سلڤانا .. العلامة التجارية والحكاية الكبيرة

سلڤانا .. العلامة التجارية والحكاية الكبيرة

تحتل الشوكولاته على اختلاف أطعمها وإنتاجها، مكانة خاصة لدى الغالبية من الناس، لكن "سلفانا" ليست مجرد شوكولاتة عادية بالنسبة لفئة كبيرة من الفلسطينيين، فهي علامة تجارية مسجلة في ذاكرة أجيال تعاقبت لأكثر من أربعة عقود خلال النصف الثاني من القرن الماضي، قبل أن تُدرج في سجل الملكية الصناعية الفلسطينية.

استمرت "سلفانا" بالانتشار وتحدي المعوقات التي تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإعاقة الاقتصاد الفلسطيني حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما اضطرت الشركة للإغلاق بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بها جراء انعكاس الوضع الميداني على الشركة.

يتساءل البعض عن سر تسمية هذه العلامة التجارية بهذا الأسم، إذ تبين أن قصة "سلفانا" تعود إلى عائلة أرمنية عاشت، في القدس، خلال النصف الأول من القرن الماضي، حيث كان أطفال العائلة يبيعون السكاكر والحلويات؛ والتي يتم تصنيعها في "حوش" بيتهم الكبير. من ثم انتقلوا للعيش في رام الله، واشتروا محلات هناك، وتطور العمل. واتفقوا على إرسال أحد الأبناء "يوسف" إلى إيطاليا لتعلم صنع الشوكولاتة. وبالفعل تعلم، واشترى آلات مصنع مفلس، بقيمة 1500 دينار أردني، وتم تركيبها قرب حسبة خضار رام الله عام 1953. وتطور البيع من الشوارع ودوار المنارة، وأنشأ الأب وأبناؤه "يوسف ونيشان وأنطون" عام 1958، مصنع سلفانا، في بيتونيا قرب رام الله، وكان المصنع الوحيد للشكولاتة في المنطقة. أكثروا من الإعلانات، وكانوا يذهبون إلى مدن المملكة الأردنية وخصوصاً العاصمة عمّان، والزرقاء وإربد ويبيعون الشوكولاتة في الشوارع.

وبدأت المشكلات الحقيقية بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وإقفال الجسور، بين فلسطين والأردن، وأصبح غالبية التسويق محليّاً. وعليه، تراجع البيع كثيراً، حيث اقتصر عملهم على ثلاثة أيام أسبوعيًا. وبدأت إضرابات العمال المطالبة برفع الأجور، تثقل الأعباء على العائلة في عملها، ليصبح توصيل البضائع أكثر صعوبة حتى داخل المدن الفلسطينية، وبسبب سوء الأوضاع انتهى الأمر بإغلاق المصنع خاصة بعد موت الأب، بحسب ما تقول الرواية.

وبعد أكثر من ربع قرن على اندثار اسم "سلفانا"، تًحاول بعض الشركات الفلسطينية المحلية تصنيع منتجات مطابقة إلى حد كبير لعبوة الشوكولاتة القديمة، مع إضافة بعض الحروف على الاسم لدفع الزبائن لاقتناء الشوكولاتة التي لا يزال طعمها عالق في أفواههم، خصوصاً أولئك الذين عاصروا حقب (السبعينات وحتى التسعينات). 

في قطاع غزة، نشر أحد المحال التجارية، والمعروف باستيراده وتسويقه للعديد من أنواع الشوكولاته، منشوراً عبر صفحته على فيسبوك، يروج من خلاله لعودة الشوكولاتة -باسم قريب من اسمها السابق- بعد انقطاعها من الأسواق المحلية، بهدف جذب عشاقها من الأجيال السابقة، وحنينهم لتلك الأيام التي كانوا يتهادون فيما بينهم عبواتها.

قد يكون غالبية من سال لعابهم أمام هذا النوع من الشوكولاتة "سلفانيا" بديل "سلفانا"، ولشدة حنينهم للماضي، فاتهم التركيز في اسم المنتج، الذي تبدل باسم مقارب جداً للاسم القديم والمتعارف عليه.

أبو عمر القطاع إداري في شركة الجيار -التي تروج لمنتج سلفانيا- يقول لـ آخر قصة "استوردنا في الشركة المنتج الحالي من المصنع في نابلس، وهو ذات المنتج القديم ولكن مع بعض التعديلات البسيطة، حيث طلبنا كمية تجريبية لاستطلاع رأي الزبائن، وتفضيلاتهم حول أطعمها".

طرحنا تساؤل حول ما إذا كان المنتج الحديث هو تقليد للمنتج القديم، لكن القطاع نفى ذلك قائلاً "السلفانيا مش تقليد، المصنع كان لشخص، واليوم صار لأخوين، أخ معه السلفانا الأساسية في رام الله لم نتمكن من الاتفاق معه على الاستيراد، والأخ الثاني يعمل في نابلس، اتفقنا معه على تصنيعها باسم قريب من الاسم القديم، وتوريدها لغزة".

ونوه إلى أن هناك حملة شرسة على شركته بعد استيرادها لـ سلفانيا، "لكنهم كشركة معروفة بجودة منتجاتها وقوتها في السوق المحلي، لن تتأثر بالحملة"، مشيرًا إلى حصولهم على فواتير سليمة، وأن المُصنع للمنتج حاصل على ترخيص بذلك.

ربما تكون الشركة المستوردة للشوكولاتة في قطاع غزة، استوردت المنتج بشكل قانوني، لكن، هل تم تسجيل المنتج كعلامة تجارية لدى وزارة الاقتصاد؟ وما أهمية تسجيل العلامة التجارية والملكية الفكرية بالنسبة للشركات التجارية الفلسطينية؟

مازن سنقرط رئيس مجلس إدارة سنقرط القابضة ووزير الاقتصاد الفلسطيني الأسبق، أوضح أن هناك قانون لتسجيل العلامات التجارية والملكية الفكرية لدى وزارة الاقتصاد الفلسطينية، حتى لا يدخل السوق الفلسطيني في حالة فوضى، وعمليات تقليد وتزوير غير قانونية وغير مهنية قد تضر بعضها البعض، خاصة وأن سوق الاقتصاد الفلسطيني صغير وضعيف، والشركات الفلسطينية المصنعة بحاجة لحفظ حقها في منتجاتها التي كلفتها المال والكوادر البشرية في عمليات التصنيع والتسويق لها، قائلاً "عندما نسجل كشركات علامات تجارية لدى وزارة الاقتصاد، تكلفنا ميزانيات خاصة بالتسويق لإظهار العلامة التجارية للمستهلكين، وفي ظل زحمة الأسواق والمنافسة ما بين مستورد، وما بين بضائع تدخل من الجانب الإسرائيلي أو مناطق أخرى، من حقي أن أدافع عن تلك العلامة التي بنيتها من مالي ومجهودي ومواردي البشرية".

وأضاف سنقرط "من حق صاحب العلامة التجارية أن يدافع عن علامته قانونيًا، في حال حاولت شركات أخرى من تقليد منتجه"، مشيرًا إلى أنه وفي حال لم تتمكن الشركات من استرداد حقها قانونيًا لأسباب بيروقراطية، تتجه الشركات للمقاضاة العشائرية، وهو أسلوب مُتعارف عليه بين الشركات الفلسطينية.

للبحث أكثر حول الشق القانوني للعلامات التجارية، وتحديدًا في قضية "سلفانيا"، استطلعنا رأي المحامي منذر الفراني، وهو مستشار قانوني لمجموعة شركات في قطاع غزة، والذي أكد بدوره على ضرورة أن تكون العلامة التجارية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد حتى يحمي القانون مُصنع المنتج، والذي ينص صراحة بذلك قانون العلامات التجارية رقم 35 لسنة 1938 المعدل.

خلال حديثه، أوضح الفراني إلى ضرورة تسجيل العلامة التجارية لـ سلفانيا لدى وزارة الاقتصاد بغزة، مشيرًا إلى أن تسجيلها لدى وزارة الاقتصاد في الضفة الغربية في حال كانت مسجلة هناك، لا يكفي، ويجب تسجيلها أيضًا في الوزارة بغزة، بسبب عدم وجود تواصل بين الوزارة في غزة والضفة جراء الانقسام الفلسطيني منذ العام 2007.

ونوه إلى أن السؤال يجب أن يوجه لوزارة الاقتصاد بغزة، ما إذا كانت العلامة التجارية مسجلة في الوزارة بغزة أم لا؟، ثم الاستيضاح ما إذا كانت العلامة التجارية السابقة "سلفانا" مازالت مسجلة، حيث لا يجب أن توافق الوزارة على تسجيل علامة تجارية جديدة مشابهة لعلامة تجارية سابقة ومسجلة -أي سارية المفعول- في الوقت الحالي، بحسب قانون تسجيل العلامات التجارية.

وينص قانون العلامات التجارية رقم 35 لسنة 1938 المعدل، والذي يعمل به في قطاع غزة، أن مدة حماية العلامة التجارية سبع سنوات، ويجوز تجديد التسجيل من حين لآخر وتكون مدة الحماية أربعة عشر سنة بعد دفع الرسم المقرر. كما أجاز لصاحب العلامة التجارية إجراء كافة التعديلات وحسب أحكام القانون سواء كان التعديل على العلامة أو العنوان أو الاسم أو البضائع، مقابل دفع الرسوم المقررة.

تواصلنا مع مسجل العلامات التجارية بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة، والذي أكد بدوره -بعد مراجعة ملف العلامة التجارية سلفانا- لـ آخر قصة، أنها مسجلة منذ العام 1970 لدى الوزارة، وتم تجديد صلاحيتها حتى العام 2005، حيث لم يعد هناك لدى الوزارة بغزة أي تسجيل لذات العلامة القديمة، ربما بسبب الانقسام الفلسطيني، أو بسبب اختفاء المنتج من السوق. إلا أن وبحسب ما هو منشور على موقع وزارة الاقتصاد برام الله، كان آخر تسجيل لـ سلفانا عام 2015.

كما أكد مسجل العلامات التجارية بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة، على أنه لم تقم أي من الشركات سواء في غزة أو الضفة الغربية، بتسجيل "سلفانيا" كعلامة تجارية، وفي حال تقدمت إحدى الشركات لتسجيلها، يجب التأكد من إلغاء العلامة التجارية السابقة "سلفانا" وفق نصوص قانون العلامات التجارية، حتى لا يكون هناك أي تشابه أو تطابق قد يضر بصاحب العلامة التجارية السابق.

أما عن الترويج لمنتج "سلفانيا" على أنه عودة لمنتج غاب عن السوق لأكثر من ربع قرن وبمسمى مشابه، ألمح المحامي الفراني إلى أن ذلك لا يجوز، لكن ما يحكم في ذلك هو نصوص القانون وما إذا تم تسجيل العلامة التجارية بشكل قانوني لدى وزارتي الاقتصاد في غزة والضفة، قائلاً "قد يكون هناك تعاقد مع أحد ورثة شركة سلفانا، وهناك شركات متفرعة منها، قد تكون منحته وكالة حديثة لتسويق منتجاتها".