نساء غزة تعانين فقر الدورة الشهرية

رفاهية الفوط الصحيّة

نساء غزة تعانين فقر الدورة الشهرية

تجلس حنين محمد (*) على أطراف خيمتها المهترئة وسط قطاع غزة، وتحاول إخفاء معاناتها اليومية التي تتجدد مع كل شهر. تقص حنين باستحياء أجزاء من قطع ملابسها البالية التي بالكادّ تقيّها برد الشتاء؛ لاستخدامها بديلا عن الفوط الصحية في فترة الحيض، تقول: "لم يخطر على بالي يومًا أنني سأقتطع من ملابسي قطعًا واستخدمها عند قدوم الدورة الشهرية لأني لا املك فوطا صحية".

تعاني حنين وغيرها المئات من النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، مما يصطلح عليه فقر الدورة الشهرية (Period Poverty) وهو مصطلح يرمز إلى عدم مقدرة النساء على توفير المنتجات الصحيّة اللازمة في فترة الحيض لاستخدامٍ صحي وآمن؛ وذلك لدواعي مختلفة منها، الفقر أو عدم توفر هذه المنتجات خاصّة في الأزمات أو الحروب، ويتضمن ذلك الفوط الصحية، والسدادات القطنية، ومنتجات النظافة الأخرى، بالإضافة إلى عدم وجود مرافق صحية مناسبة، والمياه الجارية أو شُحها وانقطاعها.

في قطاع غزة يوجد نحو 1.10 مليون أنثى وهو ما يُعادل نصف سكان القطاع عمومًا، تعاني نصفهن تمامًا (546 ألفًا) أنثى في سنّ الإنجاب، تحت وطأة الحرب والفقر والمخاطر الصحيّة، فيما تصبح "الدورة الشهرية" عبئًا إضافيًا وضيفًا ثقيلًا على هؤلاء النساء النازحات، عندما تتحول احتياجاتهن الأساسية إلى رفاهية ويضطررن إلى استخدام الخِرق البالية عوضًا عن الفوط الصحيّة؛ وهو ما يتسبب بصعوبة الحفاظ على النظافة الشخصية.

أصيبت حنين "22 عامًا" بالتهاباتٍ شديدة في الجهاز التناسلي لاستخدامها أقمشة غير صحيّة لفترات طويلة، تقول بصوتٍ خافت: "ما باليد حيلة، مضطرة استخدم القماش، حاولت استخدام حفاظات كبار السنّ، لكن هي أيضًا ارتفعت أسعارها كثيرًا"، فيما تقوم الفتاة في مراتٍ عديدة بغسل الخِرق لإعادة استخدامها ثانية في ظلّ قلّة توفر الملابس، وكانت قد اشترت سترة أو اثنتين لهذا الغرض من بسطة تبيع الملابس المستخدمة "البالة".

في ظلّ استمرار الحرب الإسرائيلية وما صاحبها من غلاءٍ فادح يكتسح الأسواق ويضاعف أسعار السلع عشرات المرات، تفتقد النساء لأبسط ما يحفظ كرامتهن وصحتهن.

وربما ما يفاقم مأساة حنين أنّها ليست الفتاة الوحيدة في عائلتها، فلديها أربع شقيقات أخريات يعانين ذات الأمر، وحاولن مرارا الحصول على عمل؛ ولو بأجر زهيد ليُعينهن على شراء الفوط الصحية التي يبلغ سعر الباكيت الواحد منها 25- 45 شيكلاً، حسب المكان واختلاف الأسعار المتأرجحة في السوق.

تتشارك ذات ظروفهن، تحرير طارق (36 عامًا)، متزوجة وأم لأربعة أبناء، تضطر لاستخدام الخرق لعدم مقدرتها تحمل تكاليف الفوط الصحية الباهظة، تقول لـمراسلة "آخر قصّة": "بالكادّ أستطيع تأمين الطعام لأسرتي، فغالبًا نعتمد على التكيّة، نحن نعيش في خيمة لا تصلح حتى للعيش الآدمي".

تفاقمت معاناة تحرير بعد أن لجأت إلى تناول أقراص منع الحمل لتأجيل الدورة الشهرية لشهرين أو ثلاثة، ما تسبب لها في آلام شديدة جعلتها تزور طبيبة نساء وولادة على نحوٍ متكرر. كما أن ابنتها البالغة من العمر 17 عامًا تعاني الأزمة نفسها، ما دفع تحرير إلى توفير حفاضات كبار السن لها ولابنتها كحلٍّ بديل للحفاظ على صحتهن.

تشير الأبحاث الطبية إلى أن استخدام بدائل غير صحية للفوط الصحية، مثل الأقمشة البالية، يُعرِّض النساء لمخاطر صحية خطيرة، أبرزها تراكم البكتيريا والجراثيم التي تؤدي إلى التهابات الجهاز التناسلي والمسالك البولية. هذه الالتهابات، إذا تُركت دون علاج، يمكن أن تتفاقم لتسبب أمراضًا خطيرة مثل سرطان عنق الرحم أو المبيض، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالعقم نتيجة الالتهابات المزمنة. كما أن البدائل غير الصحية تؤدي إلى تهيج الجلد والحساسية، مما يفاقم من معاناة النساء الصحية والنفسية.

يعزز الأبحاث السابقة، قول استشاري أمراض النساء والولادة الطبيب جهاد الكرنز، الذي أوضح أنّ النساء النازحات في مخيمات النزوح يعانين بشكل مضاعف نتيجة افتقارهن إلى مستلزمات النظافة الأساسية، وعلى رأسها الفوط الصحية، التي تعد ضرورة للحفاظ على صحة المرأة الإنجابية. وأكّد أنّ غياب هذه المنتجات يدفع النساء إلى اللجوء إلى خيارات غير آمنة تزيد خطر الإصابة بأمراض الجهاز التناسلي.

ولا يقتصر تأثير الاستخدام المتكرر لهذه البدائل غير الصحية على الصحة الإنجابية فقط، وفقًا لـلكرنز؛ بل يمتد ليضعف الجهاز المناعي، مما يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والأمراض المزمنة.

ويقدم الكرنز نصيحة مهمة للنساء بضرورة العناية بصحتهن الشخصية في فترة الحيض على الرغم من الظروف البيئية المحيطة، مشيراً إلى أن المشكلة الصحية تمتد لتصل إلى البعد النفسي والاجتماعي، فالنساء والفتيات في مثل هذه الظروف يُعانين إحراجٍ كبير وشعورٍ بالخجل يمنعهن أحيانًا من الخروج أثناء فترة الحيض.

هديل محمود "٢٤"عاما تعبر عن استيائها الشديد من غلاء الفوط الصحية بشكل كبير جدًا، تقول: "استخدمت القماش لأربعة أشهر، لكنني عانيت آلامًا شديدة، هذه أصعب فترة تمرّ على الفتاة، لكننا مع ذلك لا نجد الدعم فيها، هناك غياب للمساعدات المخصصة لهذا الأمر، لا أحد يتحدث عنّا، كأننا غير موجودات".

على الرغم من تدخل بعض المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة، إلا أنّ الجهود تبقى محدودة مقارنة بحجم الحاجة. وبحسب شكاوى الكثير من النساء، فإن المنتجات الصحية تُوزّع أحيانًا في حملات إغاثة، لكنها تبقى جهودًا عشوائية ومحدودة، لا تغطي سوى نسبة ضئيلة من احتياجات النساء.

وتشير تقارير حقوقية محلية إلى أن النساء يشكلن شريحة كبيرة من المتضررين من انعدام الأمن الصحي في غزة، مما يجعل الحاجة إلى تدخل مستدام وفعّال أكثر إلحاحًا. إزاء ذلك قالت طالبت المختصة النفسية والاجتماعية نفين عبد الهادي، في سياق حديثها لـ"آخر قصة"، بضرورة أن تتبنى الجهات المعنيّة محليًا سياسات شاملة للمساهمة في حلّ هذه الأزمة تتضمن توفير المنتجات الصحية بشكل مجاني أو بأسعار رمزية، إضافة إلى تعزيز التوعية الصحية.

لا تطلب النساء النازحات في قطاع غزة المستحيل، فقط أدنى حقوقهن في العيش بكرامة؛ مما يحفظ النذر القليل من إنسانيتهن، إذ تبقى معاناتهن جزءًا من صورة أكبر لمعاناة إنسانية مستمرة، فلا تزال حقوق النساء كفئةٍ هشة تُداس تحت وطأة الحرب والفقر والتهميش.

 

(*) أسماء مستعارة