هل جربت يوماً أن تحول بقعة صفراء إلى شمس مشرقة؟ هل جربت أن ترى مشهداً أمام عينيك فتحوله إلى لوحة، يُصيب سهمها قلب كل من يراها ويلمس بأطراف أصابعه أعماقك؟ وهل تعلم معنى أن تعزف معزوفة دون استخدام أيّ آلةٍ موسيقية بل باستخدام قلمٍ وورقة؟ أعلمُ أنني هنا لأجيب وليس لأسأل، لكنني فضلت إطلاعكم على بعض التساؤلات التي تدور في خلدي.
أنا الفنانة ألاء الجعبري 26 عاماً، منذ أن ولدت وحب اللعب بالألوان والشخبطة على كل ما وقعت عليه يَداي يلازمني، وأقضي فيه جل وقتي دون ملل، وهنا علمت أني أملك قلباً شغوف بالفن.
تخرجت من تخصص إدارة صحية والذي يُعد بعيد كلّ البُعد عن هوايتي، لكن ذلك لم يتعارض مع شغفي، فلم يمرّ عليّ يومٌ إلا وكان للألوان مكاناً فيه، وعندما تبلورت موهبتي، كانت لوحاتي الفنية حاضرة في المعارض الفنية داخل قطاع غزة سواءً رسومات ورقية أو جدارية.
قلب المحب الشغوف، غالباً ما ينقسم بين عمله وشغفه وتخصصه الدراسي الذي قضى خلاله سنوات كلفته الكثير من المجهود والتعب، لكن في نقطة ما، كان لابد أن أقرر أين أركز مجهودي وكيف أوجه موهبتي.
بعد الكثير من التفكير، حسمتُ أمري بتطوير مهاراتي الفنية، واتجهت للرسم الرقمي وتعلمت التصميم، كما كثفتُ جهودي لتطوير مهاراتي في الأشياء الجديدة التي تعلمتها حتى أصل لمرحلة إتقانها، حيث كان لأصدقائي الفنانين دورٌ في ذلك، ربما لم يمر يومٌ دون زيارتهم والتعلم من خبراتهم التي صقلت موهبتي بطريقة عملية، وتعرفت على الرسم الرقمي الذي أتاح لي فرصة لأضع قدمي من خلاله في سوق العمل، متدرجة في اكتساب المزيد من المهارات التي أشاد بها خبراء في المجال.
واصلت العمل حتى فجر العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو 2021، وعبرت عما بداخلي من غضب، من خلال رسم لوحات فنية جسدت فيها مشاعر السخط والخوف التي لازمتني خلال القصف المتواصل على القطاع، وصنعت شيئاً مختلفاً لاقى إعجاب المتابعين، بعدما دمجت صور الدمار الرمادية مع الصور الكرتونية الملونة لأخرج بلوحات ناطقة، تجمع بين الأمل والألم وبين الحقيقة والخيال، وهذا ما نربيه في أنفسنا أن لنا في الخيال حياة.
أنا واحدة من أفراد هذا المجتمع الذي يعيش في غزة، نُقلع الشوك ونزرع الورد، ومن قلب كل تَحدي نصنع المعجزات، وخلال مسيرتي، واجهتني العديد من التحديات مثل عدم توفر الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالرسم وارتفاع أسعارها في حال توفرت، الأمر الذي احتاج لوقت امتد لشهور حتى تمكنت من امتلاكها.
أفخر بنفسي، وما وصلت إليه من مهاراتٍ فنيةٍ نمّت موهبتي التي أحبها، لذلك أقفُ كل يوم أمام لوحاتي وأتخيل أنني أحملها ونسافر معاً، ونجوب العالم، لأتعلم فنوناً جديدة من فنانين وثقافات مختلفة، قد تضيف لأعمالي الفنية.