تخيل أنّك تحاول الفرار من غارات جوية أو قصف دون أن تستطيع سماعَ أي من الأصوات حولك، أو أنك تحاول إخلاءَ منزلك بعد أن تمَّ إجبارُك على النزوح منه ومن ثمَّ سلوكَ طُرقٍ ترابية ومتضررة مستخدماً كرسيّك المتحرك ما لم تكن قد فقدتَه تحت أنقاض مبنى قُصِف، أو أنك تحاول معرفة مدى قذارة الماء الذي تشربه، ولكنك لا تستطيع رؤيته.
هذه فقط بعض التجارب التي خاضها أشخاصٌ ذوو إعاقة في غزة على مدار أكثر من عام وهم يرزحون تحت ظلال الحرب، وفي ظلّ انعدام خيارات مواجهة المخاطر المحدّقة بهم من كل اتجاه.
ولتشخيص واقع هؤلاء الأشخاص الذين لم تشفع المواثيق الدولية بتحييدهم عن أوجه الصراع القائم، والإضاءة على الظروف التي يعيشونها، كان هذا الحوار مع لؤي أبو سيف، مسؤول برنامج الإعاقة في جمعية العون الطبي في غزة:
يوضح أبو سيف في بداية حديثه، أن التحدّيات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، في غزة في ظل الحصار والهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة متعددة، مشيراً إلى أنه كان هناك نحو 58 ألف شخص من ذوي الإعاقة يعيشون في غزة قبل أكتوبر 2023، وكانوا يواجهون العديد من التحديات المضنية والتي سلبتهم كثيراً من كرامتهم وجودة حياتهم، حيث شملت سنواتٍ من الحصار والقيود الإسرائيلية بالإضافة إلى التهميش والوصمة التي يربطها المجتمع بالإعاقة.
وأكد أبو سيف أن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا يواجهون نقصاً في الخدمات الطبية والرعاية الصحية والأجهزة المساعِدة والبنية الأساسية المتاحة لهم، وهو ما تسبب في تفشّي البطالة بين حوالي 100% منهم بجانب تعرضهم لمستويات فقر أعلى من نظرائهم في المجتمع.
وذكر أنه أُصيب أكثر من 104 آلاف شخص حتى الآن في الهجمات العسكرية الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023.
وتشيرُ التقديرات الحالية إلى أن رُبع المصابين بحاجة لخدمات إعادة التأهيل حيث يعاني أكثر من 2,000 منهم من إصابات في النخاع الشوكي والدماغ، بالإضافة إلى 15 ألفًا آخرين تسببت الهجمات الإسرائيلية بالإعاقة لهم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع استمرار الحرب على الفلسطينيين في غزة، فيما صرّحت ليزا دوتِن، مديرة التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بأن عدد الأطفال مبتوري الأطراف في غزة هو الأعلى في التاريخ الحديث.
يرى أبو سيف، في استعراضه لشكل المخاطر التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة الآن، أنه غالبًا ما يكون الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر عرضة لآثار الحروب، ويواجهون صعوبة أكبر في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأماكن الآمنة؛ بما يجعلهم أكثر عرضة للقتل والإصابات الخطيرة والاعتداء الجنسي وغير ذلك من أشكال الضرر والاعتداءات.
وقال مسؤول برنامج الإعاقة في جمعية العون الطبي بقطاع غزة: "واجه الأشخاص ذوو الإعاقة مزيداً من الصعوبة في تحديد وقت الهجمات والفرار بعيداً عن أماكنها منذ بدأ الجيش الإسرائيلي بهجماته على غزة في أكتوبر 2023، وينطبق ذلك بشكل خاص على الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية- أو من يستخدمون أجهزة مساعِدة مثل الكراسي المتحركة- حيث واجهوا صعوبةً أكبر في التنقل من المباني التي تعرضت للقصف وعبر الطرق المتضررة. أما بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية فقد واجهوا صعوبةً أكبر في تحديد أماكن القصف أو الأماكن التي أرادوا الفرار إليها".
ولفت أيضاً إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة، واجهوا مشكلةَ وصول متعلقة بالمعلومات والخدمات الإنسانية والتي تميل أثناء حالات الطوارئ لكونها غير متاحة لهم، بما فيها الملاجئ وخدمات الدعم والرعاية الطبية.
وقال: "لقد أبلغنا أشخاص من ذوي الإعاقة في مختلف أنحاء قطاع غزة أنهم يتوقعون كونهم أول الضحايا أو الضحايا التالية للهجمات العسكرية الإسرائيلية، وذلك بسبب المعيقات لقدرتهم على الإخلاء أو الفرار، كان لذلك أثر كبير على الصحة النفسية للعديد منهم".
وحول آلية إخلال المساكن، أشار أبو سيف إلى أن الجيش الإسرائيلي قام على مدار أكثر من عام من الحرب، بفرض التهجير القسري على سكّان غزة وتكرار ذلك، حيث أصدر أوامر التهجير في كثير من الأحيان في اللحظة الأخيرة أو بشكل فوري بما أنذر أن المنطقة ستتعرض للهجوم خلال وقت قصير جداً ولذلك توجب على أن يكونوا جاهزين للإخلاء بسرعة وهو ما قد يكون صعباً للغاية بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية أو الحسيّة.
وقال المختص بقضايا الإعاقة: "لا يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية قراءة المنشورات التحذيرية بشأن الإخلاء حين تُسقَط، كما قد لا يتمكن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من سماع الصواريخ القادمة أو أصوات الإنذار أو هتافات التحذير".
وأضاف "ببساطة هناك بعض الأشخاص غير القادرين على التحرك بسهولة أو إخلاء منازلهم خاصةً أولئك الذين يحتاجون إلى معدّات متخصصة. كما أنه لم يعد هناك أي طرق أو أرصفة مناسبة في غزة وهو ما يجعل الحركة صعبة جداً".
وبين أن بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة اضطروا للنزوح أكثر من 10 مرات، ويُضطر الناس حين النزوح للتحرك الفوري بما يعني عدم قدرتهم دوماً على اصطحاب كل شيء معهم، كما أن حالة الهلع والفوضى تعني أن الأجهزة المساعِدة قد تُكسَر وأن الأدوية تبقى تحت الركام.
كما أن الكثير منهم اضطروا للتفرق عن أسرهم وأصدقائهم والقائمين على رعايتهم بالإضافة للمؤسسات والمجتمعات المناصرة لحقوقهم والعاملة على تلبية حاجاتهم اليومية، "بمن فيهم الأطفال ذوو الإعاقة والذي يخوضون تجربة مريعة وخطيرة".
وعن سؤاله، حول قدرة هؤلاء الأشخاص على الحصول على الأجهزة المساعدة والأدوية التي يحتاجونها؟، أجاب أبو سيف: "من الصعب أن يصدق أحدهم المشقّة التي يخوضها الناس للحصول على الخدمات والأجهزة التي يحتاجون إليها للعيش بشكل مناسب. هناك معاناة كبيرة بسبب ذلك فعدد المصابين المحتاجين للدعم والأجهزة المساعِدة يفوق إلى حد كبير المخزوناتِ المتوفرةَ حالياً في غزة، وهناك حاجةٌ هائلةٌ للكراسي المتحركة ومساعدات المشي وأجهزة السمع وغيرها من الأجهزة؛ وذلك في وقتٍ تضررت فيه خدمات إعادة التأهيل والخدمات الطبية وكل مستشفيات غزة بفعل الهجمات العسكرية الإسرائيلية والحصار، دون أن يتمكن الآن أي مستشفى من العمل بطاقته الكاملة.
ذوي الإعاقة بغزة