يتحدث بلغة عربية متزنة، مستخدمًا بعض المصطلحات الإنجليزية المتخصصة في مجال دراسته وعمله، في شرح تفاصيل مشروعه الخاص بإنتاج الفطر الأبيض القائم على البدائل. المهندس أحمد الهجين، شاب من قطاع غزة يبلغ من العمر 26 عامًا. درس هندسة الميكاترونكس وتخرج من جامعة الأزهر عام 2018.
بعد تخرجه عمل الهجين في عدة أماكن بمجال تخصصه، إلا أن تدريبات ريادة الأعمال جذبته أكثر، خاصة بعدما قال له أحد المدربين "تبدو عليك ملامح القيادة، وإذا آمنت بفكرة ما ستنجح".
العبارة الآنفة، حفزت الهجين وزادت من شغفه تجاه موضوع "الفطر"، وقد بدأ خطوات عملية في البحث والاطلاع على أنواعه وطريقة تكاثره وإنتاجه، ثم تعمق بشكلٍ أكبر للبحث عن شركات أو مزارع فطر محلية.
خلال البحث اكتشف الهجين، أن شركة لإنتاج الفطر كانت قائمة في الضفة الغربية لسنوات، ثم أغلقت بفعل منع الاحتلال الإسرائيلي لها من استيراد البذور اللازمة لعملية الإنتاج والتي تسمى "الأبواخ"، الأمر الذي حال دون استمرارها.
يقول الشاب لـ"آخر قصة"، "لقد كان سبب توقف الشركة المتعلق بمنع استيراد البذور، دافعاً ومحفزاً تجاه عملية أنتج البذور والتربة ذاتياً، ومن هنا كانت نقطة انطلاق مشروعي".
فتحت أبواب مختبرات الجامعة الإسلامية بغزة، أبوابها للمهندس الشاب للعمل على تنمية تجاربه، حيث ساعده ذلك التواصل مع عدد من الخبراء والمتخصصين في عدد من الدول العربية والأجنبية، وقد قام بالتجربة لـ6 مرات حتى تكلل التجربة بالنجاح، حسبما قال.
بأقل التكاليف، صنع ثلاجة تمكنه من التحكم بدرجة الحرارة، كون الفطر يحتاج لأجواء باردة حتى ينمو، وبدأ العمل وحده، بدءً من عملية الزراعة والاهتمام بالثمرة، وحتى الحصاد والتسويق. وقال: "واجهت العديد من الصعوبات في تقبل الفكرة من الناس، خاصة أن الفطر يعتبر من المكملات الغذائية، بالإضافة للأزمات الاقتصادية التي يمر بها الناس والتي قد تجعله نوعاً من الترف بالنسبة لبعض الأسر".
يشير الشاب إلى أنه اعتمد على البدائل في غالبية احتياجاته بهدف إنجاح المشروع، إيمان منه بالفكرة وأهميتها لمنافسة الفطر المعلب، والفطر الإسرائيلي المتوفر في السوق المحلي.
يقف المهندس الهجين داخل ثلاجة إنتاج الفطر، باردة الأجواء، وبين الأرفف المرتبة بشكلٍ متناسق على اليمين واليسار، يتفحص التربة والثمار ودرجة الحرارة، ويقول "الفطريات تعد مملكة، لاختلاف أنواعها الطبية والمخبرية، ومنها ما هو سام، لكن الغريب تكاثره لا يكون بواسطة البذور كالنباتات بل بالأبواغ أو التكاثر الخضري الذي نتعامل فيه، أو الجنسي، داخل مختبرات متخصصة".
ووفقا للهجين، فإن الفطر الأبيض يعتبر من الثمار التي تحتوي على فيتامين "د" بشكلٍ كبير، حيث يعتمد عليها الأطباء كعلاج في مكافحة الخلايا السرطانية لاحتوائه على مضادات الأكسدة، أو كمكمل غذائي لنقص فيتامين د.
نجاح المرحلة الأولى من المشروع دفعت الهجين إلى توسعته قبل نحو عام، من خلال صناعة ثلاجة أكبر حجمًا، بمساحة 20 مترًا تقريبًا وبارتفاع ثلاثة أمتار، إلا أن التحديات لم تنتهِ، حيث يعتمد المشروع على توفر الكهرباء طيلة الوقت، فيما أنّ قطاع غزة يعاني من أزمة انقطاع التيار الكهربائي لثماني ساعات يَوْمِيًّا على الأقل منذ قرابة 15 عامًا.
استجمع المهندس خبراته مطوعًا دراسته لهندسة الميكاترونيكس، التي تجمع بين الهندسة الميكانيكية، والكهربائية، وهندسة الحاسوب والإلكترونيات، لخدمته في صناعة أجهزة تبريد تعمل على الطاقة إلى جانب المولدات الكهربائية باهظة التكلفة، "نحتاج لكهرباء بشكلٍ مستمر، وعندما اعتمدنا على المولد الكهربائي ارتفعت التكلفة، وهو ما لن يتحمله المنتج لذا اعتمدنا على البدائل" كا قال.
وعلى ما يبدو أن المشروع بأكمله عبارة عن مشروع للبدائل، وبخاصة أنه أجبر صاحبه على الاطلاع والمعرفة الدائمة للمراكمة على نجاحه، كما أشار إلى مساهمة الحكومة في غزة بدعمه، من خلال بعض القروض بالإضافة إلى تخفيض تكلفة التراخيص ومنحه إعفاءً ضريبًا لثلاث سنوات، حتى يتمكن من الاستمرار.
وينتج المشروع اليوم قرابة الطن من الفطر الأبيض شهريًا، يسوقها في المولات والمراكز التجارية في مختلف مناطق قطاع غزة، طامحًا تطبيق التجربة في مناطق أخرى فلسطينية وعربية، بعد النتائج المهمة التي وصل لها، هو لم يصنع مشروعًا تجاريًا فقط، بل أجبرته الظروف على إنتاج بدائل علمية أيضًا.
أطلق على مشروعه "شركة كندي للتكنولوجيا الزراعية" تيمنًا بمؤسس علم الفلسفة العربية، يقول "استلهمنا بداية عصر التنوير العربي من هذا الشخص، بنظري كندي هضم المعارف الأجنبية وبدأ في إنتاج معرفة عربية، أحاول أن أكون في نفس المسار، وأعتبره الملهم لذا أطلقت اسمه على مشروعي".
بعد عملية توسعة المشروع، خلق الهجين فرصتي عمل لشخصين آخرين غيره، وقال: "المشروع الآن خلق فرصة عمل لأكثر من شخص، هذا بحد ذاته تحد كبير لواقع البطالة المتفاقم في قطاع غزة".
بعد التجربة التي أضافت الكثير لخبراته ومعرفته، ينصح الشاب الهجين أقرانه من الأجيال الشابة، باكتشاف الذات، وعدم السماع للعبارات المحبطة بسبب الظروف الصعبة التي يمرون بها أن تضاءل الأمل في عيونهم، قائلاً: "ثقفوا أنفسكم بكل ما تحتاجونه من معلومات، فكروا بروح تنافسية وابتعدوا عن التقليد قدر المستطاع، كونوا أنتم النموذج وستنجحون".