يشكو المواطن الخمسيني سهيل الحسيني، من عدم الحصول على بدل إيجار مسكن سوى مرة واحدة منذ دُمر بيته في أيار/ مايو 2021، وهو ما يتعارض مع تعهد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بدفع بدل إيجار للاجئين المدمرة بيوتهم تدميراً كلياً خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
كما يشكو الحسيني من ارتفاع قيمة الإيجار، الأمر الذي يضاعف العبء الملقى على كاهل أسرته والتي تعيش متنقلة من بيت لآخر منذ إنتهاء العدوان، دون وجود أُفق حقيقي لقرب إعادة الإعمار، كما يقول.
يشير الرجل إلى أن جيرانه من سكان البناية المدمرة، بعضهم تلقى بدل إيجار لعدة أشهر، في إشارة إلى عدم تكافؤ فرص المتضررين في الحصول على قيمة الإيجار.
ورغم مرور عام كامل على العدوان الأخير، إلا أن معاناة أصحاب البيوت المدمرة تتفاقم وسط جدلية تحميل المسؤولية بين الحكومة في القطاع والأونروا، حيث تقول الأخيرة إن الإعمار يسير بوتيرة متسارعة، فيما تقدر وزارة الأشغال العامة والإسكان نسب التقدم في هذا الملف بـ "12%".
ووسط موجة الانتقادات، انبرى صوت سيدة تدعى أم رفعت منصور (66 عاماً)، لتشكو أزمة الفُرقة التي أحدثها العدوان في أسرتها، حيث تباعد الأبناء الأربعة والأحفاد وتشردوا في شقق سكنية متباعدة، بعدما دمرت طائرات الاحتلال مسكن الأسرة متعدد الطبقات الواقع في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وعلى ضوء هذه المعاناة، تطالب السيدة منصور -التي تعاني ظروفاً صحية صعبة- الجهات المسؤولة بضرورة جمع شمل الأسرة، من خلال الإسراع في إعادة بناء المسكن الذي لازال كومة من ركام. مشيرة إلى أن واحداً من أصل أربعة أبناء، يعمل موظف وبمقدوره توفير قيمة الإيجار، فيما الآخرين لا يستطيعون ذلك بسبب تدني مستوى الدخل.
وقالت: “لم نحصل على أي تعويض بشأن إعادة إعمار منزلنا، الأمر يتعرض للمماطلة والتأجيل، كما أن التعويض يكون حسب المساحة، ولا يغطي تكاليف تجهيز البيت من الداخل".
ويبدو واضحاً، أن أصحاب البيوت المهدمة والبالغ عددها قرابة 1650 مسكناً، يلاحقهم وحش واحد اسمه "الإيجار"، أو على الأقل هكذا وصفه ناجي ناصير (36 عامًا)، والذي ما فتئ ينتقل منذ عام كامل، من شقة سكنية إلى أخرى بحثاً عن قيمة إيجار مخفضة، نظراً إلى عدم امتلاكه القدرة على تسديد قيمة الإيجار.
تعرض منزل ناصير للقصف ليلاً على رؤوس ساكنيه، وأصيب هو وزوجته وأطفاله الأربعة بجروح وكسور مختلفة، ويشير الرجل إلى أن الجهات الحكومية صنفت مسكنه على أنه غير صالح للسكن، ومع ذلك يقول إنه لم يحصل على أي تعويضات مادية أو بدل إيجار مسكن، فضلاً عن عدم إزالة منزله حتى اليوم.
وخلف العدوان الإسرائيلي على غزة خسائر مادية مباشرة بقيمة 420 مليون دولار، وإلى جانب الوحدات السكنية المدمرة كلياً، فإن ما يزيد عن 60 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل جزئي. إضافة إلى أضرار مباشرة في القطاعات الأخرى من بنى تحتية، ومنشآت اقتصادية، وزراعية، وتعليمية، وصحية، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
تقديرات تبدو غير متطابقة إلى حدٍ ما مع ما قدمته الأونروا من أرقام، والتي قالت على لسان مستشارها الإعلامي في قطاع غزة عدنان أبو حسنة، إنها انتهت بشكلٍ كامل من إعادة إعمار 7100 مسكناً مصنفة على أنها مدمرة جزئياً بأضرار طفيفة ومتوسطة وكبيرة.
أما فيما يتعلق بدفع الإيجارات للمهدمة بيوتهم، فقال أبو حسنة في تصريحات صحفية، إن الإيجارات ستدفع لمدة أربعة أشهر لنحو 613 عائلة خلال الفترة القادمة، معتبراً أن هناك تقدم بسرعة كبيرة في ملف البيوت المدمرة تدميراً كلياً.
قول مستشار الأونروا يتعارض مع ما قاله، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، ناجي سرحان، والذي أشار إلى أن الأونروا تدخلت حديثاً في ملف إعادة إعمار بيوت اللاجئين، وإن الملف لايزال يسير بوتيرة بطيئة.
وقال سرحان لـ"آخر قصة"، إن ما تم إنجازه حقيقة على الأرض في هذا الملف لا يتجاوز "12%" مما دمره الاحتلال، منوهاً إلى أن الأونروا تستثني من عملية الإعمار، اللاجئين الذي كانوا يسكنون العمارات متعددة الطوابق.
أما فيما يتعلق بالإيجار الذي يُثقل كاهل المواطنين المدمرة مساكنهم، أفاد سرحان بأن الأونروا قدمت مبالغ للاجئين بدلاً للإيجار لفترة محدودة، ثم توقفت عن ذلك، مبيناً في الوقت نفسه أنه لا يوجد تمويلاً للأضرار التي حلّت بالأبراج السكنية والعمارات متعددة الطوابق.
ومن الواضح، أن التصريحات الآنفة كانت سببا لأفل الأمل في عيون، سكان الأبراج السكنية المهدمة، حيث أن تركيز الإعمار ينصب نحو البنايات، فيما لا يلتفت أحداً نحو معاناة سكان الأبراج المشردين، كما قالت لبنى اللبابيدي (35 عاماً)، والتي فقدت شقة عائلتها في برج الجلاء وسط مدينة غزة، والمكون من 11 طابقاً ويضم 60 شقة بين تجارية وسكنية.
وأشارت اللبابيدي إلى تلقيهم وعود بأن تتم عملية إعادة إعمار البرج من قبل جهات قطرية، فيما أن المعطيات على الأرض لا تؤشر إلى قرب إنتهاء أزمة النزوح.
في المقابل، قال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان سرحان، إن المنحة القطرية تمكنت من إعمار 200 وحدة سكنية من أصل 1700 وحدة مدمرة، بينما شرعت المنحة المصرية بإنشاء 3 مدن في القطاع، تضم حوالي 117 عمارة سكنية، إضافة إلى تعبيد شارع الكورنيش في شمال قطاع غزة.
وختم سرحان حديثة، بالقول: "عملية الإعمار جزء من الاستقرار في المنطقة، وعلى المانحين أن يستثمروا في السلام، لأن هذا سيخلق الأمل لدى المواطنين".