لم يجد الشابّ الغزّي فؤاد محمود (33 عاماً) بدّاً من تأجيل عقد قرانه إلى أجل غير مسمّى، بعدما كان مقرّراً إتمامه في تموز الحالي.
السبب الرئيسي وراء قرار التأجيل ارتفاع أسعار "الموبيليا"، وخصوصاً غرف النوم. إذ إن المبلغ الذي كان قد خصّصه لشراء الغرفة (1200 دينار أردني) لم يَعُد كافياً بعد الارتفاع الطارئ في أسعار الأخشاب، كما يقول.
ويضيف محمود، الذي يمارس مهنة المحاماة، أن "الظروف الاقتصادية لم تَعُد تسمح باحتمال المزيد من الديون، وبالتالي فضّلْت تأجيل عقد القران على الاستدانة لاستكمال توفير الأثاث الذي تَضاعَف ثمنه بذريعة إغلاق المعابر".
وكانت إسرائيل فرضت، بعد الحرب الأخيرة على غزة، قيوداً مشدّدة على معبر كرم أبو سالم، المعبر الوحيد المؤهّل لاستقبال البضائع والشاحنات التي تحمل كافة المستلزمات الضرورية لسكّان قطاع غزّة المحاصرين منذ 15 عاماً، ومن بينها مواد البناء والإعمار، قبل أن تبدأ، منذ صباح أمس، تخفيف تلك القيود بشكل كبير، مستثنيةً من البضائع المسموح بإدخالها مواد البناء والإسمنت والأخشاب والحديد.
وفي أعقاب العدوان الأخير على غزة، علّق العشرات من الشبّان استكمال مخطّطاتهم لإنشاء أو تأهيل وحدات سكنية توطئة لمشروع الزواج، خصوصاً في ظلّ الارتفاع الباهظ في أسعار مواد البناء. ففي آذار الماضي مثلاً، شرع محمد عبدو في بناء شقّة سكنية محدودة المساحة تعلو مسكن عائلته، غير أنه سرعان ما توقّف عن ذلك، ليصبح قرار الارتباط بخطيبته معلّقاً إلى أجل غير مسمّى.
يوضح عبدو (28 عاماً): "قرّرت بناء شقّة صغيرة على مساحة لا تتجاوز 60 متراً لتجمعني وخطيبتي، غير أن ارتفاع طنّ الحديد من ألفَي شيكل إلى أربعة آلاف شيكل (ما يعادل 1200 دولار)، أعاق مواصلة بناء هذا الحلم".
ويشتكي الشاب، الذي يعمل نادلاً في أحد مطاعم غزة، ممّا سمّاه "انعدام الرقابة الحكومية على الاحتكار الذي يمارسه التجّار"، ويقول: "من غير المعقول أن يستمرّ التجار في رفع قيمة سلع الإنشاءات، بما في ذلك الحديد والزجاج والأخشاب وغيرها، من دون وجود رادع حكومي... هذه السلع ليست ترفاً، وإنما تُمثّل احتياجاً أساسياً للسكّان، وليس من المنطق أن تتعطّل أحلامنا بسبب هذا الاستغلال".
وفي حالة ثالثة مماثلة، تلفت الشابّة العشرينية آية منصور، التي أنهت دراسة الهندسة أخيراً، إلى أن خطيبها أصبح عاجزاً عن استكمال المرحلة الأخيرة من تشطيب شقّتهما، إذ إن المبلغ الذي كان مخصّصاً لإنهاء عملية التشطيب والتأثيث لم يَعُد يكفي الآن لتركيب النوافذ.
ويُرجع أهل الاقتصاد الارتفاع الباهظ في الأسعار في أعقاب الحرب الأخيرة، التي أسفرت عن تدمير المئات من الوحدات السكنية، إلى محاولات بعض التجّار تعويض خسائرهم الناجمة عن العدوان من جيوب المواطنين.
ويوضح الباحث الاقتصادي، أحمد عليان، أن إغلاق معبر كرم أبو سالم تَسبّب بنقص حادّ في المواد الخام الأولية اللازمة لقطاع الإنشاءات والقطاعات الأخرى، الأمر الذي دفع ببعض التجّار إلى احتكار السلع الرئيسية ورفع قيمتها.
وشدّد عليان على أن الحالة القائمة تتطلّب تدخّلاً حكومياً للحدّ من هذا الاحتكار، مستدركاً بأن "المشكلة ليست في التجّار بشكل أساسي، ولكنها متعلّقة بالاحتلال الذي يحاول التملّص من التزاماته".