يعتبر المهندسان محسن أحمد وآمنة العفيفي نفسيهما أصدقاءً للبيئة، فحين واجهت مشاريعهم الزراعية بعض المشاكل البيئية، توجها بتفكيرهما نحو الحلول المستدامة.
لقد استطاع المهندسان الفلسطينيان استخلاص مُنتج "خل الخشب" من الأخشاب الموسمية المُقلّمة، باستخدام تقنية التقطير الحراري؛ لمعالجة مشاكل التربة التي تواجههما، حالهم كحال بقية المزارعين في قطاع غزة.
واعتاد المزارعون اللجوء إلى الحلول السهلة لمواجهة مشاكل التربة، باستخدام "المبيدات الكيميائية"، وهي غالبا ما تعطي نتائج سريعة وفعالة بالنسبة لأصحاب المحاصيل، دون الاكتراث لما قد ينجم من مضار على صحة الإنسان والبيئة على حدٍّ سواء.
وقال المهندس أحمد لـ آخر قصة: "يفتقد المزارعون لثقافة الزراعة الصحية، كما أنهم معنيون بتسريع إنتاج المحصول لجني الأرباح، لذا لا يأبهون بإيجاد الحلول الآمنة على البيئة".
ولم يكن المهندسان أحمد والعفيفي بمنأى عن الأضرار التي قد تصيب التربة، وبخاصة ملوحة المياه، التي عرضت محصول كل منهما لأضرار.
من هنا، بدأت رحلة البحث عن الحلول، وقد وجدا في "خل الخشب" الحل الأمثل. وتقول العفيفي التي تدير محصولاً للأعشاب الطبية العطرية، "وجدنا أنه يعمل على تفتيت الأملاح الموجودة في التربة، ومع تكرار استخدامه تصبح الأملاح أقل تعقيدًا ويتراجع وجودها، كما أن الخل يحتوي على عناصر مغذية للثمار ويمنحها حلاوة الطعم".
يتفق معها زميلها في مدى ملاءمة استخدام "خل الخشب" لهما، فقد وجد أنه يعمل على تدفئة جذور محصوله في فصل الشتاء ويمنع تعفنها، كما أنه يقضي على بعض أنواع الفطريات.
ويقول المهندس أحمد "تقنية التقطير الحراري ستساعدني على الاستغلال الأمثل لأفرع الأشجار الموسمية المقلمة والمتوفرة لدي بكثرة"، وفي غمرة الاستكشاف احتاج المهندسان جهازاً للتقطير، وعليه بدأن بالتواصل مع مختصين في عدد من الدول العربية، للتعرف على التركيب الأساسي للجهاز ومكوناته، وأشارت العفيفي، إلى أنهما تمكنا من اختصار وحدات الجهاز لأبسط الإمكانات، واستبدال مجساته بأجهزة يدوية.
وقد نجحا بالفعل في تصنيع الجهاز بشكل يدوي، بتكلفة 1500 شيكل. ويتكون الجهاز من برميل حديدي للطمر والتحلل بمعزل عن الأوكسجين، يوضع أسفل البرميل حطب مشتعل والذي بدوره يتحلل ويخرج على هيئة دخان وبخار، يمران عبر أنبوب حديدي يصل إلى برميل آخر موصول بأنبوب صغير للتقطير، بعدها يتم تبريد البخار الخارج من البرميل الأول بواسطة خط مياه موصول به، وتخرج المياه في نهاية الخط إلى البرميل الثاني عبر صنبور يتم تفريغها أولاً بأول.
ويعطي الجهاز "الخل" على شكل قطرات من خلال صنبور يوجد أسفل البرميل، بعد الحصول على الخل يتم فحصه للتأكد من نسبة ملوحة المياه وحمضية الخل المنتج.
تقول العفيفي مبتسمة "أول عبوة خل حصلنا عليها ولشدة سعادتي كنت بالفعل أود الاحتفاظ بها في متحف مثلاً"، أما أحمد فقد بدا متحمسًا "حملت العبوة بين يدي وذهبت بها إلى إحدى المسابقات التي تهتم بالابتكارات والمشاريع الريادية التي تُقام على مستوى فلسطين، لأشرح لهم عن فكرتي"، شعر أنهم سيقتنعون بالفكرة أكثر إذا شاهدوا المنتج حقيقةً أمامهم، وأضاف "بالفعل حصلنا على وعود بأن يتم دعمنا في تصنيع الجهاز الذي سيوفر علينا الوقت في العمل ويعطينا نتائج أكبر".
بعد أن اختبر المهندسان منتج الخل على عدة عينات من التربة المزروعة، وقد لاحظا نجاح منتجهما بشكل واضح، سيتجهان الآن إلى المزارعين لتعميم المنتج عليهم حيث سيتم توزيع عينات منه بشكل مجاني، ليستمعوا إلى تجارب المزارعين بعد استخدامه.
وبحسب العفيفي فإن سعر عبوة خل بحجم 2 لتر (25) شيكلاً تقريبًا، بينما ي سعر المبيدات والمحاليل الكيميائية تفوق هذا السعر بكثير، كما قالت، مضيفةً "لن يكن سهلاً توفير التربة الصناعية لدى المزارعين نظرًا لتكلفتها، لكن خل الخشب سيعمل على تحسين التربة بشكل كبير".
وعن سؤالنا للمهندس أحمد إن كان قد توجه إلى إحدى الجهات الحكومية لدعم جهوده وبخاصة وزارة الزراعة لصلتها المباشرة بمنتجه، أجاب بناء على تجارب سابقة له "لم أتوجه لوزارة الزراعة فهي معنية بالحصاد والنتائج الواضحة على أرض الواقع، فهي لا تساعد في تنمية الأفكار التي ما زلت تحبو أسوة بالمنتجات المرخصة والمستوردة من خارج قطاع غزة".
ولم يتسن لنا معرفة عدد المشاريع التطويرية والتنموية الريادية التي ابتكرها خريجون من قطاع غزة، لدعم قطاع الزراعة عموما في قطاع غزة، غير أنها تقدر بالعشرات.
وعطفا على ما ذكره المهندس "أحمد" بشأن عدم المساعدة في تنمية الأفكار، قال الناطق باسم وزارة الزراعة بقطاع غزة أدهم البسيوني: "إن ضعف الحالة الاقتصادية العامة وظروف الحصار المتواصل على قطاع غزة أضعف قدرة الوزارة في إفراد موازنة خاصة بالبحث العلمي في القطاع، كما هو الحال بالنسبة للأراضي الفلسطينية".
وبين البسيوني في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، أن قدراتهم لا تستطيع استيعاب عمل مراكز البحوث وإعادة إجراء التجارب لمرات عديدة لمثل هذه المشاريع، فهو يحتاج مبالغ مالية ضخمة، على حد وصفه.
وأشار إلى أن صعوبة دعم هذه المشاريع لا تكمن في آليات عمل البحث العلمي فحسب، بل "الامكانات اللوجستية التي يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولها، فحتى الأسمدة الزراعية لا تدخل بكامل المواصفات والعناصر التي نحتاجها، أنهم يتحكمون بما يرد إلينا تحت حجج أمنية واهية" كما قال.
في ذات السياق أكد على أن وزارته تدعم وتشجع المبادرات الريادية والشبابية الفردية والجماعية للارتقاء بمستوى الأفكار في ظل ظروف القطاع المعقدة، لتعزيز الأمان والصحة في الإنتاج، كدعمها لحدائق الفراولة المعلقة والزراعة المائية.
يشير المتحدث باسم وزارة الزراعة إلى أن عمل وزارته يتكون من شقين: الأول تنموي يتمثل في إدخال الأنظمة الحديثة في الزراعة لزيادة الإنتاجية، والثاني يتعلق بإعادة تأهيل ما دمره الاحتلال من مزارع.
ولفت البسيوني إلى أن الشق الثاني يستحوذ بشكل أكبر على جهود وزارة الزراعة في قطاع غزة، أما في مجال المكافحة الآمنة، فقد أفاد أن وزارته "تشجع المكافحة الحيوية في أنظمة مكافحة الآفات بالقطاع وقد بدأنا بمشاريع ضخمة لحماية البيئة، ولدينا منظومة قوية في تتبع الأسمدة والمبيدات المستوردة قبل وصولها للقطاع، كما نتابع مدى مطابقتها للأدلة الفلسطينية وفحصها قبل وصولها للمزارعين" كما قال.