دمية تنجو من الموت


دمية تنجو من الموت
APA

تجلس هيا، (*) الطفلة ذات الأعوام التسعة، على حافة إحدى الحجارة المتناثرة في المحافظة الوسطى من قطاع غزة، شعرها الطويل المليء بالغبار ينسدل على كتفيها، ويديها الصغيرتين تعبثان بقطعة قماش ممزقة كانت ذات يوم غطاءً لسريرها. عيناها الواسعتان تمتلئان بمزيج من الحزن والأمل، بينما تنظر بصمت إلى الركام الذي كان بالأمس بيت عائلتها.

تتذكر هيا تلك الليلة وكأنها تعيشها الآن. تقول وهي تمسك بيديها المرتجفتين طرف ثوبها المتسخ: "كنا نجلس جميعًا في غرفة المعيشة. كنتُ ألعب مع دميتي المفضلة، تضيف بصوت خافت وهي تسرح بخيالها: "فجأة، دوى صوت قوي، شعرت أن الأرض تهتز تحتنا. ارتفعت صرخة أمي، وأمسكني أبي بقوة وهرع بنا إلى زاوية الغرفة".

لحظات قليلة كانت كافية لتحويل حياتهم إلى فوضى لا نهاية لها، تضيف هيا بصوت مبحوح وهي تضع يدها على قلبها: "لم أشعر بشيء بعد ذلك سوى الظلام والصمت، عندما فتحت عينيّ، وجدت نفسي خارج المنزل، والركام يغطي المكان. كان أبي وأمي بجانبي، لكن بيتنا... لم يعد بيتًا".

بعد أيام من محاولة التكيف مع الحياة في مأوى مؤقت، كانت هيا تنظر بصمت إلى الأطفال الآخرين يلعبون بدماهم. شعرت بشيء ثقيل يجثم على صدرها. تقول بصوت خافت وهي تنظر بعيدًا: "كانت دميتي الوحيدة. كنت قد حصلت عليها كهدية في آخر عيد ميلاد سبق الحرب، وكنت أنام معها وأخبرها كل أسراري."

ذات صباح، وقفت هيا عند باب المأوى، حدقت في الأفق حيث كان بيتهم المهدّم، واتخذت قرارها. تقول وهي تشد على قبضتيها الصغيرتين: "قررت أن أعود إلى البيت. أردت أن أجد دميتي مهما كلفني الأمر."

 توجهت هيا مع والدها إلى مكان بيتهم القديم. هناك، كان كل شيء محطمًا. الجدران، الأثاث، وحتى النوافذ تحولت إلى شظايا متناثرة. رغم ذلك، بدأت هيا تبحث وسط الأنقاض. تقول وهي تمسح العرق عن جبينها الصغير: "حفرتُ بيدي الصغيرتين بين الركام. كنت أبحث في كل مكان. لم أهتم بالغبار أو الجروح التي أصابت أصابعي."

لمدة ساعتين، لم تتوقف هيا عن البحث، وعندما كادت تفقد الأمل، صرخت فجأة: "وجدتها!" كانت الدمية، مغطاة بالغبار، شعرها المصنوع من خيوط الصوف قد احترق جزئيًا.

تصف هيا اللحظة بقولها وهي تضغط على الدمية بقوة: "عندما احتضنتها شعرت وكأن روحي عادت إلي. كانت دافئة، رغم البرد الذي كان يحيط بنا. شعرت أنها ما زالت تحمل رائحة الماضي".

 الآن، تحمل هيا دميتها معها أينما ذهبت. تقول وهي تنظر إليها بفخر: "هذه ليست مجرد دمية. إنها صديقتي الوحيدة. عندما أضمها أشعر أنني لست وحيدة."

حكاية هيا ليست مجرد قصة طفلة تبحث عن دميتها، إنها شهادة على قوة الأمل وسط الدمار. في كل مرة تضغط فيها هيا على دميتها، تحمل رسالة صامتة إلى العالم: "حتى في أحلك اللحظات، يمكن لقطعة قماش محشوة بالقطن أن تعيد للطفل دفء الحياة."