لم أعد أراقب عقارب الساعة كما قبل، فبت أحفظ موعد خروجي من المنزل بشكلٍ أدق من الساعة، وتساعدني ابنتي على ارتداء الزي التراثي، وأحمل طبلتي وما يلزمني وأنطلق لجولة من الثواب والفرح والبهجة، ولقيا الناس الطيبة التي تصحو من نومها لتبدأ بتحضير السحور.
أنا المسحراتي نزار الدباس، أبلغ من العمر 50 عاماً، قلبي تعلق بما أفعل منذ طفولتي في سوريا، عندما كان يمر مسحراتي الحي، كنت أتبعه وأحفظ مواويله وأنتظر قدومه بفارغ الصبر، واليوم أنا أفعل ما كان يفعل لكن بطابعي الخاص.
نقلت التراث السوري الذي ورثته من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بعدما مكثت فيه أكثر من 15 عاماً، إلى قطاع غزة ونشرته في شهر رمضان مرتدياً الزي التراثي، فكل يوم خلال تجولي في الشوارع والحارات مناديا "إصحى يا نايم وحد الله" أتخيل أني أمشي في شوارع اليرموك لأوقظ أهله البسطاء.
يعرفني الجميع هنا في مدينة خانيونس بطربوشي الأحمر، ووشاح أُزين به أكتافي وصوت طبلتي المميز الذي تمرست عليه وأنادي "وحدوا الله يا عباد الله قوموا على سحوركم، وصلوا على رسول الله" وكل ما يلهمني الله به من أذكار وكلمات جميلة فأنا كما يخبرني الناس حلاوة رمضان وأجعله أجمل.
أستمتع بنسائم الفجر الباردة وأَسعد بعملي، الذي أبتغي منه الأجر والثواب ونشر الفرحة والبهجة، حيث يتجمع حولي الأطفال فور خروجي ليلاً مرتدياً، للبدء معي في الجولة التي ستستمر طيلة أيام رمضان ويغنون معي ومنهم من أصبح يقلدني في حارات أخرى وهذا من دواعي سروري.