في يناير 2022، فوجئ سكان بنايات الإسكان التعاوني في قطاع غزة، بقرار صادر عن سلطة الأراضي، يطالبهم بتسجيل شققهم السكنية لديها، بهدف إصدار شهادة طابو "شهادة ملكية" بعد أن كان التسجيل مقتصراً على أصحاب الأراضي.
بررت سلطة الأراضي قرارها في حينه، بأنه يهدف إلى حفظ حقوق المواطنين وملكياتهم من الضياع والتزوير، خاصة بعد تعرض العديد من العمارات والأبراج السكنية للتدمير جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة.
في المقابل، اعتبر مواطنون القرار، "أسلوباً جديداً" للحكومة في قطاع غزة، بهدف جمع الضرائب من المواطنين المثقلين بالأعباء الاقتصادية، معبرين عن مخاوفهم من تحول القرار إلى شرطٍ رئيسٍ للحصول على خدمات مثل الماء والكهرباء.
ورغم أن إعلان سلطة الأراضي خص بالذكر الشقق السكنية التابعة لنظام الإسكان التعاوني "الجمعيات الإسكانية"، إلا أنه وخلال البحث، تبين لدى معدة التقرير أن القرار يشمل الشقق في العمارات السكنية بكافة أشكالها، ومنها الاستثمارية والعائلية وحتى المحال التجارية.
الشاب أيهم الخالدي "28 عاماً" يبحث عن شقة في عمارة سكنية بهدف الزواج وتأسيس أسرة جديدة، عبرّ عن امتعاضه من قرار تسجيل الشقق في (الطابو).
ووصف الخالدي القرار بأنه "وسيلة جديدة لتحصيل المال من المواطنين"، وقال: "ما حاجة ملاك الشقق لتسجيلها في الطابو طالما أن لديهم عقد يثبت شراء الشقة السكنية وتملكها من البائع، ومسجل لدى مكتب محاماة!".
ويتجه السكان في القطاع الذي يعاني من أزمة كثافة سكانية خانقة تصل إلى 5.4 ألف نسمة لكل كيلو متر مربع، إلى البناء الرأسي، من خلال إنشاء الأبراج والعمارات السكنية، مع استمرار الزحف السكاني على المساحات الخضراء.
وكانت قالت وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزّة، في 5 يناير 2020، "إن القطاع يعاني من عجز في الوحدات السكنية يقدر بـ 120 ألف وحدة، إضافة إلى حاجته لـ14 ألف وحدة سكنية سنويا لتلبية الزيادة السكانية الطبيعية".
المواطن خالد الفيومي (42 عاماً) الذي تملك مؤخراً شقة سكنية في برج "الصفا" السكني في شارع النصر غرب مدينة غزة ليسكن بها وعائلته المكونة من 7 أفراد، استهجن القرار، واعتبره "نوع جديد من أنواع الضرائب الذي تفرضه الحكومة في غزة على المواطنين المثقلين بالأعباء الاقتصادية".
وأضاف الفيومي: "أعتقد أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل ستصبح المشكلة أعظم عند ملاك الشقق عندما يصبح أمر تسجيل الشقق في (الطابو) إلزامياً أكثر، من خلال ربط هذا الإجراء، بالحصول على خدمات بلدية، كالمياه والكهرباء".
ضوابط ومعايير
المجمع السكني المعروف باسم (المجمع الإيطالي) الواقع شمال غرب مدينة غزة، والذي دمرته إسرائيل في عدوانها على غزة عام 2014، ويحتوي على 17 طابقاً، ويضم أكثر من 50 شقة، وعدد كبير من المحال التجارية، حيث تتم عملية إعادة بنائه مجدداً منذ مايو 2021 الماضي. فإنه وبحسب قرار سلطة الأراضي الجديد، يتوجب على ملاك الشقق السكنية في هذا المجمع تسجيل ملكية شققهم في (الطابو) من أجل حفظ حقوقهم.
عبر محمد مرتجى، عضو مجلس إدارة البرج عن استغرابه من إصدار هذا القرار، وقال أنه لا يجد أي مبرر لذلك، خاصة وأن مُلاك الشقق السكنية معروفين، ولدَيهم أوراق وشهادات تثبت ملكيتهم للشقق.
وأضاف مرتجى: "لا يمكن القبول بمثل هذا القرار، فكيف يعقل أن نطلب من مُلاك الشقق في الأبراج المهدمة دفع أموال لتسجيل شققهم في (الطابو)، وهم لا زالوا يعانون من تبعات الحرب وأهمها التشرد والاستنزاف المالي، وعدم توفر مصادر الدخل. القرار سيزيد هذه العائلات إرهاقاً".
ويذهب المحلل الاقتصادي نهاد نشوان، إلى ما ذهب إليه المواطنون، في التعبير عن مخاوفهم من أن يكون هذا القرار "وسيلةً لتحصيل الحكومة لمزيد من الأموال من المواطنين".
وقال نشوان: "تسجيل الشقق في سلطة الأراضي، هو إجراء يشبه إجراءات الشهر العقاري في مصر والتي تُلزم البائع والمشتري إتمام العملية لدى الدوائر الرسمية للدولة لضمان الحقوق، ولكن يبقى التساؤل المطروح، هل هذه الخطوة التي تتخذها السلطات بغزة تهدف فعلاً لضبط وضمان حقوق مالكي الشقق؟ أم أنها نافذة لكسب الإيرادات والرسوم على حساب المحاصرين في غزة؟".
وشدد على ضرورة أن يتم تنفيذ القرار وفق مجموعة من الضوابط والمعايير، والتي أهمها "أن تكون رمزية الرسوم، ليكون بمقدور الجميع ضمان الحقوق دون استنزاف مالي، وأن يكون دفع الرسوم لمرة واحدة فقط، فلا يجوز تحصيلها على نفس العقار عند كل عملية بيع وشراء".
وتابع قوله: "كذلك لابد أن يكون التسجيل لدى الطابو اختياري وليس إلزَامي، وعدم ارتباط تسجيل الطابو بضريبة الأملاك، والتي قد تفرض ضرائب إضافية على المعاملات من خلال عمل تقدير ضريبي من قيمة العقار".
حفظ الحقوق أم تحصيل ضرائب؟
ودافع عماد الباز رئيس سلطة الأَراضي بغزة عن القرار، وقال إنه يهدف بالدرجة الأولى لحفظ حقوق المواطن بتثبيت ملكيته في سجلات الإدارة العامة للأراضي والعقارات (الطابو).
وأضاف الباز: "هناك عدة دوافع مهمة لإصدار هذا القرار من قبل لجنة المتابعة الحكومية في قطاع غزة، أهمها أن العديد من الأبراج السكنية تعرضت للتدمير خلال الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع، ما أفقد سكان الشقق في تلك الأبراج ملكياتهم".
وبلغ عدد الوحدات السكنية التي تعرضت للهدم الكلي جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو 2021، 1800 وحدة، فيما بلغ عدد المساكن المتضررة بشكل جزئي 16 ألفاً و800 وحدة سكنية- بحسب ما أعلنه وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة ناجي سرحان، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة غزة في 20 مايو 2021.
وأشار الباز إلى أن هذا القرار تم إقراره، في ظل وقوع الكثير من المواطنين في مشاكل قانونية وعمليات نصب واحتيال ببيع الشقة الواحدة من قبل مُلاكها أكثر من مرة في نفس الوقت.
وأضاف: "فضلاً عما سبق، هناك عدد كبير من القضايا المرفوعة أمام المحاكم تتعلق بنزاعات ملكية شقق وعقارات، لذا فإن تسجيل ملكية الشقة في سلطة الأراضي سيحدد أصحاب الملكيات وسينهي هذه الخلافات".
وبيّن رئيس سلطة الأراضي أن هناك شروط يجب تحقيقها لتسجيل ملكية الشقق السكنية في العمارات الاستثمارية والإسكان التعاوني وحتى العائلية، أهمها إكتمال عملية البناء على قطعة الأرض، إضافة إلى تسديد كامل المبالغ المستحقة للحكومة من المواطن الذي يرغب في تطويب نصيبه من الأرض التي استفاد منها بشكل مباشر ضمن الإسكان التعاوني، وأن يتم التسجيل في الطابو وفقاً للإجراءات المعمول بها في سلطة الأراضي والخاصة بتطويب الشقق والطبقات".
ما رأي القانون الفلسطيني؟
ونفى الباز أن يكون تسجيل ملكية الطبقات والشقق والمحلات التجارية في سلطة الأراضي، مخالف للقانون الفلسطيني، مؤكداً أنه يستند للقانون رقم (4) لسنة 2017.
وينص قانون رقم (4) لسنة 2017، بشأن تعديل أحكام قانون تمليك الطبقات والشقق والمحلات رقم (1) للعام 1996، "تعتبر الأرض المقام عليها البناية سواء كانت حاصلة على رخصة أو تطبيق نظام من الجهة المختصة، مفرزة بقوة القانون، وبناء على الإفراز تسجل البناية أو الشقة باسم مالكيها بقوة القانون لدى دائرة تسجيل الأراضي، كما يلتزم مقدم الطلب بدفع رسوم من نسبة قيمة نصيبه في الأرض المقام عليها البناية وفق التالي: (1%) رسم إفراز مساحي، (1%) رسم تسجيل.
وقال الخبير القانوني المتخصص في العقارات في قطاع غزة إبراهيم لبد إن مسألة تطويب الشقق السكنية في قطاع غزة، هي قضية تتفق مع القانون الفلسطيني، ولكن لم تطرح للتنفيذ من قبل.
وأضاف لبد: "مسألة تسجيل الشقق السكنية في الطابو الحكومي هي مسألة ضرورية، ولكن يجب مراعاة الظروف الاقتصادية للمواطنين في تسديد الرسوم المطلوبة".
لكن ماذا يعني جباية 1% رسم إفراز مساحة و1% رسم تسجيل؟ يجيب لبد بالقول: "يمكننا أن نطرح مثالاً على ذلك، ولنفترض أن هناك شقة تبلغ مساحتها 200 متر مربع في عمارة سكنية مقامة على أرض يقدر سعر مترها بحسب ما يقرره (الطابو) نحو 200 دينار، فإن رسم إفراز مساحتها يبلغ 200 دينار× 200 متر مربع×1%، وتساوي (400 دينار).
أما رسم التسجيل البالغة 1%، فهو يعني أنه يتوجب دفع 1% من قيمة الشقة، فلو كان ثمن الشقة يبلغ 60 ألف دولار، سيتوجب على مالكها دفع (600 دولاراً) - بحسب لبد.
إجراءات التسجيل
بالعودة إلى رئيس سلطة الأراضي، فقال إن هناك إجراءات لتسجيل الشقق في (الطابو)، ويتم ذلك وفقاً لطلب يتقدم به المواطن الذي يرغب بتسجيل ملكيته للعقار، لدى دائرة الطابو دون الحاجة لحضور البائع أو المستثمر بشرط توافر جميع الوثائق والأوراق المطلوبة لدى طالب التسجيل وهي: صورة عن إثبات الشخصية لم يمضي على إصدارها عشر سنوات، وسندات الملكية المتمثلة بتسلسل العقود أو الوكالات وخارطة تحديد موقع البناء في القسيمة إضافة إلى خارطة للبناء والتي يتم تجهيزها من قبل الإدارة العامة للمساحة لدى سلطة الأراضي.
إضافة إلى ذلك يجب على مقدم الطلب الحصول على شهادات خلو طرف من الضرائب لصاحب الشقة أو الحاصل أو البناية التي يرغب بتسجيل ملكيته لها في سلطة الأراضي، والحصول على مستخرج قيد حديث للأرض المقام عليها البناء يحصل عليه المواطن من الادارة العامة للأراضي والعقارات-بحسب الباز.