فاتورة مصروفات ممرضة تحت الحرب  

فاتورة مصروفات ممرضة تحت الحرب  

تجلس الممرضة الفلسطينية أمل سلامة (*)، في الثالثة والثلاثين من عمرها، في زاوية صغيرة من مطبخ بيتها المتواضع الذي ظل صامداً تحت وطأة القصف على أحياء مدينة غزة. تحاول جاهدة كتابة قائمة احتياجات أسرتها الأساسية التي تتضاءل كل يوم في ظل الغلاء الفاحش وشح المواد الغذائية.

أمل، وهي أم لخمسة أطفال، تعمل كممرضة في مستشفى حكومي بمدينة غزة، وتتقاضى راتباً شهريًا لا يتجاوز 400 دولار. تسعى من خلاله لتغطية احتياجات أسرتها في وقت تبدو فيه المهمة مستحيلة نظراً للغلاء الفاحش الذي يعانيه السوق.

تقول سلامة بنبرة يملؤها الاستياء: "الحرب لا تقتلنا فقط بالصواريخ، بل أيضاً بالجوع والقلق. الأسعار تضاعفت بشكل غير مسبوق، وكل شيء أصبح نادراً. نعيش تحت وطأة استغلال التجار وغياب الرقابة، بينما نكافح لتوفير أبسط مقومات الحياة."

رغم إرهاقها من العمل لساعات طويلة في المستشفى الذي يعج بالمصابين نتيجة الحرب، تجد أمل نفسها مضطرة للتدبير بين راتبها المحدود ومصاريف أسرتها. تضطر إلى شراء علب البقوليات والخضروات بأسعار خيالية، إذ تقول: "كيلو البطاطس أو الطماطم بات يُعامل وكأنه ذهب، إذ يتجاوز الـ30 دولاراً. أما علبة الحمص أو الفول المعلبة، التي كانت تكلف دولاراً واحداً، فأصبح ثمنها الآن 5 دولارات على الأقل."

إلى جانب الغذاء، تحتاج أمل إلى تأمين المياه المحلاة للشرب، وهي تكلفة أخرى تزيد العبء عليها، حيث تضطر لدفع ما يقارب 50 دولارًا شهريًا فقط لتأمين المياه، بعدما كانت توفر بقيمة 4 دولارات شهرياً قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023.

أمل، التي تخاطر يوميًا بحياتها للوصول إلى المستشفى عبر شوارع مليئة بالركام وتحت القصف المستمر وتترك زوجها المتعطل عن العمل رفقة أطفالها، تقول إنها تواجه معاناة مزدوجة: "المستشفى يفتقر إلى المعدات الطبية الأساسية، الأدوية قليلة، والإرهاق النفسي يثقل كاهلنا. نعمل بلا حماية، وفي ظل الخوف من أن تكون اللحظة القادمة هي الأخيرة."

تضيف: "بعد يوم طويل من العمل، أعود إلى المنزل لأجد أطفالي ينتظرون شيئًا يسد رمقهم. لا يمكنني توفير الحليب أو الخضار لهم بسبب الغلاء. حتى الخبز، الذي كان الأكثر وفرة، أصبح شحيحاً وبلغت قيمة حزمة الخبز نحو 5 دولارات".

تشير أمل إلى أن الوضع في غزة يزداد سوءاً بسبب غياب دور السلطات الرقابية وتفشي الاحتكار: "أصبح التجار يتلاعبون بالأسعار دون أي رقيب. المساعدات الإغاثية، إن وصلت، توزع بطريقة غير عادلة، وغالباً ما تذهب لغير مستحقيها".

واعتبرت أن استمرار الوضع على ما هو عليه، فإنه ينذر بكارثة على المستوى الإنساني لأن الناس قد لا تجد ما تأكله في ظل حالة الفقر والجوع التي يعانونها، وتجاهل كل ذلك من قبل التجار والإمعان في استمرار سياسة الاستغلال والاحتكار.

كيف تتجاوز المحنة؟

عدا ذلك، تقول هذه السيدة إنها تواجه تحدي يتعلق بتراكم الديون المستحقة على كاهلها، حيث تضطر تحت إجبار الحاجة إلى الاستدانة من أقرباء من الدرجة الأولى، لكي تتجاوز عجز الراتب عن تغطية احتياجات الأسرة. وقالت: "أحيانا اضطر للاستدانة 300 دولار في الشهر الواحد، ومع الوقت تراكمت الديون على كاهلي، ولا أعلم كيف سأتجاوز هذه المحنة!".  

في هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي أشرف إسماعيل، ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين ظروف السكان بما في ذلك الموظفين، خصوصاً العاملين والعاملات في القطاع الصحي، وأبرزها: ضمان دفع الرواتب كاملة: لتخفيف الأعباء عن العاملين، لا سيما في ظل الحرب.

وشدد إسماعيل على أهمية وقف حالة الاستغلال التي تمارسها محلات الصرافة، والتي تستقطع أكثر من 25% من قيمة الرواتب التي تقوم بصرفها عبر التطبيق البنكي، مؤكداً كذلك على أهمية التوزيع العادل للمساعدات الإنسانية.

ولفت إلى أن هناك الكثير من الموظفين لا يتلقون رواتبهم بانتظام نتيجة حالة الفقر وانعدام السيولة وانهيار النظام الحكومي القائم، علماً أن هذا الأمر يزيد من حدة الضغوطات التي يواجهها الموظفين.

وأكد الباحث الاقتصادي على أهمية توفير المواد الغذائية الأساسية بأسعار مدعومة، لضمان قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها اليومية بما في ذلك السلع الأساسية كالخبز، والماء، والخضار، وغيرها من احتياجات ماسة.

وعوداً على بدأ، تقول أمل: "نحن الممرضات نحارب على جبهتين: جبهة العمل لإنقاذ أرواح المرضى، وجبهة المنزل لتأمين أبسط احتياجات عائلاتنا. نحتاج إلى أن يسمع العالم أصواتنا، وأن يقدم لنا الدعم لنتمكن من الاستمرار."

تجسد قصة الممرضة أمل معاناة آلاف النساء العاملات تحت الحرب في غزة، وهي دعوة للعالم للتدخل والعمل على تحسين ظروف هؤلاء النساء اللاتي يحملن على عاتقهن عبء أسرهن في ظل واقع قاسٍ لا يرحم.

وإذا كانت أمل تتدبر قوت يومها حتى لو بالقليل، فإن هناك الآلاف من السكان الذين يفتقدون إلى مصدر الدخل، يعجزون عن توفيره بسبب تضخم نسبتي الفقر والبطالة على نحو غير مسبوق. لاسيما أن أكثر من 90% من السكان باتوا يعتمدون اعتماداً رئيسياً على المساعدات الإنسانية.

 

(*) أسماء مستعارة