباب متعددة، يأتي في مقدمتها الاختلاط بين الجنسين، وفق إفادات نساء استمعن لهن في سياق هذا التقرير.
وقالت الأيوبي في حديثها لـ"آخر قصة"، منذ سنوات عديدة تواجه المرأة في قطاع غزة تحديا كبيرا يتعلق بقدرتها على تجاوز العادات والتقاليد واختراق نظرة المجتمع الذي لا يتقبل فكرة وجودة المرأة في مجال الفن والتمثيل".
الأيوبي التي تعمل في هذا المجال منذ عقدين من الزمن، أشارت إلى أن بعض المخرجين تجاوزوا فكرة الاختلاط بين الجنسين في التمثيل وتقليص مساحتها قدر الإمكان، من خلال إبقاء العلاقة قائمة على الحوار فقط بين الشاب والفتاة، من دون لمس أو مصافحة حتى لو كان الأمر متعلقاً بأخيها أو أبيها في الدور التمثيلي.
يتقاطع ما قالته الفنانة الأيوبي، مع ما أكده المخرج السينمائي الفلسطيني أكرم عجور، والذي أشار إلى صعوبة العثور على فنانات تجيد الأداء التمثيلي، وهذا ما جعله في كثير من الأعمال القيام باستبدال بعض الأدوار والتغيير أحيانا في بعض نصوص العمل الدرامي.
وقال عجور: "لا زلنا نواجه صعوبة في عملية العثور على فنانة، نظرًا لقلة النساء التي تقبل العمل في مجال التمثيل، وبخاصة أن تابو العادات والتقاليد لا يزال يفرض نفسه على أرض الواقع".
وأوضح أن المجتمع لا يزال يفرض قيوداً بشكل غير مباشر على مشاركة المرأة في مجال الفن، مبيناً أن كثيرا من النساء تقبل بأداء الأدوار التمثيلية شريطة إسقاط بعض العبارات من النص، وتقيدها في وقت معين، إلى جانب الالتزام الكامل بشكل ملابسها التقليدية والتي قد تتعارض مع متطلبات المشهد أصلاً، بالإضافة إلى أن بعض الفنانات يرافقها أخاها في بيئة العمل الدرامي.
في واقع الأمر، فإن التقييد ليس مرتبطا بالتمثيل فقط وإنما يمتد إلى الأشكال الفنية الأخرى، كالغناء مثلا.
في إحدى قاعات مؤسسة أدورد سعيد (منظمة أهلية تعنى بالمواهب الغنائية) بمدينة غزة، تجلس بيان هنية، التي تبلغ من العمر ستة عشر ربيعًا تعزف بأناملها الناعمة على آلة العود، وتتعلم الغناء والعزف بأشكاله المختلفة.
في أعقاب حصة التدريب الأسبوعية، تحمل الفتاة بيان آلة العود على ظهرها، وتمش بين الناس متجاهلة كافة الانتقادات التي تسمعها بين حين وآخر.
ورغم أن الفتاة هنية حديثة سن في هذا المجال، إلا أنها تصر على وصف ما واجهته بـ "الصعوبات البالغة" في سبيل دخول عالم الموسيقى. وأشارت إلى أنها في بادئ الأمر واجهت تحدي الأسرة حيث كانت تعارض الغناء، ثم نظرة المجتمع، لاسيما عدم تقبل فكرة العزف على آلة موسيقية في مكان عام.
وقالت: "أواجه كمية انتقادات كبيرة جدا تفوق أحيانا قدرتي على الاحتمال، كما لو أني أفعل شيئا ضارا بالبيئة والمجتمع، ولكن رغم كل هذا الانتقاد والمعارضات فأنا مستمرة.. مثلما تدافع النساء في مجتمعنا المحلي عن العنف الواقع ضدها، فنحن أيضا يجب أن نكافح من أجل رفع وعي الناس بمجال الغناء والموسيقى".
في الغضون ينتقد الموسيقي جبر الحاج، تحريم المجتمع على المرأة المشاركة في الغناء فقط دون الرجال، وقال: "استغرب من تحريم المجتمع على المرأة الغناء، وكأنه خلق للرجل فقط"، متسائلاً: "هل الموسيقى ضد الإنسان والإنسانية؟، لماذا تٌحرم الفتاة من العزف على الموسيقى خوفا من انتقاد المجتمع لها؟".
ولفت الحاج في سياق حديثه لـ"آخر قصة" إلى تراجع إقبال الإناث على المشاركة الموسيقية في قطاع غزة، قائلاً: "في واحدة من المرات نشرنا صورة لتدريب فتيات على العزف الموسيقي، وللأسف الصورة حظيت بانتقادات واسعة وهجوم حاد، وهذا ما جعل الكثير من الفتيات يحجبن عن التقاط صور لهن، ومنهن من احتجبن عن المشاركة".
في السياق نفسه، يفاجئنا صاحب متجر للموسيقى يقع وسط مدينة غزة، ويدعى فارس عفانة، بأن النساء غالبا ما تقتني الآلات الموسيقية لغايات الزينة المنزلية، وليس حباً في العزف.
وقال عفانة لـ"آخر قصة" "صحيح أن هناك إقبالاً على شراء الآلات الموسيقية من قبل الإناث لكنها في الغالب تكون بغرض وضعها في أركان معينة داخل البيت كنوع من الديكور وكتعبير بسيط عن حب الموسيقى، فيما من النادر أن تلجأ إلينا فتاة لإصلاح آلة عزف مثلا، وهذا دليل على أن اقتناء الآلات لغايات ليست فنية".