الرطوبة وانعدام التهوية تزيد النازحين اختناقاً

الرطوبة وانعدام التهوية تزيد النازحين اختناقاً

في خيمةٍ صغيرة تنعدم فيها الظروف الصحيّة الجيدة للعيش، وفي ظلّ ارتفاع مستويات الرطوبة وانعدام سبل التهوية، تجلس ناهد شعبان (60 عامًا)، تهدهد حفيدها الذي وُلِد في الحرب فمنذ جاء إلى الدنيا وهو يتنفس بواسطة جهاز خاص؛ إذ يعاني وضعًا صحيًا صعبًا نتيجة ضعف مناعته. ووسط الطقس شديد البرودة تكتوي شعبان خوفًا على حفيدها.

تؤوي السيدة شعبان أربعةً من أفراد أسرتها وثلاثة من أحفادها الصغار في هذه الخيمة المصنوعة من البلاستيك، تقول: "منذ قدوم فصل الشتاء نعاني جميعنا أمراضًا صدرية، لكن خوفنا الأكبر على هذا الصغير مولود الحرب، إذ حذرنا الطبيب من احتمالية إصابته بالربو إذا بقي على هذا الحال".

وما يلبث الطفل أن تستقر حالته، حتى يصاب بانتكاساتٍ صحيّة جديدة في ظلّ إقامته القسرية داخل الخيمة التي تعاني انعدامًا في التهوية وسط حالةٍ من التكدّس، فتضطر العائلة لاصطحابه إلى المستشفى الميداني الأمريكي الذي أُقيم بشكلٍ طارئ لمعالجة النازحين على شاطئ بحر دير البلح وسط قطاع غزة.

والتهوية ليست إلا واحدة، من جملة تحديات تفاقم معاناة الكثير من قاطني الخيام وتزيد تحدّياتهم خاصة في فصل الشتاء، إذ يتعرضون لمخاطر صحية عديدة، نتيجة الإقامة في بيئةٍ ملوثة تضطر فيها الأسر للنوم بشكل مشترك، يفترشون أرضية وأغطية واحدة، مما يزيد مخاطر انتقال الفيروسات بين أفرادها.

يُشير بيانٍ أصدره المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إلى أن 74% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام وبحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهترائها، وهو ما يُقدّر بـ (100,000 خيمة) من أصل (135,000 خيمة).

تكابد سميرة عبد الرحمن -في الخمسين من عمرها- عناء الإقامة داخل خيمة مهترئة، وما يزيد أزمتها حنقاً أنها تقضي ساعات الليل يقظة؛ قلقةً على زوجها المُصاب بمرض القلب منذ 10 سنوات، والذي يُفاقم البرد الشديد من أزمته الصحيّة.

وتكافح السيدة عبد الرحمن لأجل توفير العلاج لزوجها، وبينما يتطلب واقعه الصحي الإقامة وسط طقس دافئ نسبياً، يستحال تطبيق ذلك في الوقت الراهن بسبب النزوح القسري الذي يُعانيه. وتزداد نسبة الرطوبة ارتفاعًا داخل الخيمة التي سدت ثغراتها بشكل محكم، وتنعدم فيها فتحات التهوية؛ مما يجعل جميع أفراد الأسرة الثمانية يعانون من سعالٍ دائم إذ لا تتوفر لديهم الملابس الثقيلة والأغطية الكافية ليلًا.

وتقول سميرة، في حديثها لمراسلة "آخر قصة"، إنّهم يستخدمون المياه باستمرار داخل الخيمة للأغراض اليومية؛ هو سبب رئيسي في زيادة نسبة الرطوبة داخل الخيمة.

ولأنّ الخيام غير مهيأة وتفتقر إلى شبكات للصرف الصحي، اضطر النازحون إلى إنشاء حفر عميقة لامتصاص مياه الصرف الصحي؛ وهو ما يرجح زيادة نسبة الرطوبة داخل مخيمات النزوح المقامة في ثلاث من أصل خمس محافظات: (خانيونس- الوسطى- غزة).

ويقول المختص البيئي نزار الوحيدي، إنّ مصادر الرطوبة متعددة، أبرزها وجود المخيمات بالقرب من مسطح مائي (البحر)، بالإضافة إلى الحفر الامتصاصية، وسوء تصريف المياه، وجميع هذه الأمور تقوم إلى ارتفاع نسبة الرطوبة؛ مما ينعكس سلباً على صحة قاطني هذه الخيام. 

وأوضح الوحيدي، أن استمرار هذه المخيمات على هذا النحو غير الصحيّ، يزيد المخاطر الصحية المحدّقة بالإنسان والبيئة على حدٍ سواء، مشددًا على أهمية وضع حلّ لهذه الأزمة الإنسانية في أسرع وقت ممكن، عبر توفير خيام وبيئة مهيئة وآمنة للحفاظ على صحة المواطنين، ريثما تنتهي الحرب ويعود النازحون إلى مساكنهم، وتدور عجلة إعمار المساكن المهدمة.

بقاء الواقع المترديّ على هذا النحو، ينذر بما لا يدع مجالاً للشك، بالمزيد من المخاطر الصحيّة بالنسبة للنازحين وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن، وتتباين هذه المخاطر بين الأمراض التنفسية والجلدية.

ويوضح استشاري الأمراض الباطنية والصدرية، الطبيب أحمد الربيعي، أنّ مخيمات النزوح إجمالاً تعاني ارتفاعًا في معدّلات الرطوبة؛ مما يؤثر على صحة قاطنيها خلال فصل الشتاء.

وقال الطبيب الربيعي إنّ الخيام المُغلقة بفعل البرد، تزيد من حدوث حالات الربو وتهيج الرئتين والتهابات الشعب الهوائية سواء التهابات فيروسية أو أخرى تحسسيّة، مشيرًا إلى أن أكثر الفئات تأثرًا همّ الأطفال خاصّة حديثي الولادة وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة لا سيما الصدرية أو الرئوية.

ويقدّر الربيعي إصابة نحو 30% من الحالات التي يتابعها بالتهابات الشعب الهوائية، وهو ما أعادّه إلى الأوضاع الإنسانية القاسية التي يعيشها النازحون في عموم قطاع غزة من الطهي على النار والحطب، والعيش في الخيام، في ظلّ قسوة البرد وارتفاع معدّلات الرطوبة داخلها، بينما تختلف درجات التعافي لدى هذه الحالات، من أسبوع إلى شهر، حسب صعوبة الحالة وتأخرها في تلقي العلاج.

نهى عودة "36 عامًا" تعيش في خيمةٍ صغيرة مع زوجها وأبنائها الأربعة، تشكو عدم قدرتها على التأقلم في ظلّ المشكلات الصحية التي يعانونها نتيجة ظروف حياتهم المتردية داخل الخيمة، التي أفرزت العديد من المشاكل الاجتماعية، وجعلتها تعاني ظروفًا نفسية صعبة.

تصف السيدة معاناتها قائلة، "في ليالي الشتاء الماطرة، لا ننام ونحن نقف جميعنا كل واحد في زاوية نرفع سقف الخيمة بأيدينا كيلا تنزلق المياه وتتسرب إلينا عبر الثقوب الصغيرة، أو يتمزق شادر الخيمة نتيجة ثقل المياه"، وفي الصباح تركض من جانب إلى آخر لتجفيف الملابس وتطبيب الصغار وتعزيل الخيمة المبللة، وهو يفاقم معاناتها النفسية.

بدورها، أكّدت المختصة النفسية فداء مهنا أنّ البرد القارس في الخيام يفاقم المعاناة النفسية للنازحين، موضحةً أن أبرز التأثيرات النفسية الظاهرة على الغالبية العظمي للعائلات النازحة هي القلق والخوف المستمر نتيجة سقوط المطر والقصف، وفقدان الأمان، وعدم الاستقرار.

وقالت المختصة مهنا، إن: "الأمهات يشعرن بالعجز عن حماية أطفالهن وتوفير بيئةٍ آمنة لهم؛ ما يوّلد خلافات أسرية مستمرة"، وأشارت إلى أنّ البرد يزيد الإحساس بالضعف وقلة الحيلة، خاصة مع عدم القدرة على توفير تدفئة أو ملابس مناسبة.

كما يراود الكثير من قاطني الخيام شعورًا بفقدان الكرامة الإنسانية، وفقًا لمهنا، وهو ما أعادته للاعتماد على المساعدات والإقامة في خيام غير صالحة للحياة الآدمية، بالإضافة إلى الإحساس بالحرمان واليأس، وكذلك الإحباط الناجم عن غياب أفق واضح لتحسين الظروف أو انتهاء الحرب.

يحتاج النازحون في ظلّ هذه الظروف على اختلاف فئاتهم بما فيهم الأطفال وكبار السن باعتبارهم الأكثر هشاشة وتدهورًا نفسيًا، بحسب المختصة النفسية مهنا، إلى تدخلات إنسانية عاجلة توفر الدعم النفسي، إلى جانب الرعاية الطبيّة المناسبة لضمان الحدّ الأدنى من الكرامة والأمان.

وفي محاولةٍ لتجنب تأثيرات البيئة الصحيّة المترديّة على سكان قطاع غزة لا سيما النازحين في الخيام منهم، حذّر الطبيب الربيعي من استخدام وسائل تدفئة خطرة في فصل الشتاء لا سيما إشعال النار داخل الخيام، مشيرًا إلى إمكانية توفير سبل تدفئة أكثر أمنًا من خلال اتباع وسائل أخرى كإضافة نايلون أو قماش على الخيمة؛ ما يساعد في التقليل من البرودة.

ووجّه الربيعي نصيحة للنازحين خاصة الذين يستخدمون الحطب باستمرار، ضرورة وضع كمامة أو شال لتغطية منطقة الأنف والفم؛ لتقليل كمية الدخان الداخلة للرئتين وشرب المياه بكمياتٍ كافية وتناول مشروبات دافئة كاليانسون والبانونج والزهورات، بالإضافة لمحاولة تخفيف السكريات وتناول مكملات غذائية تتوفر في العيادات مجانًا.