خلال الأسبوع الثاني من مارس الحالي، أقرت وزارة الاقتصاد الوطني بغزة، تخفيض وزن ربطة الخبز، إلى 2.6 كيلو جرام، بعدما كانت 2.8 كيلو جرام. هذا الانخفاض في الوزن، لم يكن الأول خلال الأشهر الأخيرة، ففي نوفمبر 2021، خفضت الاقتصاد وزن الربطة 200 جرام، بعدما كان وزنها 3 كيلو، فيما أبقت على قيمتها السوقية 7 شواقل دون تغيير.
يأتي تخفيض وزن ربطة الخبز، بعد ارتفاع في أسعار الدقيق شهدها قطاع غزة، إلى جانب أصناف أخرى من المواد الغذائية الأساسية، مثل البقوليات وزيت الذرة والسكر. حيث أبدى المواطنون تذمرهم جراء ارتفاع الأسعار الطفيف، في ظل واقع اقتصادي متردي، وارتفاعات منذ العام الماضي طالت أسعار طعام الفقراء من حمص وفول وعدس.
وعبرّ مواطنون عن سخطهم جراء الارتفاعات المتكررة خلال فترات زمنية متقاربة على السلع والمواد الغذائية الأساسية، حيث ارتفعت أسعار البقوليات والسكر وغيرها من الأصناف خلال العام الماضي 2021 عدة مرات، ما بين 2 إلى 4 شيكل لكل كيلو جرام، يعقبها ارتفاع جديد خلال مارس الحالي 2022، بسبب ارتفاع الأسعار عالميًا بحسب وزارة الاقتصاد الوطني بغزة، التي بررته بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، كونهما من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للقمح والبقوليات وزيت عباد الشمس.
استطلعنا رأي إدارة إحدى مراكز بيع المواد الغذائية الكبرى بغزة، -رفضت الكشف عن اسمها- وقالت إن غالبية المراكز التجارية الكبرى لديها مخزون من السلع الغذائية الأساسية، و بالأسعار القديمة، لكنهم يعملون حاليًا على شراء مخزون جديد بأسعار أعلى من السعر القديم، موضحًة أن ارتفاع الأسعار يأتي من قبل الموردين والمستوردين، وليس من قبلهم بالأساس.
ونوهت إدارة المركز التجاري إلى أن المحلات التجارية الصغرى والتي لا تمتلك مخزون كبير من السلع الأساسية، تضطر لشراء بضائعها بالأسعار الجديدة، وبيعها بسعر أعلى من السابق، بينما المراكز التجارية الكبرى، ترفع أسعارها بعد انتهاء المخزون القديم، وطرح مخزونها الجديد على أرفف المركز.
وكانت قد نشرت دائرة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد يوم الخميس الماضي 13 مارس، قائمة بأسعار استرشادية، مثل الخبز والسكر والبقوليات وزيت الصويا وعباد الشمس والأرز للمستهلك، إلا أنها لا تطابق الأسعار التي يبيع بها نقاط بيع التجزئة في الأسواق، بحسب ما قال مواطنون.
في المقابل انتقدت إدارة المركز التجاري القائمة الاسترشادية، مشيرًة إلى أن حماية المستهلك لم تقم بتعديل الأسعار بما يتناسب مع الأسعار المفروضة عليهم من المستوردين وكبار التجار. كما انتقدت عدم مراعاة القائمة الاسترشادية لتنوع الموردين لذات الصنف، والتي تفرض عليهم اختلاف الأسعار بشكل طفيف بين مورد وآخر، حسب الدولة المصنعة، مثل السكر والأرز والزيوت.
وأشارت إدارة المركز التجاري، إلى تحويل استيراد المواد الغذائية الأساسية خلال الفترة الأخيرة عن طريق معبر رفح التجاري بدلاً عن معبر كرم أبو سالم الواصل بين قطاع غزة وإسرائيل، حيث وصلت نسبة الاستيراد إلى 80% عن طريق مصر، كونها تختصر على المستوردين فترات انتظار وصول بضائعهم، حيث ينتظر المستورد لمدة أسبوع على وصول بضائعه بحد أقصى بدلاً عن انتظاره لأكثر من شهر أو شهرين في حال استيرادها من بلد المنشأ عن طريق كرم أبو سالم، بينما الأسعار هي ذاتها وربما أعلى قليلاً، على الرغم من قصر مسافة النقل عن طريق مصر.
وحول ما يشاع ربط ارتفاع الأسعار بالأزمة الروسية الأوكرانية، أوضحت إدارة المركز خلال حديثها لـ آخر قصة أن الارتفاع كان متوقعًا، حيث تم إبلاغهم بذلك من المستوردين قبل عدة أشهر بسبب ارتفاع تكاليف النقل المصرية على المستوردين، ولا علاقة لإرتفاع الأسعار بغزة، بالإرتفاع العالمي للأسعار، إنما قد يكون هناك ارتفاعات مستقبلية في حال استمرار الأزمة وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية عالميًا.
من جانبه، قال الدكتور معين رجب الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أن هناك ارتفاعات على أسعار المواد الغذائية الأساسية ولها مسببات خارجية، ولكنها ليست مبررة، بسبب إمكانية الاستيراد من بلدان أخرى غير التي يتم اعتماد الاستيراد عن طريقها حاليًا، مشيرًا إلى انفتاح الاستيراد مع جميع البلدان، ولا يوجد ما يقيد أو يبرر الاستيراد من جهة معينة، بل من مسؤولية المستورد أن يبحث عن أجود الأصناف بأقل الأسعار، وبما يتناسب مع حاجة السوق المحلية.
ربما يضطر المستورد لشراء بعض الأصناف من البقوليات وغيرها من المواد الغذائية الأساسية بأسعار مرتفعة بعض الشيء، إلا أنه مطالب بالبحث عن مصادر أخرى بأثمان أقل، وعدم الاستسلام لارتفاع الأسعار من الموردين، خاصة في مجال البقوليات التي لها قدرة على التخزين بصورة ملاءمة ولفترة تمتد لأشهر، حيث تمكن المستورد من توفير مخزون احتياطي يكفي حاجة السوق لثلاثة أشهر على الأقل، كفترة أمان، وفرصة للبحث عن حلول ومصادر مناسبة لحاجة السوق المحلي، بحسب ما قال رجب.
وكانت قد كشفت وزارة الاقتصاد الوطني في قطاع غزة، عن ارتفاع أسعار الدقيق والبقوليات ومواد البناء، نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، جاء ذلك خلال تصريحات سابقة على لسان مدير وحدة الدراسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد بغزة أسامة نوفل، الذي قال "غالبية أسعار المواد الأساسية في القطاع، ارتفعت على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية"، موضحًا أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ لأكثر من 30% في العالم، بينما لم يتعدى ارتفاع ذات السلع لأكثر من 9% بقطاع غزة.
من جانبه، بررّ عبد الفتاح أبو موسى مدير عام حماية المستهلك بغزة، تقليص وزن ربطة الخبز إلى 2.6 وتثبيت سعرها "7 شواقل"، بسبب ارتفاع أسعار الدقيق من 88 شيقل -لكل 50 كيلو جرام- إلى 97 شيقل، وقال "مراعاة للوضع الاقتصادي الذي يمر به المواطنون لم نرفع سعر ربطة الخبز، ولكن اضطررنا لتقليص وزن الربطة".
وردًا على امتعاض المواطنون من ارتفاع الأسعار، تساءل "هل في حال رفعنا سعر ربطة الخبز سيرضى المواطن؟".
وفسرّ أبو موسى سبب ارتفاع الأسعار لقرابة الـ 9%، وهي نسبة أقل من نسبة الارتفاع العالمية، بالاستيراد الغير مباشر للمستوردين من الدول المصدرة، حيث يعتمد غالبية المستوردين في قطاع غزة على البضائع المصرية أو عن طريق الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي التأثر الطفيف والغير مباشر بحسب ما قال. وأضاف "وكالة الغوث تضخ في قطاع غزة دقيق مساعدات، قرابة 30 ألف طن لمليون و200 ألف مواطن، هذا خفف من الأزمة وخفف من ارتفاع الأسعار بشكل كبير جدًا".
وحول مخزون التجار، قال "بالتأكيد، هناك مخزون لدى التجار، مثلاً الدقيق، نحن في الوزارة وضعنا يدنا على المخزون المتوفر لدى التجار وقمنا ببيعهم للمخابز بـ 88 شيقل لكل 50 كيلو جرام، أي بالسعر القديم، حتى لا يتم احتكار السلعة، لكن عندما زاد سعر الدقيق وبورصة القمح، راعينا هذا الارتفاع حتى 97 شيق، ولا أرى مشكلةً في ذلك".
ومن الجدير ذكره، أن الأزمة الروسية الأوكرانية انطلقت في 24 فبراير الماضي، ولا يوجد أفق دبلوماسي لانتهائها في الوقت الراهن.
أما عن القائمة الاسترشادية لأسعار المواد الغذائية الأساسية، أوضح مدير عام حماية المستهلك، أنها تحتوي على الأصناف الشعبية الأساسية التي يتناولها غالبية المواطنون، وقال "هذه هي القائمة المؤقتة، وهناك قائمة سعرية استرشادية تحتوي على أغلب الأصناف المتوفرة في الأسواق، تعمل على تحديثها الوزارة وتنشرها خلال أيام"، مؤكدًا على أن وزارة الاقتصاد ستحدد الأسعار وفقًا لفواتير المستوردين من التجار.
ونوه إلى أنه يحق للوزارة في حالات الأزمات والحروب والجوائح، وفقًا قانون حماية المستهلك رقم 21 لسنة 2005، أن تتدخل بما فيه مصلحة العامة، وقال "أن تتوفر السلع الأساسية، أفضل من فقدانها وحدوث مجاعة".