في معرض مطار غزة الدولي.. مسافرون بلا حقائب

في معرض مطار غزة الدولي.. مسافرون بلا حقائب

"لماذا سماء بلادي مفتوحة بينما لا يمكنني الطيران؟، لماذا أجنحتي مكسورة، محروقة، لا شيء سوى الانتظار!"، أسئلة كثيرة تتقافز داخل قاعة معرض مطار غزة الدولي، أسئلة تعتري الوجوه وتَصبغ الأحاديث السائدة بين الحضور، ثم تتسلق الجدران لتعتلي لوحات الفنانين الشباب المشاركين، تجد هذا التساؤل منتصبًا أمامك في لوحة الفنانة التشكيلية مي الشاعر 20 عامًا.

على أحد جدران قاعة المعرض الذي أقيم في المركز الفرنسي بقطاع غزة، وضم لوحات لعشرات الفنانين المحليين، علقت لوحة الفنانة "مي" ذات الدلالات والمضامين المختلفة. أجنحة الحمام المتكسرة تكسو أسفل لوحتها، بينما تنتصب نحو السماء الزرقاء أعمدة وأقواس المطار، التي بقيت شاهدة على وجوده حتى يومنا.

تقول مي الشاعر لـ آخر قصة "حين وقفت منتصف المطار المُدمر، نظرت نحو السماء وشعرت أنني حمامة محروقة الجناح، لا أستطيع الطيران وكل ما يسعني فعله الانتظار فقط"، تقف أمام لوحتها، تتحسس الريش والسلك المعدني الذي يقيده، "إنها القيود المفروضة على حريتنا" علقت بصبر نافذ.

لقد فوت الحصار على الفنانة الشاعر أكثر من فرصة للسفر، آخرها إلى معرض أُقيم في واشنطن مؤخرًا، تمكنت لوحتها من المشاركة، بينما بقيت هي في غزة، رغم امتلاكها لجواز سفر، إلا أنها لم تستخدمه ولو لمرة واحدة، مما كان سببًا لتندر البعض عليها، حسب تعبيرها.

حتى على صعيد الفعاليات الفنية التي تُقام في الضفة الغربية، لقد تمكنت لوحتها من اجتياز حاجز بيت حانون "ايرز"، بينما بقيت مي تراقب وتنتظر صدى مشاركتها.

تتسائل "لماذا لا يمكننا السفر بحرية وبإجراءات سهلة كبقية دول العالم؟"، في إشارة منها إلى الصعوبات التي يواجهها المسافر خلال رحلة سفره، وكعادة الفنان الذي يقتات على الأمل، تجد في لوحة "بوابة السماء المغلقة" كما أسمتها، ريش صغير يتطاير إلى الأعلى، إنه دلالة على الأمل بالسفر رغم القيود المفروضة.

أما الفنان التشكيلي محمد سامي قريقع، فقد وقع في شرك الخيال، الذي قضى طريقه من غزة باتجاه المطار الواقع أقصى جنوب مدينة رفح، محاولاً رسم المطار في مخيلته.

الفنان الشباب الذي يبلغ من العمر 23 عامًا، لم يسبق له السفر خارج قطاع غزة، كما أنه لم يحظ بزيارة أرض المطار من قبل، فكانت الصورة التي تخيلها لمطارٍ يعمل بشكلٍ طبيعي، مسافرون يجرّون شنطهم، قاعة انتظار، مدرج طائرات، وصوتٌ يعلن للركاب ضرورة توجههم للطائرة التي حان موعد إقلاعها.

على بعد 300 متر سقط المشهد التخيلي، يقول محمد "رأيت الدمار والمباني التي فقدت جزءً كبيرًا منها، تمنيتُ على مرشد رحلتنا ألا يؤكد وصولنا للوجهة المقصودة، لكنه لم يفعل"، تملكتهُ مشاعر متداخلة من الحزن والفرح، الغضب والكثير من الأسئلة، عبر عنها بلوحة منفردة

أما لوحته الثانية والتي احتلت مساحة كبيرة من الحائط نظرًا لحجمها، يظهر فيها شنط سفر قديمة، يبدو من لونها وتصميمها أنها تعود لحقبة التسعينات، يحوطها الصبار وخيوط العنكبوت، ثم يعتليهم شنطة حديثة وقد واصل الصبار مسيرة عليها، قريقع الذي كان يقف إلى جانب لوحاته الثلاثة للإجابة على استفسارات الزوار، أوضح أن الشنط تعود لرغبة قديمة بالسفر، أما الصبار دلالة على الحواجز المستمرة والتي ستمنع المحاولات اللاحقة أيضًا من السفر، وهذا ما يفسره وجود شنطة من طراز حديث.

وافتتح مطار غزة الدولي في العام 1998، وقد شكل في حينه نافذة غزة على العالم، وبعد اندلاع انتفاضة الاقصى في سبتمبر 2000 دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي، وابقت على حاجز بيت حانون "إيرز" الواصل بين شمال القطاع والضفة الغربية، فيما ظل معبر رفح ممراً برياً إلى القاهرة.

ويرى الفنان التشكيلي شريف سرحان أن التجارب الفنية المنتشرة في المعرض، هي لشباب لم يُعاصروا مطار غزة الدولي وربما لم يسافروا خارج قطاع غزة، لذا فإن أعمالهم تعكس حالة فقدْ يعيشونها، سواء فقدْ للحرية أو ممارسة الحياة بشكلها الطبيعي.

وخرج الفنان "سرحان" من المعرض بتساؤل: لماذا لا يمكنني السفر من بلدي بطريقة طبيعية سهلة، كما يحدث في البلاد الآخرى؟، لماذا علينا أن نسلك طريق رحلة العذاب في كل مرة؟".

يُشار إلى أن "معرض مطار غزة الدولي" هو إحدى مخرجات فريق بنفسج في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، الذي يعمل على زيارة واستكشاف الأماكن والمواقع المهمة، ويقوم بتوثيقها وزيارة المطار هي إحدى مسارات الفريق.