غلاء الحفاضات يُجبر أمهات غزة على بدائل مؤلمة

غلاء الحفاضات يُجبر أمهات غزة على بدائل مؤلمة

تجلس سوزان سليمان (29 عامًا) على السجادة البالية المفروشة فوق رمال خيمتها البالية، عيناها مثبتتان على الفراش الوردي حيث ترقد رضيعتها البالغة من العمر خمسة أشهر. الطفلة تبكي دون توقف، بينما تمسك سوزان بآخر حفاضة متبقية لديها.

"لا أعرف كيف سأوفر ثمن شراء حفاضة أخرى"، تمتم سليمان وعلامات الضجر على وجهها، وذلك بعد أن وصل سعر القطعة الواحدة من الحفاظات إلى 12 شيكلًا (نحو 4 دولارات) في أسواق قطاع غزة الشحيحة.

في غزة، حيث يشدّد الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر أمام المواد الأساسية، لم تعدّ الحفاضات سلعة يومية، بل تحولت إلى حاجة بعيدة المنال. منذ مارس الماضي، توقفت شحنات مستلزمات الرضع، فقفز سعر العبوة من 13-25 شيكلًا (4-7 دولارات) إلى 500 شيكل (150 دولارًا)، وهو سعرٌ خيالي بالنسبة لعائلات تعيش على الحدّ الأدنى من سبل العيش.

ولا يُعدّ هذا الغلاء أزمة عابرة، بل كارثة تمسّ مئات الآلاف من العائلات، إذ يُقدَّر عدد الأطفال دون العامين في قطاع غزة مُنذ بداية 2024، بنحو 341,790 طفلًا. أيّ أنّ نحو 5–6 % من سكان غزة – أي أكثر من ربع مليون رضيع – يواجهون مخاطر صحيّة نتيجة الحرمان من أبسط احتياجاتهم اليومية.

نور فارس (24 عامًا)، أمّ لطفلين، اضطرت إلى التخلي عن الحفاضات تمامًا لابنها الذي لم يتجاوز العام والنصف. بعد أن فقد زوجها عمله كنادل في مقهى أُغلق بسبب الحرب الإسرائيلية المندّلعة منذ أكتوبر 2023.

ومع سوء الحال لم يعد بمقدور العائلة تحمل تكلفة الحفاضات، خاصّة عندما يعاني الطفل من الإسهال المتكرر جرّاء ظروف الطقس في الخيام من الحر نهارًا إلى البرد الشديد ليلًا؛ ما يجعله يحتاج إلى سبع حفاضات يوميًا على الأقل.

"كنا نشتري الباكيت الواحد والذي يحتوي على أكثر من 30 قطعة بامبرز، بتكلفة 14 شيكلًا، لكن الآن أصبحت القطعة الواحدة بهذا السعر تقريبًا"، تقول نور بينما تغسل أغطية الخيمة للمرة الثالثة هذا اليوم بعد أن فشلت تعليم ابنها على الذهاب لدورة المياه.

عبد الله نافذ (36 عامًا)، موظف براتب شهري لا يتجاوز 200 دولار، لديه طفل يبلغ من العمر عام واحد. وجدَ نفسه عالقًا بين اختيارين مريرين: شراء الحفاضات لابنه، أو تأمين الطعام لعائلته المُكونة من خمسة أفراد.

"تعبت من رؤية ابني يبكي من الجوع ومن الألم بسبب عدم وجود حفاضات"، يقول بصوتٍ خائر. "آخر مرة اشتريت فيها البامبرز كانت قبل شهر ونصف. ثم اضطرت زوجتي إلى استخدام قطع بلاستيكية وقطع قماش بدلًا منها".

أصيبت طفلتها غزل بتسلخات وتقرُّحات مؤلمة بسبب عدم تغيير الحفاضات بانتظام، حيث تضطر أمها إلى الانتظار نحو 24 ساعة قبل استبدالها، في محاولة يائسة لإطالة عمر الكمية التي كانت متبقية لديها.

تقول الأمّ والعجز يتملكها: "لا خيار آخر لدي. أراها تبكي بعد قضاء حاجتها، لكنني أتركها لساعاتٍ طويلة لأنّ الحفاضات شحيحة"، فيما تضطر بعد ذلك إلى مسح جسد رضيعتها المتقرّح بقطعة قماش مبللة بالماء الدافئ للتخفيف من آلامها.

أمّا إسراء خليل (26 عامًا)، التي رزقت بطفلها بعد ثلاث سنوات من الانتظار، وجدت نفسها مُضطرة لاتباع نصيحة والدتها بخياطة قطع قماش مع البلاستيك كبديل للحفاضات. لكنّ النتيجة كانت تسلخات مؤلمة لجسد رضيعها ذي الأربعة أشهر.

تقول خليل بصوتٍ مبحوح بينما تحاول تهدئة طفلها الذي لا يكف عن البكاء: "أعرف أنّ هذه القطع تؤذيه، لكن كيف أشتري حفاضات بسعر 150 دولارًا بينما بالكادّ نجد ما نأكله في ظلّ هذا الغلاء الفادح في أسعار المواد الغذائية؟".

الأمر لا يقتصر على الألم الجسدي؛ فغياب الحفاضات كواحدة من أهم المستلزمات الصحيّة يزيد من خطر الالتهابات البولية والتهابات الجلد الحادة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في خيام النزوح التي تتحوّل إلى أفران في النهار.

طبيب الأطفال عدي دبور، يُحذر من تزايد حالات الالتهابات الجلدية الحادّة بين الرضع بسبب استخدام مواد بديلة غير مناسبة مثل البلاستيك أو الأقمشة الخشنة، والتي قد تتطوّر إلى تقرحات ونزوف. 

كما يتسبب تعرُّض جلد الرضع الحساس باستمرار للرطوبة والمواد الكيميائية في هذه البدائل يمكن أن يؤدي إلى التهابات فطرية وبكتيرية قد تصل إلى مجرى الدم إذا أُهملت.  

ويشير دبور إلى أنّ هذه المواد غير المُخصصة لامتصاص الرطوبة تزيد من خطر الإصابة بالتهابات شديدة، خاصّة في فصل الصيف حيث تزداد العدوى الفطرية. كما أنّها ليست خالية من الجراثيم، مما قد يسبب حساسية جلدية أو التهابات تتطلب تشخيصاً طبياً لوصف العلاج المناسب.  

ويؤكد دبور أنّ هذه البدائل تسبب انزعاجاً شديداً للرضيع، مما قد يجعله يرفض الطعام ويدخل في حالة مزاجية سيئة. كما ينوّه إلى ضرورة تجنب غسل جلد الطفل بالمياه المالحة لأنها تزيد من التهيج والطفح الجلدي.

المأساة لا تقتصر على الصحة الجسدية؛ فالأمهات يعانين من ضغوط نفسية هائلة. أمينة حسن (25 عامًا) تقول إنها تشعر بالذنب كلما اضطرت إلى ترك الحفاضة المتسخة على ابنها لأنها لا تملك غيرها: "أحياناً أبكي معه، وأسأله أن يسامحني لأني لا أستطيع حمايته حتى من هذا الألم البسيط".

في خضم هذه الأزمة، تحاول بعض المؤسسات الإغاثية تقديم المساعدة، مثل الشبكة الدولية للغوث والعون والمساعدة "إنارة"، التي تخصص جزءًا من برامجها لتوفير مستلزمات الأطفال.

يسرى أبو شرخ منسقة المشروع في غزة، إنّ المؤسسة وزعت حفاضات على 800 طفل في يونيو الماضي، اعتمادًا على مخزون قديم تمّ تخزينه قبل إغلاق المعابر. لكنّها تُحذر من أنّ هذه الكميات على وشك النفاد، وإذا استمر الإغلاق، ستتوقف المساعدات تمامًا.

في ظلّ غياب الحلول، تزداد الدعوات للمجتمع الدولي للضغط لفتح المعابر، من الناحية القانونية، يوضح المحامي المتخصص في القانون الدولي يحيى محارب أنَّ منع إدخال مستلزمات الأطفال الصحيّة، بما فيها الحفاضات يخالف المعايير الدولية الحامية لحقوق الطفل، لا سيما القانون الدولي الإنساني.

"هذه جريمة حرب بموجب المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم سلطات الاحتلال بتأمين احتياجات المدنيين الأساسية"، يقول محارب. كما يُشير إلى أنّ الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ينتهك المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، خاصّة بعدما أمرت محكمة العدل الدولية بإدخال الإمدادات الإنسانية دون عوائق.

بينما تستمر الحرب، يبقى الأطفال الرضع في غزة ضحايا صامتين. تعاني عائلاتهم من العجز أمام احتياجاتهم الأساسية، بينما تعاني أجسادهم الهشة بسبب الالتهابات الجلدية الناتجة عن غياب الحفاضات أو استخدام بدائل ضارة. كل ما تبقى هو انتظار قرار من الاحتلال بفتح المعابر، أو استعداد لمزيد من المعاناة التي قد تتحوّل إلى هلاك.

 

موضوعات ذات صلّة:

نقص الحليب والحفاضات... أساسيات رعاية الرضع غائبة في غزة

الخدج: حياة مُعلّقة على جرعة حليب

مع نفاد الحليب: 110 طفل يزور المشفى يومياً

شح بحفاظات الأطفال بغزة.. كيف يتجاوز الفلسطينيون الأزمة؟

نقص المستلزمات الصحية لذوي الإعاقة يفاقم معاناتهم

شح بحفاظات الأطفال بغزة.. كيف يتجاوز الفلسطينيون الأزمة؟