قنابل موقوتة في غزة.. من ينقذ السكان؟

انتهت الحرب ولم تنته..

قنابل موقوتة في غزة.. من ينقذ السكان؟

قليلاً ما تظهر الأنباء المتعلقة بالمتفجرات ومخلفات الاحتلال في عناوين الصحافة اليومية؛ إذ يتصدر الوضع السياسي و أسعار الغلاء صفحات الأخبار الأولى، بينما ينبغي للقنابل الموقوتة في غزة والتي لا يستطيع أحد نزع فتيلها، أن تحتل الصدارة وذلك لتهديدها حياة الآلاف من الأشخاص. 

اليوم ونحن نقترب من مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في الـ 20 من مايو 2021، يسير المارة في شارع الوحدة غربي مدينة غزة -وهو أحد أكثر الشوارع حيوية في المدينة- دون أن يشعروا بالخطر الذي يهدد حياتهم، إذ يوجد 5 صواريخ على الأقل من مخلفات الاحتلال لم تنفجر، بقيت في باطن الأرض ولم يتم استخراجها حتى الآن، وفق إفادة إدارة هندسة المتفجرات في جهاز الشرطة بقطاع غزة. 

الحياة عادت لطبيعتها في صبيحة اليوم التالي للعدوان الذي استمر لنحو عشرة أيام. طُمرت الحفر التي خلفها القصف وسار الناس إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم، دون وجود أي لافتات تحذيرية للسكان من الخطر المحدق بهم، خاصة وأن هذا الشارع يؤدي إلى "دار الشفاء" أكبر مستشفى حكومي في المدينة، علاوة على وجود عدد من المدارس القريبة من الشارع. 

لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد السكان في المنطقة التي تتواجد فيها المخلفات الصاروخية، ولكن الاستهداف الذي أصاب الشارع امتد لما يزيد عن كيلو متر تقريبا، وقد يبدو ذلك واضحاً في الخريطة أدناه:

الخطر غير كامن في شارع الوحدة فحسب، هناك في منطقة غرب بيت لاهيا مثلاً يبدي المزارع منذر أبو جراد، مخاوفه من احتمال سقوط ضحايا نتيجة وجود مخلفات صاروخية لم تنفجر في الأراضي الزراعية القريبة من مسكنه.

 يقول أبو جراد لـ آخر قصة "خلال عملنا المعتاد في حراثة الأرض تواجهنا قنابل غير منفجرة، ولا يتعامل معها المزارعون بوعي كافي، حيث يحملونها بين أيديهم غير مدركين المخاطر التي قد تصيبهم"، بينما يسارع البعض للاتصال بالشرطة فور مصادفته لهذه المخلفات، بحسب أبو جراد. 

في شمال قطاع غزة، وتحديداً في الثالث عشر من أغسطس 2014 سقط الصحفي الفلسطيني علي أبو عفش، وزميله الأجنبي كاميلي سيمون، إلى جانب أربعة مدنيين آخرين، وستة جرحى، خلال معاينتهم لعملية تفكيك صاروخ لم ينفجر، قام بها أفراد من هندسة المتفجرات. 

خلال عملية بحث عميقة، حول توثيق عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة انفجار الألغام والقذائف والصواريخ الغير منفجرة في الأراضي الفلسطينية، تبين عبر تقارير الدول العربية في مرصد الألغام الأرضية، أن هناك أكثر من 2500 شخص قتلوا وأصيبوا من جراء انفجار تلك الأجسام خلال الفترة الممتدة من (1967- 1998). 

بينما قدر رئيس قسم التوعية والإرشاد في هندسة المتفجرات في قطاع غزة محمد مقداد، عدد ضحايا إدارته منذ تأسيسها إلى الآن بنحو 20 ضحية.  

حاولنا الإحاطة بحجم الخطر المحدق بالسكان، لكنه لم يتسنى لنا معرفة العدد التقريبي للصواريخ والقذائف غير المنفجرة خلال العدوان الأخير على غزة مايو 2021، غير أنه في العدوان الذي سبقه يوليو 2014 والذي استمر لنحو 50 يوماً، تبين بعد اطلاعنا على تقرير الاستجابة لحالات الطوارئ في غزة التابع لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)  أنه تم إطلاق حوالي 72.000 قطعة من الذخائر خلال تلك الفترة.

وبحسب التقرير، فإنه وبناءً على معدل فشل بنسبة 10% من تلك الذخائر، فإنه من المفترض أن هناك ما يقرب من 7200 قطعة من المتفجرات من مخلفات الحرب في غزة. وهذا يشكل انعكاساً لحجم الخطر المحدق بالسكان في حينه، ولايزال.

ورغم هذا الكم من المخلفات، إلا أنه لا توجد إرشادات كافية لتوعية السكان من مخاطر هذه الأجسام. ويبرر رئيس قسم التوعية والإرشاد في هندسة المتفجرات محمد مقداد، عدم وجود الإشارات التحذيرية في شارع الوحدة على سبيل المثال، بأن "هذه المخلفات المتنوعة ما بين صواريخ وقنابل وغيرها، اخترقت باطن الأرض دون أن تنفجر واستقرت فيه على بعد 10-15 كيلو متر، وهي لا تشكل خطرًأ على حياة الناس لأنها مستقرة ولا يمكن أن تنفجر إلا إذا أجريت حفريات بالقرب منها".

في الحقيقة، لا أحد يضمن ألا تحصل أعمال حفر على الطريق، أو إقامة ورش انشائية في المكان، لهذا فإن تأكيدات "مقداد" على أن تلك القذائف لا تشكل خطراً على حياة الناس، لا تنفي الشك في احتمال وقوع انفجارات. 

يشير مقداد إلى أن الفرق الميدانية تستخرج بشكل يومي قنابل لم تنفجر، وهي من "عائلة (M.K) أمريكية الصنع"، كما قال، مضيفاً لا يوجد رقم محدد لأوزان الصواريخ والبارود التي تم استخراجها منذ توقف العدوان، إلى الآن.  

لكنه عاد وأكد أن هندسة المتفجرات في قطاع غزة تتلف أسبوعيًا من 400-500 كيلو من المخلفات"، مبيناً أنه يجري العمل حالياً في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي الأخير، سيعقبها عمليات حفر وتنقيب في شارع الوحدة.

ونوه في الأثناء إلى أن هندسة المتفجرات في جهاز الشرطة بغزة، تعمل بالتعاون مع دائرة الأمم المتحدة المختصة بالألغام، مع أنه قال "نعمل بشكل مشترك لاستخراج مخلفات الاحتلال، لكن UNMAS لا توفر الدعم اللوجستي المتعلق بتدريب طواقم العمل لدينا، بذريعة أن الاحتلال يمنع ذلك". 

يعزو مقداد السبب في تأخر ازالة المخلفات إلى نقص الامكانات اللازمة، وعدم توفر الدروع اللازمة لفرق العمل، إلى جانب عدم توفر سيارات خاصة بنقل المخلفات بعد استخراجها، والحاجة لأجهزة التنقيب عن المخلفات، "وإسرائيل لا تسمح لهذه المواد بالدخول؛ هذا ما تخبر به الجهات الدولية المعنية حين يتم مخاطبتها"، كما قال. 

إذا كانت المخاوف على اليابسة قائمة، ففي البحر مخاوف أخرى لا تقل خطورة، حيث يفيد زكريا بكر منسق اتحاد لجان الصيادين بغزة، بمواجهتهم لمخلفات مختلفة الأشكال والأحجام من القنابل غير المتفجرة خلال عمل الصيادين في عرض البحر.

وقال بكر "نجد في شباك الصيد أجسام وعبوات غريبة، ونظراً لأن غالبية الصيادين لا يملكون المعرفة الكافية بالتعامل معها، يعاودون إلقائها في البحر". وينقل بكر ما يشاهده الصيادون "طائرات الاحتلال المسيرة التي تطير على ارتفاعات منخفضة، تُلقي إلى البحر أجسام مختلفة لا يتسنى لهم معرفتها أو مدى خطورتها".

بالتوازي مع جملة المخاطر المحدقة بالصيادين الفلسطينيين في البحر نتيجة الألغام غير المتفجرة، فإن بكر يتوقع أن يكون تراجع حجم إنتاج الأسماك بسبب المتفجرات والمخلفات المُلقاه في البحر.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تضييقها على الصيادين منذ عام 2008 وحتى الآن، سواء بتقليص مساحة الصيد، أو بإلقاء النار والاعتداء عليهم وتعرضهم للاعتقال، وقد استشهد في العام الماضي 3 صيادين من عائلة اللحام، جراء انفجار عبوة شديدة الانفجار مُثبتة على حوّامة كواد كابتر تابعة للاحتلال الإسرائيلي، علقت في شباكهم وانفجرت أثناء استخراجهم للشباك."

أمام هذه المخاطر المقلقة، أكد مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني على الحاجة المُلحة لوجود مختبرات للتعامل مع هذه الأنواع من المتفجرات والقنابل، إضافة إلى الحاجة للتوعية حول كيفية التعامل معها، وكذلك الدعم اللوجستي.

وقال الصوراني خلال ندوة عقدها مركزه في الرابع من أبريل الجاري، بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام "سنسلط الضوء على ما نواجهه في غزة بإرسال رسائل نداء للدول ذات العلاقة لتعمل على المساندة سواء في الجانب التقني أو الفني، وضرورة حصول فرق العمل على التدريب اللازم".