الحرب حكمت على "نور" بالإعاقة إلى الأبد

الحرب حكمت على "نور" بالإعاقة إلى الأبد

تجلس نور الدواوسة، 24 عامًا، في زاوية صغيرة من خيمتها المؤقت جنوب قطاع غزة، حيث يعلو وجهها شبح الإرهاق وملامح حزن لا تفارقها. تحاول بصعوبة تحريك كرسيها المتحرك للوصول إلى موقد تحضير الطعام لإعداد فنجان قهوة. تقول وهي عابسة الوجه: "الحياة لم تعد كما كانت. فقدتُ القدرة على الحركة، وفقدت أخواتي ومنزلي. أشعر وكأن العالم بأسره ينهار فوق رأسي."

في السابع من أكتوبر 2023، كانت نور تعيش حياة هادئة نسبيًا مع زوجها في منزل صغير في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. تصف ذلك الصباح بقولها وهي تسرح بخيالها وكأنها تستذكر الحادثة: "استيقظت على أصوات البحر المعتادة، لكن شيئًا ما كان مختلفًا. أصوات الانفجارات بدأت تقترب. ظننت أنها تدريبات، لكنها كانت البداية لكابوس لن ينتهي."

مع تصاعد العنف، قررت نور وزوجها مغادرة منزلهما واللجوء إلى منزل عائلتها، حيث أصبح المنزل المكون من أربعة طوابق ملجأً لثلاثين فردًا من أفراد العائلة الممتدة، لكن رغم هذا التجمع العائلي، كان الخوف يخيّم على الأجواء. تقول وهي تمسح الدمع عن عينها: "كنا نحاول أن نعيش بشكل طبيعي، نحضّر الطعام ونستذكر الذكريات، لكن أصوات الطائرات كانت تذكرنا دومًا بأن الخطر قريب."

في فجر 22 نوفمبر 2023، استيقظت الأسرة بأكملها على شعور غريب بالخطر، تبادلت نور وأخواتها الحديث في المطبخ أثناء تحضير وجبة الإفطار، عن تلك اللحظة قالت نور وهي تحاول استيعاب ما حدث: "كانت تلك اللحظات مليئة بالألفة، كأننا نحاول التشبث بما تبقى من حياتنا، لم نعلم أن ذلك سيكون وداعنا الأخير."

فجأة، دوي انفجار هائل، وتحوّل المنزل إلى ركام. تصف نور اللحظة بقولها وهي تضع يدها على قلبها: "استيقظت لأجد نفسي محاصرة تحت الأنقاض، كنت أسمع أصوات أختيّ ريماس ونديم تطلبان المساعدة، حاولتا الخروج لإنقاذي، لكن صاروخًا آخر أنهى حياتهما."

تتابع نور قصتها بصوت مبحوح: "بقيت تحت الركام لساعات. كنت أطرق على الألمنيوم بجانبي حتى سمعني الجيران، وبالفعل استجابوا وأخرجوني بصعوبة ونقلوني إلى مستشفى كمال عدوان." لكن المستشفى، كغيره من مستشفيات غزة، كان يعاني نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية. تقول نور وهي تهز رأسها بأسى: "لم يكن لديهم حتى مسكنات ألم. الألم كان يفوق الوصف."

بعد أربعة أيام من المعاناة، نُقلت نور إلى جنوب قطاع غزة في ظروف غير إنسانية. وُضعت على نقالة في مكان مخصص للحقائب داخل حافلة مكتظة بالنازحين. وصلت إلى مستشفى ناصر في خان يونس حيث أُجريت لها عملية جراحية لتركيب فقرة معدنية في العمود الفقري. تقول وهي تنظر إلى قدميها بلا حراك: "أخبرني الأطباء أنني فقدت الإحساس بالكامل في أطرافي السفلية. أصبحت عالقة في هذا الكرسي للأبد."

نور ليست الوحيدة التي تعاني التي تعاني ظروفاً قاهرة نتيجة الحرب، حيث تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن هناك أكثر من 52,000 شخص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، يعيشون في ظروف قاسية تتفاقم مع الحصار والنزاع.

وتوضح تقارير مركز الميزان لحقوق الإنسان أن 80% من الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة لا يحصلون على الخدمات الأساسية اللازمة، بما في ذلك الأجهزة المساعدة والعلاج الطبيعي.

تشير نور إلى التحديات اليومية التي تواجهها بقولها: "لا توجد مواءمة حقيقية في المنازل أو الطرقات. حتى المساعدات التي تصل تُوزع دون وجه حق. أشعر أننا منسيون تمامًا في غمرة الحرب والنزوح."

ووفقًا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرّتها الأمم المتحدة، فإن على الدول الأطراف ضمان الحماية الكاملة لذوي الإعاقة في أوقات النزاع، بما يشمل توفير العلاج والرعاية اللازمة. كما ينص القانون الدولي الإنساني على ضرورة حماية المدنيين، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة، من آثار الحرب.

تقول وحدة الأبحاث في مركز الميزان لحقوق الإنسان إن استمرار استهداف المدنيين في غزة، وخصوصًا ذوي الإعاقة، يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وتشدد على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية بشكل عاجل وبدون قيود.

رغم كل ما مرت به، تحاول نور أن تجد بصيصًا من الأمل، وقالت وهي تحاول صنع طبق حساء على كرسيها المتحرك: "الحياة تستمر، حتى لو كانت مليئة بالألم. أحلم باليوم الذي أتمكن فيه من السفر إلى تلقي العلاج والعودة إلى المشي مجددًا."

قصة نور ليست فقط حكاية شخصية، بل هي مرآة تعكس معاناة الآلاف في غزة. إنها دعوة إلى العالم لتحمل مسؤولياته تجاه من يعانون بصمت في زاوية منسية من هذا العالم.