الجرجير في رمضان.. طبق زائد عن الحاجة يسد عجز صغار الباعة

يُقدر إنتاجه بنحو 100 دونم سنويًا

الجرجير في رمضان.. طبق زائد عن الحاجة يسد عجز صغار الباعة

في الأسواق وعلى جانبي طرقات الشوارع الرئيسية وحتى الفرعية في قطاع غزة، تنتشر بسطات باعة المخللات والخضروات التي يرتفع الطلب عليها خلال شهر رمضان. الجرجير من أبرز الخضروات الورقية التي يطلبها المواطنون يوميًا في القطاع لتزيين سفرة الإفطار، وهو نبتة ورقية توضع إلى جانب أطباق الطعام كنوع من المقبلات والمشهيات، ومحلياً يطلق عليه اسم "روكة". 

أبو محمود عبد الجواد 39 عامًا، يوميًا وقبل موعد الإفطار يتجه إلى البسطة القريبة من مسكنه، بعد أن يصطحب معه أحد جيرانه أو أصدقاءه، ويشتري الجرجير من ثم يعود إلى منزله، يقول لـ آخر قصة "لا يمكن أن يمر يوم خلال شهر رمضان دون تزيين السفرة بالجرجير". 

هذه العادة، اكتسبها أبو محمود عن والده، منذ الطفولة، مشيرًا إلى أن رخص ثمن الجرجير -شيكل واحد لكل حزمة يومية- يدفعه إلى شرائه وتناوله مع الفطور الرمضاني يوميًا، دون التفكير فيما إذا كانت تتناسب مع نوع طعام الإفطار اليومي أم لا.

والجرجير هو نبتة ورقية، تؤكل بجانب العديد من الأكلات، وتحتوي على العديد من الفوائد الصحية، والبعض يصنع منه عصير.

ربما ارتفاع الطلب على الجرجير، تحديداً خلال شهر رمضان، هو ما يفتح المجال  لعشرات وربما المئات من صغار الباعة لبيعه على الطرقات خلال الشهر، واعتباره مصدر رزق بسيط ومؤقت في ظل ارتفاع نسب البطالة بين صفوف الشباب في قطاع غزة لقرابة الـ 50% وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 

على سبيل المثال، هناك أكثر من 35 بسطة لبيع الجرجير في شارع الجلاء -وهو شارع رئيسي يربط وسط مدينة غزة بشمالها-، أما في شارع عمر المختار -وهو الشارع الرئيسي الذي يربط بين غرب وشرق المدينة ويحتوي على عدد من الأسواق الرئيسية - فهناك أكثر من 40 بسطة على جانبي الطريق، بالإضافة للباعة المتجولين في الأسواق على طول الشارع لبيع الجرجير في رمضان. 

الشاب هيثم محسن "21 عامًا"، عاطل عن العمل ويسكن في شارع الجلاء بغزة، افتتح بسطة صغيرة أمام باب منزله المطل على الشارع، منذ الأول من رمضان لبيع بعض الخضروات للمارة، مثل الجرجير والبقدونس والنعناع والفجل، يقول لـ آخر قصة "منذ ثلاث سنوات، وبسبب قلة العمل، أبيع على باب المنزل بعض الخضروات الورقية في شهر رمضان، لأن هناك طلب كبير عليها".

يوضح هيثم أن بيع الخضروات الرمضانية، يدر عليه ربحًا ما بين 10 إلى 15 شيكل يوميًا، وخاصة من بيع الجرجير والفجل، حيث يرتفع عليهم الطلب من الزبائن بحسب ما قال، وهو ما يمكنه من توفير دخل بسيط يستطيع من خلاله تأمين الحد الأدنى من مصروف عائلته اليومي.

أما الطفل حسين الأقرع "14 عامًا"، يقف على باب مخبز في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة، ويحمل بيده صندوقاً بلاستيكياً به باقات من الجرجير المبلل، ويعرضه على رواد المخبز تارة وعلى المارة تارة أخرى، حيث تنشط حركة البيع قبل موعد الإفطار بساعتين على الأقل.

يقول الفتى الذي لا يعلم شيئاً عن حظر عمالة الأطفال في القانون الفلسطيني: "احنا شغلنا حسب الموسم، حاليًا في رمضان الناس بتطلب الجرجير، وأنا ببيعه علشان أساعد في دخل أسرتي المكونة من 8 أفراد".

وتنص المادة 4 من القرار بقانون رقم (19) لسنة 2012 بشأن تعديل قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004، على "يحظر تشغيل الأطفال أو استخدامهم أو تكليفهم بأية أعمال أو مهن خطرة أو غيرها من الأعمال والمهن التي تحددها وزارة العمل ومن شأنها إعاقة تعليمهم أو إلحاق الضرر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية بما في ذلك العمل لدى الأقارب من الدرجة الأولى".

وبلغت نسبة عمالة الأطفال من الفئة العمرية (10-17 عاماً) في قطاع غزة 0.9% في قطاع غزة، من عددهم البالغ أكثر من مليون طفل من كلا الجنسين خلال العام 2021، بحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صدر قبل أيام بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني السادس من نيسان/ أبريل.

وينشط حسين يوميًا في ملاحقة الزبائن ما بين الأرصفة والطرقات هو وشقيقه، بعد انتهائهم من الدوام المدرسي، حيث يتمكن من خلال بيعه تأمين مصروف عائلته التي فقدت رب الأسرة قبل سنوات إثر مرض عضال، ويضيف "اخترت مكان البيع على باب المخبز، لأن فيه ناس كتير رايحة وجاية وغالبًا بتكون حركة البيع أفضل من الجلوس بجانب الطريق وانتظار الزبائن"، حيث يتمكن هو وشقيقه من تأمين دخل يومي بحدود 20 شيكل يوميًا.

وحول زراعة الجرجير، دأب المزارع إسماعيل سمور في الخمسينات من عمره، على زراعة محصول الخضروات سنويًا بأرضه الواقعة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وبخاصة قبل دخول رمضان بأيام، وقال "أزرع الجرجير واستثمر بيعه في شهر رمضان، خاصة أنه يزداد الطلب عليه خلال هذه الفترة من العام".

صحيح أن المزارع سمور يزرع الجرجير مرتين في العام، لكنّه يزرع لموسم رمضان مساحة تقدر بثلاثة أضعاف الموسم العادي، حيث زرع هذا العام أكثر من 5 دونمات من الجرجير، واستعد لها قبل رمضان بأربعين يومًا، بحسب قوله لـ آخر قصة خلال اتصال هاتفي. 

يضيف المزارع الذي يعيل أسرة مكونة من 10 أفراد: "يحتاج الجرجير لأجواء معتدلة حتى لا تتعرض النبتة للحرق إثر البرد القارص أو الحرارة المرتفعة، لأن ورقة الجرجير ضعيفة ولا تتحمل تقلبات الطقس". وأضاف الرجل "هذا العام وبسبب تغيرات المناخ، وتعرض قطاع غزة لموجة برد قارص قبل شهر رمضان بأيام قليلة، تعرض جزء صغير من الجرجير للتلف، ولو امتدت برودة الأجواء لفترة أطول ربما فقدت المحصول برمته".

ربما يعتقد البعض أنّ نبتة الجرجير غير مربحة، لكن المزارع سمور أشار إلى أنّ زراعة الجرجير يُدر على المزارعين أرباحًا جيدة مقارنة بغيره من المحاصيل، خاصة في موسم شهر رمضان، إذ يزداد الطلب عليه من المستهلكين لتزيين سفرة الإفطار.

وفي الوقت الذي لم يتسنى لنا فيه معرفة حجم محصول الجرجير السنوي في قطاع غزة -بسبب غياب الاحصائيات الرسمية-  يقدّر المزارع "سمور" حجم الإنتاج بنحو 100 دونم سنويًا.