الديليفري… خطر على الطرقات بلا ضمانات

الديليفري… خطر على الطرقات بلا ضمانات

لم يكن الشاب محمد دبور 24 عامًا -خريج جامعي- يتوقع أن يؤدي تدهور الأوضاع الاقتصادية وشح فرص العمل إلى أن يصبح سائق ديليفري في مكتب أو كما يطلق عليه "كابتن".

دبور الذي يعمل من (8-10) ساعات يوميًا، ويقضيها في إيصال الطلبات للزبائن من مكان لآخر، كي يحصل على (20 شيكلاً - 40 شيكلاً)، وهذا يحدده كمية الطلبات التي يقوم بإيصالها.

يقول دبور لـ آخر قصة بأنه يعمل في مكتب متخصص بتوصيل الطلبات أو ما يعرف بـ "الديليفري" منذ عام ونصف، حيث وقّع مع صاحب العمل عقدًا اشتمل على عدة بنود، أهمها ساعات العمل والمبلغ المحصل يوميا، مع وجود بند يعفي صاحب العمل في حال حدوث إصابة له أو للدراجة النارية من أي تكاليف وأعباء مالية، بل يتحملها الشخص نفسه "سائق الديليفري".

دبور والذي لجأ للعمل بعيدًا عن تخصصه الجامعي (لغة عربية وتربية إسلامية) في ظل ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الخريجين والشباب بشكل عام في قطاع غزة، لم يكن أمامه إلا الموافقة على هذا العمل الذي اعتبره فرصة ينافسه عليها الكثير.

حال الشاب دبور لا يختلف عن الشاب مهند النحال (٣٠ عامًا)، الذي يعمل ساعات طويلة ليوفر قوت يومه رغم خطورة العمل على الدراجة النارية، التي تعلم قيادتها بالممارسة ولم يحصل على رخصة قيادة رسمية.

يقول النحال: "الحياة صعبة وفش شغل، شو بدي أعمل، لازم أشتغل بأي شغل لأستطيع أن أعيش وأوفر احتياجاتي، احنا في غزة بس نلاقي شغل شو ما كان خطورته المهم نشتغل".

النحال الذي يعلم خطورة عمله، خصوصًا في ظل التغيرات والتقلبات الجوية، والتي قد تضاعف احتمالات إصابته بالخطر، يشير بقول ممزوج بين الجد والهزل، إلى أن مهارة الشخص في قيادة الدراجة النارية تحميه من المخاطر.

ويواجه النحال ذات المصير مع دبور، خاصة وأن مكتب الديليفري الذي يعمل به، لا يتحمل أيضًا أي تعويضات عن أي إصابة قد يتعرض لها خلال رحلات عمله اليومية في توصيل طلبات الزبائن.

"آخر قصة" توجهت إلى عدد من مكاتب توصيل طلبات الزبائن "الديليفري" والتي تعمل في قطاع غزة منذ سنوات، لفهم طبيعة عملهم، وما إذا كانت جميع الدراجات النارية العاملة لديها مرخصة أم تعمل دون ترخيص؟، ليتبين لمُعدّة التقرير أن بعض المكاتب حاصلة على ترخيص عمل نظامي، وآخرون يعملون بشكل غير نظامي.

تامر (اسم مستعار) صاحب مكتب ديليفري بغزة، تحدث عن عمل مكتبه الذي يضم 10 دراجات نارية، جميعها غير مرخصة، ولديه عشرة سائقين يقودونها، غالبيتهم لا يحملون رخص قيادة تسمح لهم بقيادة الدراجات، ويقول "أتحدى أي مكتب في غزة أو أي فزبة -دراجة نارية- أن يكون حاصلاً على ترخيص أو رخصة قيادة، بسبب ارتفاع التكاليف".

وتبلغ تكلفة ترخيص الدراجة النارية "ديليفري" 900 شيكلاً، فيما تبلغ قيمة رخصة قيادة الدراجة النارية 100 شيكل سنويًا، وهذا مكلف جدا بحسب ما قال تامر.

وفي حال أصيب سائق الدراجة النارية أثناء توصيل الطلبات، يوضح صاحب المكتب أنه لا يتحمل أي عبء مالي، بل السائق يتحمل نتيجة الإصابة والضرر في الدراجة النارية، متذرعًا بأن المخطئ عليه أن يتحمل نتيجة الخطأ.

وأنشأ تامر مكتبه منذ عامين تقريبًا، ليعمل على فترتين يوميًا، فترة صباحية تبدأ الساعة 8 صباحًا وتنتهي الساعة 9 مساءً، أما الفترة المسائية من الساعة 9 مساءً وحتى الـ 8 صباحًا، بمقابل أجر مالي يومي للسائق ما بين 20 إلى 40 شيكلاً، بحيث يتم حساب القيمة نسبة وتناسب بين صاحب المكتب وسائق الدراجة، وفق نتاج عمله اليومي.

وينوه صاحب المكتب إلى أن سائق الدراجة النارية، يجب أن يدفع من حصيلة الطلبات التي قام بتوصيلها يوميًا على مدار ساعات عمله، 20 شيكلاً لصاحب الدراجة النارية، وما يتبقى من مبلغ يتم توزيعه بين صاحب المكتب والسائق، أما الوقود الذي تستهلكه الدراجة يوميًا، ويكلف ما بين (10-15) شيكلاً، حسب الطلبات اليومية ومشاوير العمل، يتم احتسابها من المبلغ المتحصل من الطلبات.

وفي إحصائيات سابقة صدرت عن إدارة المرور والنجدة بغزة، شهد القطاع 2461 حادثًا مروريًا وقعت خلال العام 2021، نتج عنها وفاة 53 مواطنًا، منهم 9 وفيات بسبب حوادث دراجات نارية، وإصابة 1315 آخرين،  كما وتضررت 3527 مركبة، منها 325 درجة نارية نتيجة الحوادث.

في المقابل، يوجد لدي جميل اليازجي صاحب مكتب ديليفري 100 دراجة نارية، يعمل عليها 100 سائق، منها 30 دراجة نارية مرخصة فقط، بالإضافة إلى أن العدد الأكبر من سائقي دراجاتهِ النارية لم يحصلوا على رخصة قيادة، والبعض الآخر يعمل على دراجته الخاصة. 

مكتب اليازجي يعمل في غزة منذ عام 2018، ويقول: "وضع مكاتب الديليفري صعب جدًا، نظرًا لارتفاع تكاليف إيجار المكتب وأيضًا فواتير الهواتف، والإصلاحات الدائمة للدراجات النارية لاسيما أن فصل الشتاء انتهى والآن الغالبية العظمي من الدراجات بحاجة إلى عمليات صيانة وتغيير معدات، وجميعها مُكلفة ويتحمل مسؤوليتها المكتب.

ويبرم المكتب اتفاقًا مع السائق الذي يعمل لديه، بمعدل 8 ساعات عمل يومياً، و ما يحصل عليه من مبلغ مالي تكون نسبة المكتب بين 14% أو 16% من قيمة المبلغ اليومي، كمثال يحصل السائق في إيصال الطلبات على 100 شيكل، منها 14 شيكلا للدراجة النارية وباقي المبلغ يحسب نسبة وتناسب، فيما يحصل السائق على 40 شيكل بحد أقصى.

وفي حال تعرض سائق الدراجة لإصابة ما، يشير اليازجي إلى أن السائق يتحمل هذه المسؤولية، لأن مكتب التوصيل لا يتحمل ذلك وفقًا للاتفاق المبرم بينهما "اتفاق شراكة".

ربما بعض هذه المكاتب تعمل في قطاع غزة بشكل قانوني، لكن، كيف يرى وينظم قانون العمل الفلسطيني طبيعة عملها، وهل تخالف بنود القانون، خصوصًا في شروط عملها وسلامة العاملين؟

المحامي علي الجرجاوي من مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، يشير إلى أن قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، حدد ثلاث عناصر أساسية كي يحمل أي شخص صفة عامل، كأن يكون شخص طبيعي يقوم بعمل، سواء ذهني أو عضلي، وأن يكون العمل بمقابل مادي، والتبعية، أي من يتبع من، منوها إلى أنه إذا توفرت تلك العناصر، يحظى الشخص بصفة عامل ويخضع لأحكام قانون العمل.

ويضيف الجرجاوي "في حال انطبقت صفة عامل على الشخص، أوجب هذا على صاحب العمل أن يلتزم بأحكام القانون، خاصة الباب التاسع من القانون، والذي يتعلق بالتأمين ضد إصابات العمل، والتعويض في حال الإصابة".

وتوجب المادة 116 من قانون العمل، صاحب العمل على تأمين حياة عماله، لأنهم يؤدون العمل تحت إدارته وإشرافه، مقابل الأجر الذي يحصلون عليه، وتساءل المحامي "هل شركات التأمين تؤّمن على حياة عامل الديليفري، تحديدًا تأمين ضد إصابات العمل، وليس تأمين على الدراجة النارية أو صاحبها؟!

ويتابع، قانون العمل في تعريفه لإصابة عمل، لا يتحدث عن الإصابة التي تحدث في مكان العمل، وإنما هو حادث يحدث في مكان العمل أو بسببه، بمعنى أن عامل الديليفري أثناء تنقله من مكان لآخر على الدراجة لتوصيل الطلبات وفق تعليمات وإشراف صاحب العمل، فإن وجوده في أي مكان وتعرضه لأي حادث، لم يكن إلا بسبب العمل، وهذه الحالة تسجل مباشرة إصابة عمل.

ويقول الجرجاوي: "من المفترض أن يكون لعمال التوصيل تأمين ضدّ إصابات العمل، ليُعوَّضوا في حال تعرضهم لأي إصابة وفق قانون العمل ووفق قانون المرور/ الحوادث".

توجهنا بالسؤال إلى وزارة العمل بغزة، لفهم طبيعة دورها في متابعة العاملين بمكاتب التوصيل، حيث كان الرد "هذا الأمر لا يتبع اختصاصها، ولم يرد لها أيّ شكوى في هذا الخصوص"، ما جعلنا نتوجه إلى وزارة النقل والمواصلات التي أكدت أنها لم تصدر أي  رخصة قيادة لسائقي الدراجات النارية "الديليفري" وترخيص أيضا للدراجات النارية "الديليفري".

يقول إياد حرز الله مدير دائرة النقل في وزارة النقل والمواصلات "حتى الآن لم يصدر أي رخصة قيادة لسَائقي الدراجات النارية تحديدًا الديليفري في غزة"، موضحًا أنه ومنذ العام 2019 بدأت وزارته بعملية ترخيص للدّراجات النارية (الديليفري) لكن واجَهتهم عدة مشاكل، أبرزها، مكتب التوصيل غير مرخص من قبل وزارة الاقتصاد الوطني باعتبار أنه شركة، وأكثر من 95 % من الدراجات النارية العاملة لدى تلك المكاتب غير حاصلة على ترخيص من قبل وزارة النقل والمواصلات وتأمينها صعب جدًا من شركات التأمين، بالإضافة إلى عدم وجود رخصة قيادة لمن يقود هذه الدراجة".

ويشير حرز الله إلى أنه طالما لا يوجد ترخيص للدّراجات النارية "الديليفري"، بالتالي لا يوجد إحصاءات رسمية عن أعدادها في قطاع غزة.

وعكفت وزارة النقل والمواصلات ضمن جدول مخططها منذ عامين، على تنظيم عمل مكاتب الديليفري وفق قانون المرور رقم 5 لسنة 2000، لكن حتى اللحظة لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، ما يجعل هذا الأمر محط تساؤلات عدة، وما إذا كان سيبقى ملف شركات التوصيل وانتهاك حقوق العاملين فيها هكذا دون متابعة من الجهات الحكومية المختصة، ودون تطبيق للقوانين.