وسط سوق الزاوية التاريخي الواقع في قلب مدينة غزة، والذي دمرت بعض محاله وتضررت الأخرى بفعل القصف الأخير، تقف أم عطا، سيدة خمسينية، أمام أحد محال العطارة في انتظار الحصول على وصفة عشبية لمداواة ألامها.
السيدة أم عطا التي أدى فقدان اثنين من أبناءها خلال الحرب القائمة في قطاع غزة إلى مضاعفة ألامها الصحية، تروي قصتها بمرارة قائلة: "أعاني منذ سنوات من آلام حادة في القولون العصبي وارتفاعاً في ضغط الدم، ولكن مع استمرار الحرب وانقطاع الأدوية، أصبحت الأوجاع لا تحتمل وظروفي الصحية تزداد سوءًا".
أوضحت أم عطا أنها لجأت إلى الصيدلية للحصول على دوائها المعتاد، لكنها فوجئت بعدم توفره وهنا بدأت الآلام تتضاعف. وقالت: "وجدت عبوات دوائية متهالكة وتالفة، وبعضها منتهي الصلاحية. حتى الأدوية التي تُباع على البسطات في الشوارع أصبحت خطراً على حياتنا بسبب عدم معرفة مصدرها، ودخلت في معترك البحث عن علاج كالبحث عن إبرة في كومة قش".
هذا الواقع قاد السيدة أم عطا إلى البحث عن بدائل أخرى، قائلة: "اضطررت لشراء نبتتين عشبيتين من العطار هنا في السوق، إحداهن لمعالجة ضغط الدم والأخرى لعلاج القولون، ورغم خوفي من استخدامها، لكنني لا أملك خياراً آخر".
بين الضرورة والمخاطر
في ظل الحصار المستمر والحرب التي تدخل شهرها الخامس عشر، أصبح اللجوء إلى الطب البديل خياراً إجبارياً للكثير من سكان قطاع غزة، في محاولة للتغلب على الأمراض المزمنة والآلام التي تفاقمت بسبب شح الأدوية لاسيما في الصيدليات التجارية.
يقول الصيدلي محمد عامر (29 عاماً)، في الواقع مخزون الأدوية في قطاع غزة قد استنزف نتيجة حجم الإصابات والأمراض التي أصابت الناس منذ أكثر من عام، في وقت يمنع فيه الاحتلال ادخال العلاج إلى القطاع باستثناء ما يجري إدخاله وبكميات محدودة عبر منظمة الصحة العالمية للمشافي بوصفها الأشد احتياجاً، لكن في الحقيقة الصيادلة يواجهون معضلة توفير العلاج لزبائنهم".
وأوضح عامر، أن الكثير من مخازن الأدوية قد دمرت أو تعرضت لأضرار خلال عمليات القصف، الأمر الذي أدى إلى تلف العلاجات وبعضها فقد صلاحيته مع مرور الوقت.
وأكد أن هذا الواقع تسبب بالكثير من الأذى الصحي والنفسي للسكان، وجعلهم يدورون في دائرة مفرغة من البحث عن العلاجات والعقاقير والمسكنات البديلة، مما اضطر الكثير منهم للجوء إلى الوصفات الشعبية، "وهو أمر قد يزيد من المخاطر المحتملة على صحتهم، وفق الكثير من الدراسات البحثية التي أثبتت خطورة تناولها"، حسبما قال.
في المقابل، قال أحد العطارين في سوق الزاوية، ويدعى أبو يوسف، إن الإقبال على الأعشاب الطبيعية والأدوية العطرية ارتفع بشكل كبير منذ بدء الحرب. وأضاف: "السكان يبحثون عن أي وسيلة لتخفيف آلامهم. نبيع أعشاباً للقولون، ونباتات مسكنة للأوجاع، وحتى خلطات عشبية للكحة والأمراض الجلدية".
لكن أبو يوسف أشار إلى تحديات تواجه هذا القطاع، قائلاً: "حتى الأعشاب أصبحت نادرة بسبب صعوبة استيرادها أو نقلها من مناطق أخرى نتيجة تدمير الكثير من المتاجر وإغلاق المعابر، ناهيك عن ارتفاع أسعارها".
الدكتور محمد سميح، طبيب عام في أحد مستشفيات غزة، حذر من مخاطر استخدام الأعشاب الطبية بشكل مفرط دون استشارة مختصين. وقال: "الطب البديل قد يساعد في بعض الحالات البسيطة، ولكنه ليس بديلاً آمناً عن الأدوية الكيميائية، خاصة مع الأمراض المزمنة والتي يعاني مرضاها الأمرين في ظل انعدامها".
وأوضح سميح أن الاستخدام العشوائي لبعض الأعشاب قد يؤدي إلى تفاقم الحالات الصحية، قائلاً: "بعض الأعشاب تحتوي على مركبات قد تكون سامة عند استخدامها بجرعات كبيرة، مثل عشبة السنامكي التي قد تسبب تلف الكبد أو الكلى إذا تم تناولها بكميات زائدة".
الأدوية أولوية
ودعا الطبيب إلى ضرورة توعية السكان بمخاطر هذه الممارسات، مطالباً المنظمات الدولية بالتحرك العاجل لإدخال الأدوية اللازمة إلى قطاع غزة. قال: "لا يمكن للسكان تحمل هذا الوضع أكثر من ذلك. الأدوية المنقذة للحياة يجب أن تكون أولوية دولية".
وأظهرت مراجعة بحثية أن الأعشاب الطبية فوائدها قليلة بالنسبة للمصابين بأمراض القلب وتعرضهم لمخاطر عديدة في الوقت نفسه.
وقال الدكتور جراتسيانو أوندر من مستشفى إيه. جيميلي الجامعي بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية في روما لرويترز هليث "من المهم أن يبلغ المرضى أطباءهم بشأن الأعشاب الطبية ويسألوا عن الآثار الضارة للأعشاب الطبيعة التي يستخدمونها. هذا مهم جدا بالنسبة لكبار السن الذين يتعاطون عادة العديد من الأدوية." وطبقاً للمراجعات البحثية فأن الطب البديل قد يكون مفيداً في بعض الحالات البسيطة، لكنه ليس بديلاً عن العلاج الطبي التقليدي، خاصة في ظل الظروف الصحية الصعبة التي يعيشها سكان مناطق النزاع مثل غزة.
ومع غياب أفق واضح لوقف إطلاق النار واستمرار الحرب، يعيش سكان غزة تحت ظروف كارثية تزيد من معاناتهم الصحية والنفسية.
وتؤكد الخمسينية أم عطا، التي تواصل محاولاتها للتغلب على آلام القولون باستخدام الأعشاب: "نحتاج إلى أدوية حقيقية. لا يمكننا الاستمرار بهذا الشكل. الأعشاب ليست حلاً دائماً، بل مجرد خيار اضطراري فرضته الحرب علينا."
في ظل استمرار الحصار والحرب، تظل الحاجة إلى حلول جذرية لإنهاء معاناة سكان غزة الصحية قائمة، مع ضرورة توفير الأدوية اللازمة والتوعية بالمخاطر الصحية التي قد تترتب على الاعتماد المفرط على الطب البديل.
محلات العطارة- الطب البديل