لم تُلق الطفلة سوزي اشكنتنا (7 أعوام) من سكان مدينة غزة، بالاً لكلمات الأغاني التي ترددها الإذاعات المحلية في قطاع غزة صباح اليوم الحادي والعشرين من مارس، والتي تحمل مشاعر للأُم.
المركبات التي نقلت أطفال المدارس هذا الصباح غالبيتها كانت تبث أغنية (ست الحبايب يا حبيبة)، وتفاعل معها أطفالٌ كثر باستثناء "سوزي" التي من المحتمل أن تعود أدراجها إلى البيت بلا هدية.
في 16 مايو/أيار الماضي، دمرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عشرات الشقق السكنية على رؤوس ساكنيها في شارع الوحدة بحي الرمال غرب مدينة غزة، واستشهدت والدة سوزي وأشقائها الثلاثة على أثر ذلك، فيما نجت هي وأبيها بأعجوبة، ولا يزالان على قيد الحياة مصابان بالندوب الجسدية والنفسية.
وبكل تأكيد، فإن عيد الأم الذي يحتفي به العالم سنوياً، لن يمر دون غصة هذا العام على أسرة "سوزي" ومعها نحو 40 أسرة فلسطينية فقدت "الأم" خلال العدوان الأخير على قطاع غزة(10-21 أيار/مايو 2021)، وفقاً لإحصاءات رسمية.
ولم يتسنَّ معرفة عدد الأيتام من جهة الأم على وجه الخصوص، بينما نشر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في آخر إحصاءات له، أن 2.3% من الأطفال في فلسطين من سن (0-17 عاماً) هم من الأيتام (سواء بوفاة الأب أو وفاة الأم أو بوفاة الاثنين معاً).
وعلى المستوى النفسي، تشكل مناسبة يوم الأم، كابوساً وذكرى أليمة لأشخاص فقدوا أمهاتهم؛ حيث يذكرهم بآخر لحظات الفقد، والمتمثل في حرمانهم من أحن شخص يلجؤون إليه في الأوقات العصيبة.
يقول أخصائي الصحة النفسية، الدكتور إسماعيل أبو ركاب، أن هناك ثلاثة ظروف نفسية يمكن أن يمر بها الأيتام في هذا اليوم، تتمثل الأولى قضائه في البكاء والحزن الذي يقود إلى الدخول في حالة اكتئاب.
وأشار أبو ركاب، إلى أن الظرف الثاني يتمثل في اكتفاء اليتيم بالهروب من المواقف الاحتفالية التي يمكن أن تشتعل في ذاكرته، مواقفه وذكرياته مع أمه، فيُشغل نفسه في أشياء بديلة، مبيناً في الوقت نفسه أن الظرف الثالث والذي يعتبر أكثر مثالية ويرتبط غالباً بالمستوى الثقافي لليتيم، ألا وهو الذهاب إلى المقبرة لزيارة قبر الأم وقراءة القرآن الكريم لها والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بما يشعرهم بالرضا أنهم موجودون مع أمهاتهم في مثل هذا اليوم.
سيكون هذا العيد وقعه ثقيل أيضاً على النسوة اللواتي كنّ يحلمنّ أن يحتفلنّ تحت أسقف بيوتهم الآمنة، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 4200 إمرأة وفتاة نزحت بسبب تضرر مساكنهم بشكل كامل وجزئي خلال العدوان الأخير.
ووفقاً لتقرير تحديد احتياجات النساء والفتيات الملحة والعاجلة، بعد عدوان مايو 2021، الذي أصدره مركز شؤون المرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتحتفظ آخر قصة بنسخة عنه، فإن النساء لازلنّ يشعرنّ بعدم الأمان والخوف حتى بعد وقف العدوان ويخشونّ من تكرار العدوان مرةً أخرى، "النساء النازحات والجريحات وذوات الإعاقة والأرامل، هنّ أكثر النساء خوفاً" يقول التقرير.
واستشهدت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير 29 فتاة دون 18 عاماً، فيما بلغ عدد الجريحات من النساء (398) إمرأة، 10% منهنّ يعانينّ إعاقاتٍ طويلة بسبب الإصابة. فيما أضيفت إلى قائمة الأرامل (101) إمرأة.
وتعيش المرأة الفلسطينية في قطاع غزة، التي تشكل ما نسبته 49.3 % من عدد سكان القطاع، الذي يقارب الـ 2 مليون نسمة، أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة، طالت كافة مناحي الحياة، بسبب استمرار الاحتلال والحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني وتعاقب العدوان على القطاع، الأمر الذي أثر سلباً على تمكينهنّ ونيلهنّ لحقوقهنّ ومشاركتهنّ في صنع القرار.
من جانبها، قالت آمال صيام مديرة مركز شؤون المرأة بغزة "تعيش الأمهات الفلسطينيات ظروفاً استثنائية معقدة لا يشبهها فيها أحد؛ بسبب الاحتلال واستمرار الحصار لقطاع غزة لأكثر من 15 عاماً، إضافة إلى ظروف الانقسام الفلسطيني"، وبينت أن المرأة دائماً ما تتصدر الاحصاءات المرتبطة بالفقر والبطالة والعنف الذي زادت حدته خاصة بعد عدوان 2021.
وطالبت صيام، أصحاب القرار بجعل قضايا النساء على قائمة أولوياتهم، والعمل على سن قوانين تحميهم من العنف والإسراع في تعديل القانون لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع، كما لفتت إلى أهمية تمكين المرأة للحصول على فرصتها في العمل ورفع مستوى الوعي لديها، وتسليط الضوء على الإبداعات التي تقوم بها لمواصلة تحدي الفقر والحصار.
ووجهت صيام عبر "آخر قصة" تحية للمرأة الفلسطينية في كل مكان وخاصة الأسيرات، "اللواتي يواجهنّ الاحتلال وممارساته المتعلقة بسياسة التعذيب والإهمال ومنع استكمال العلاج الطبي لمن هنّ بحاجته، وحرمنّ من التواجد مع أسرهنّ في يوم الأم".