- تخبريني كل يوم بأنكِ ستصبحين طبيةً، لماذا؟
- أنا أحب أن أكون طبيبة أسنان في المستقبل.. كي أعالج أسنانك.
هذا واحد من أشكال الحوار الذي كثيراً ما يدور بين الطفلة ماريا أبو حطب -الوحيدة الناجية من أسرتها- مع والدها "علاء". أسئلة أحيانا تحمل أبعاد بريئة وأحياناً أخرى تأخذ بعداً عميقاً يدلل على حجم الخوف الذي يمتلكها بفقدان أمها وأشقاءها الأربعة.
يحاول الأب في الكثير من الأوقات الخروج من دائرة الأسئلة الصعبة، إلى صناعة أجواء من الفرح لطفلته، التي شاء القدر أن تنجو في قصف لمنزل جدها ليلة الـ 15 من مايو 2021- إبان الحرب على غزة، لتصبح وحيدة بعد أن قضى القصف على أرواح سكان المنزل.
يشير الأب إلى أن طفلته ماريا (6 سنوات)، لا تزال تعاني من أثار الصدمة النفسية التي لازمتها منذ فقدان أمها وأشقاءها، وقد لجأ إلى إشراكها في الأنشطة الصيفية التي أقيمت لمتضرري الحرب، إلى جانب محاولة دمجها مع أطفال العائلة، بالإضافة إلى تدخل المؤسسات المحلية المختصة.
ولفت إلى أن جميع الجهود الآنفة أسهمت في التخفيف عن طفلته، وقال في وصف حالتها الآن: "على الرغم من التحسن الظاهر في حالة ماريا إلا أن المختصين أكدوا أنها بحاجة إلى المزيد من الوقت للتغلب على مخاوفها".ٍ
"ليال طويلة لم تستطيع ماريا النوم فيها إلا في حضني.. تفضل دائما ملازمتي، تخشى النوم في الغرف ذات النوافذ المفتوحة، تخشى دائما أن تقذف منها، مثلما حصل معها في تلك الليلة التي باغتهم فيها صاروخ وهم نيام، فنجت ماريا ولم ينجو أشقاءها وأمها"، يقول الأب ويصمت قليلاً.
بعد تنهيدة عميقة، تابع الأب قوله: "أحرص دائما على اختيار قنوات التلفزة غير الخبرية، خشية من إيذاء مشاعرها وإثارة قلقها بمرور مشهد لقتل أو دمار أو ما شابه".
تستعد ماريا لدخول المرحلة الابتدائية بعد انقضاء إجازة الصيف، بذاكرة ممتلئة بالندب لم تستطيع التخلص منها، حتى بعد مرور عامل كامل على انتهاء العدوان.
قال والدها إن طفلته لا تزال تنتظر أن يمسك أحدٌ من أشقاءها بيدها كي يصحبها إلى رياض الأطفال، وتعود محمولة من طرفيها بيدي "يوسف وبلال" اللذان فقدان حياتهما أثر القصف.. لم تنقطع أسئلتها حول مكان ذهاب أمها واخوتها وعن إمكانية لحاقها بهم".
ويضيف: "تسألني بشكل مستمر، بابا الجنة بعيدة كيف أروح لماما واخواتي؟".
مر عامٌ على الحادثة، لكنه لم يكن عاماً سهلاً على "علاء" وابنته، فكل معاناة كانت تمر بها الطفلة كان لابد لوالدها أن يخفف من وطأتها محاولاً مسح الحزن عن عينيها.
يقول علاء: " ماريا ضنايا الوحيد اللي ضايل مستعد أضحي بكل شي علشانها وكنت أخفي ألمي وتعبي علشان أضل قوي معها وحاولت كثيراً تهيئة أجواء مناسبة لها خلال هذا العام".
ارتبط علاء مؤخراً، بزوجة شابة كي تساعده على إكمال حياته وبناء أسرة جديدة، تكون ماريا أميرتها المدللة، والتي بدأت مؤخرا تستعيد الأمان والابتسامة التي غابت عن محياها عامل كامل.
ووفق تقرير أصدره مركز الميزان لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد الشهداء خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، (240 شهيداً)، من بينهم (60) طفلاً، و(38) سيدة، فيما بلغ عدد الجرحى الأطفال الذين تم رصدهم (630)، بينما الجريحات من السيدات (397 جريحةً).
وقد صادف أمس تاريخ 4 يونيو، اليوم الدولي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان، وهو يوم عالمي من أيام الأمم المتحدة، تأسس في 19 أغسطس 1982.