قبل أن يقع سقف التراث على رؤوسنا 

قبل أن يقع سقف التراث على رؤوسنا 

يتربع بيت العشي الأثري، منذ حوالي خمسة قرون، في قلب مدينة غزة القديمة؛ ليروي قصة بناء متجذر في أصول التراث الفلسطيني، ويبدو ذلك واضحاً من خلال أقواسه وقبابه وزخارفه الهندسية وحجارته الممتدة عبر مئات السنين.

تتجلى أصالة البناء والمعمار الهندسي القديم في هذا البيت الذي أضحى مزاراً ثقافياً بعد ترميمه قبل أكثر من عام من خلال مركز عمارة التراث (إيوان).  

وجاء هذا التوجه لترميم البيت بدافع الحفاظ على التراث من منظور مؤسساتي، حيث تقول نشوة الرملاوي ممثلة مركز إيوان، إن بيت العشي يعتبر نموذجاً للبيوت الأثرية التقليدية في مدينة غزة، وشاهدَ على حضارة وتاريخ المدينة العريق المتجذر في عمق التاريخ، ويعتبر انعكاس للحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد لسكان المدينة؛ وبالتالي كان لابد من الحفاظ عليه.  

يتقاطع ما قالته الرملاوي مع ما ذكره مدير عام الآثار بوزارة السياحة والآثار الدكتور جمال أبو ريدة، أن بيت العشي هو أحد أهم البيوت الأثرية والتحف المعمارية في البلدة القديمة بمدينة غزة، والذي تم تأسيسه في فترة الحكم العثماني لفلسطين والتي انتهت قبل مئة عام تقريباً.

وأكد أبو ريدة على أهمية الحفاظ على هذا البيت الأثري؛ كونه يعكس ثقافة مجتمعنا الفلسطيني وعاداته وتقاليده، مبيناً أن وجود هذه المباني التاريخية والأثرية سواء كانت مباني، كنائس، أسواق، وجعلها مزاراً للزوار المحليين والأجانب يوثق "ويعزز من الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الإسرائيلية".

وسبق ترميم "بيت العشي"، بيت آخر يعود لعائلة "الغصين"، وقبله ثالث لعائلة "السقا"، وجميع أعمال الصيانة لهذه البيوت الأثرية نفذت بتمويل خارجي بعيداً عن الدور الحكومي الذي يفترض فيه الحفاظ على التراث، وفقا لقرار بقانون رقم (11) لسنة 2018 م بشأن التراث الثقافي المادي، والذي يحدد مستويات التدخل الفنية والعلمية التي تهدف إلى إظهار أهمية التراث، واستخدامه بالطرق التي تضمن بقائه والحفاظ عليه.

كما نصت المادة (8) من القرار نفسه، على أن تنشئ وزارة السياحة والآثار صندوقاً لحماية التراث يهدف إلى: توفير الأموال اللازمة لشراء التراث، أو الحفاظ عليه وترميمه، أو إعادة إعماره وتأهيله. وتقديم القروض والمساعدات المالية لتشجيع حائزي التراث لتنفيذ أعمال الترميم وإعادة الإعمار. تحدد آلية عمل الصندوق وكيفية توفير الأموال اللازمة له بموجب نظام يصدر عن مجلس الوزراء.

ويوجد في قطاع غزة العشرات من المباني التاريخية التي يرجع بناء بعضها إلى عصر المماليك والعثمانيين، و تتواجد معظمها في الأحياء التاريخية القديمة بمدينة غزة. 

وعلى الرغم من أن هذه المباني تعزز عنصري الهوية والاستمرارية، إلا أنها مهددة بالانهيار أو الهدم، لأسباب متعلقة بالكثافة السكانية وحاجة الناس إلى التوسع، فضلا عن انعدام مشاريع التمويل الخاصة بهذه الأماكن. 

ويعد بيت العشي واحد من أصل 446 مبنى وهو مجموع المباني التاريخية التقليدية التي ما زالت موجودة في قطاع غزة، ويوجد في مدينة غزة القديمة لوحدها 417 مبنى تاريخي. 

يحاول أن يأخذ رئيس بلدية غزة يحيى السراج على عاتق بلديته، المحافظة على ما تبقى من المباني الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة، مشددا على أهمية أن تتكاثف الجهود المحلية للحفاظ على ما تبقى من المباني الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة، مُشدداً على أن البلدية تمد يد التعاون لكل الجهود التي تسعى للحفاظ والتأهيل الحضري.  

وأشار السراج إلى أن البلدية ستشرع بترميم سوق الزاوية، والكنيسة البيزنطية بحي الزيتون، وغيرها من الأماكن الأثرية، على اعتبار أن إحياء التراث وترميم المباني من صميم أهداف بلدية غزة ويجب أن تدافع عنها وتحميها بكل ما تستطيع من إمكانات، كما قال.

في المقابل، و بموجب القانون فإن وزارة السياحة والآثار هي المسؤولة عن الحفاظ على كل ما له علاقة بتاريخ الشعب الفلسطيني من مباني وقصور، أسواق، قلاع وغيرها، ويقول مدير عام السياحة والأثار أبو ريدة، إن آخر ما قامت به وزارته هو التنقيب عن الكنيسة البيزنطية شمال قطاع غزة، ويعملون حاليًا على ترميم أكثر من موقع أثري، يتوزع على محافظات مختلفة من قطاع غزة. 

ورغم أن القانون يُلزم وزارة السياحة والآثار بإنشاء صندوق لحماية التراث وتوفير الأموال اللازمة لذلك، إلا أنها تعتمد في عملها على الدعم الخارجي، وبين أبو ريدة "مشاريع حفظ التراث تحتاج لموازنة مكلفة لا تستطيع الحكومة توفيرها، لذا فإن السياحة شأنها شأن بقية الوزارات الأخرى التي تعتمد على التمويل الخارجي، لكنها توفر النفقات التشغيلية اليومية". 

ولا يعتقد أن وزارته مقصرة بهذا الاتجاه، فهي تتواصل مع الممول الخارجي لتنفيذ مشاريع حفظ التراث، بينما يعتبر أن "الجهود المبذولة غير كافية، لكنها تلبي الحد الأدنى من احتياجات الوزارة لترميم المباني التراثية، خاصة تلك الموجودة في قلب البلدة القديمة بغزة" حسبما قال.