في قطاع غزة، لم يعد الاهتمام بالمظهر مجرد ترف، بل فعل مقاومة نفسي في مواجهة النزوح والحصار. نور أحمد (29 عامًا)، نزحت عدة مرات تحت وقع حربٍ لا تكادّ تتوقف، وما بين شُح المياه ولهيب الخيام لاحظت أن شعرها أصبح أكثر تلفًا وجفافًا من أيّ وقت مضى.
كانت ترى في تصفيفه مهمة يومية صعبة للغاية وسط غياب مواد العناية الأساسية. تقول: "أنا لا أبحث عن رفاهية، أريد فقط أن أبدو كإنسانةٍ طبيعية وسط كل هذا الخراب. أن أرى شعري مرتبًا هو آخر حِصن لي ضدّ شعور التشرّد والانهيار."
لكن الشابة دفعت لقاء تلك الأمنية ثمنًا قاسيًا، عندما أجرت جلسة بروتين شعر "معقولة السعر" تحولت إلى تجربة مؤلمة، تردف بأسى: "خرج من شعري دخان كثيف، رائحة خانقة، وأصبت بحرقان في الحلق وفروة الرأس. وبعد أيام، تساقط نصف شعري (...)، كنت أبحث عن استعادة نفسي، ففقدت شعري وصحتي".
هذه الشهادة ليست فردية، إذ يكشف تكرار تجارب سيدات من هذا النوع، عن تحوُّل غياب الرقابة إلى تهديد مباشر لصحة النساء، بتداول منتجات منتهية الصلاحية في السوق دون فحص، وبيعها تحت مُسمى "فرصة نادرة"، فيما لا تملك النساء خيارًا سوى المخاطرة.
ريم النيرب (25 عامًا)، طالبة جامعية، واجهت مأساة مشابهة. بحثت عن واقٍ شمسي يحمي بشرتها المحترقة بفعل تكرار مرات النزوح وتعرضها الدائم لأشعة الشمس الحارقة. وجدت عبوة من ماركة معروفة، دفعت مقابلها 250 شيكلًا أي نحو (65 دولار)، على أملٍ منها أن يضمن السعر المرتفع الجودة.
لكن النتيجة كانت عكسية، بعدما أصيبت الفتاة بحروق جديدة أكثر صعوبة والتهابات جلدية مؤلمة. تقول: "دفعت كل هذا المال لأكتشف أنني كنت أضع مادة سامة على وجهي باسم الحماية."
دفعت النيرب ثمنًا يفوق ثلاثة أضعاف سعر واقي الشمس، معتقدة أن الغلاء ضمان للجودة، لكن المنتج المغشوش أضاف حروقًا جديدة إلى وجهها؛ لتدرك لاحقًا أن قصتها ليست استثناءً، بل جزء من معاناة نساء تُستغل حاجتهن وتتحول عنايتهن بأنفسهن إلى مخاطرة يومية بلا حماية.
على نحوٍ مُشابه، في ليلة كانت تنتظرها طويلاً، وجدت سارة الأيهم (23 عامًا) نفسها تدفع آلاف الشواكل لمنتجات اعتقدت أنها ستمنحها الأمان في يوم زفافها. لكنها اصطدمت بواقع آخر؛ تقول: "دفعت 2500 شيكل في معرضٍ موثوق، فتفاجئت أن المنتجات منتهية الصلاحية، متكتلة وغير صالحة للاستعمال".
تُردف: "اشتريت تلك المنتجات لأستعملها يوم فرحي، وتبقى في جهازي، لكن عندما وجدتها على تلك الشاكلة، لم يكن خوفي الأكبر ضياع المال، بل المخاطرة ليلة زفافي. كنت خائفة أن أضع شيئًا على وجهي فيتحوّل حلمي إلى كابوس".
وهكذا تحوّل حلم سارة بالإطلالة المثالية إلى خوفٍ حقيقي من استخدام أي منتج على بشرتها، في مشهدٍ يكشف كيف تسلّل الاستغلال حتى إلى أكثر اللحظات المصيرية في حياة النساء، بينما تغيب أي جهة تضمن لهن الحماية من هذه المخاطرة.
خبيرة التجميل وصاحبة صالون نسائي، أماني أبو مدين، اعتادت أن تستقبل في صالونها الصغير وسط غزة نساء يبحثن عن لمسةٍ جمالية بسيطة، لكنَّ الحرب قلبت موازين عملها.
اليوم، تقول أبو مدين إن ما ترويه النساء من تجارب قاسية مع منتجات منتهية الصلاحية لم يعد استثناءً، بل واقعًا يوميًا يتكرر أمامها: "أستقبل أسبوعيًا نحو 70 حالة لترميم الشعر، وأكثر من ثلثها يعاني من تلفٍ تام". فيما يتداخل بين منتجات مغشوشة ومياه ملوثة وسوء تغذية وضغط نفسي خانق.
وتضيف أنّ مشاكل البشرة لا تقل خطورة: "من بين مئة حالة أتابعها أسبوعيًا، يعاني نحو 80% من حروق في الوجه بسبب الخيام وأشعة الشمس، فيما نفتقد أي منتج علاجي فعّال في قطاع غزة".
تكشف هذه الأرقام التي تعايشها أبو مدين ميدانيًا حجم الكارثة التي تعيشها النساء؛ ضرر يتراكم يومًا بعد يوم، تصنعه الحرب من جهة، ويضاعفه سوق متروك بلا رقابة من جهة أخرى.
أمام هذا الواقع، حاولت "آخر قصة" التعرّف على جهود وزارة الصحة في مراقبة الأسواق ومصادرة المنتجات التالفة. لكن رئيس قسم الطب الوقائي في الوزارة، غسان وهبة، اختصر المشهد بوضوح قائلًا: "للأسف الشديد، لم نعد قادرين في دائرة الطب الوقائي على متابعة دخول البضائع من المعابر ولا مراقبة الأسواق. حتى المواد الغذائية لم نعد نفحصها، وبالنسبة لمستحضرات التجميل، أصبحت صيدلياتنا مجرد أكشاك من الزينكو أو القماش، والدواء نفسه يتعرض للحرارة الشديدة دون أي رقابة".
ويوضح وهبة أنّ جهود دائرته تقتصر حاليًا على رصد الأمراض المعدية والوقاية منها، في إشارة إلى عجز المنظومة الصحية عن أداء دورها في حماية المستهلكين من منتجات فاسدة تهدد صحتهم بشكل مباشر.
محاولات "آخر قصة" للحصول على ردود أوسع من وزارة الصحة واجهت الصمت، إذ رفض عدد من الأطباء والمسؤولين التعليق. وهو ما يعمّق الفجوة بين معاناة النساء وغياب أي جهة رسمية تتبنى حمايتهن أو تقدم لهن بدائل آمنة.
بدوره، حذّر استشاري الأمراض الجلدية، الطبيب إبراهيم حبوب، من خطورة استخدام المنتجات التجميلية منتهية الصلاحية، وأوضح أن استخدامها يشكل خطرًا كبيرًا على صحة الجلد والشعر، خاصة في ظلّ انعدام الرقابة.
ونبّه إلى خطورة الانخداع بمظهر المنتجات، موضحًا أنّ كثيرًا منها قد يبدو سليمًا من الخارج لكنه يحتوي مواد كيميائية متحللة تسبب التهابات أو تساقطًا للشعر.
ويؤكد أن الحذر يبدأ من الانتباه إلى تفاصيل صغيرة مثل جودة العبوة والملصقات ورائحة المنتج، إضافة إلى مصداقية البائع الذي قد يقر أحيانًا بأنّ البضاعة "محلية الصنع". وهكذا يصبح التدقيق الفردي في هذه العلامات خط الدفاع الأخير للمستهلكين في سوق بلا رقابة.
غير أنّ المشكلة لا تُختزل في غياب الرقابة داخل غزة وحدها، فهناك مسؤولية أكبر تتجاوز حدودها. المحامية أسماء شاكر تحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الأساسية.
وتقول شاكر: "إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال ملزمة وفق المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة بضمان الإمدادات الضرورية للسكان، ولا يقتصر ذلك على الغذاء والدواء فقط، بل يشمل مستحضرات العناية الشخصية التي تحمي الصحة."
وتشير إلى أنّ ما يحدث يشكل أيضًا انتهاكًا للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يضمن حق الإنسان في الصحة والأمان.
في النهاية، تكشف الشهادات والاعترافات الرسمية والقانونية أنّ أبسط محاولات العناية بالذات في غزة تحوّلت إلى مخاطرة تهدد الصحة والكرامة. يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: مَن يحمي النساء من الغش التجاري في ظلّ غياب الرقابة، ومن يضمن لهنّ حقهن في الصحة والأمان؟
مستحضرات تجميل مغشوشة في أسواق غزة