غيّرت الحرب الإسرائيلية على غزة معالم المدينة كلّها. طال الدمار الشوارع الحيوية والرئيسيّة، كشارع عمر المختار، والوحدة، والرشيد، إلى جانب تدمير شبكات الصرف الصحي والمياه وتصريف الأمطار.
تدميرٌ كشف عن الوجه الحقيقي لهذه الحرب؛ فهي ليست محاولة لاستهداف البُنى العسكرية للمقاومة فحسب، بل وأيضاً البنية الأساسية للقطاع كالمباني الحكومية والسكانية ذات القيمة المرتفعة (الأبراج)، والتي كانت الأكثر تضرُّراً.
عبّرت إسرائيل صراحةً عن إرادتها استهداف الأنفاق الأرضية والبنى التحتية للمقاومة الفلسطينية. وقد كان من الممكن أن يُفهم ذلك في إطار سلسلة الاستهدافات للمناطق الحدودية، غير أن استهداف المفترقات والشوارع الرئيسيّة داخل محافظات القطاع الخمس، يضع علامات استفهام كبيرة حول هذا العدوان وغاياته.
تشير التقديرات الحكومية إلى أن حجم الأضرار يتجاوز خسائر الحروب الثلاث السابقة، وخصوصاً أن التدمير شمل المنشآت الحكومية والمدنية والبنى التحتية، وضاعف أزمة الكهرباء.
وفي هذا الإطار، قال مصدر في وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، لـ»الأخبار»، إن «عملية حصر الأضرار لا تزال مستمرّة وتحتاج إلى بعض الوقت، لكن التكلفة التقديرية لإعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال، لن تقلّ عن 500 مليون دولار كحدٍّ أدنى».
وأضاف المصدر: «نحن ما زلنا نعالج دمار الحرب السابقة (2014). وعلى رغم ذلك، جاءت هذه الحرب لتُلحِق خسائر مضاعفة بالوحدات السكنية والبنية التحتية والمنشآت الصناعية بشكل يصعب تصوّره، بما يعطي دلالة واضحةً على أن الاحتلال يحاول إبقاء الحياة في غزة تسير بالحدّ الأدنى ومحلَّ احتياج دائم ومستمرّ».
وعبّر المصدر عن مخاوفه إزاء عرقلة إسرائيل محاولات إعادة إعمار القطاع، وإعاقة وصول التبرّعات من قِبَل الدول والمؤسسات المانحة إلى غزة، من خلال وضع آليات رقابية مشدّدة وشروط معقّدة لإدخال مواد البناء أو الآلات.
ولا يخفي العدو سعيه إلى استنزاف القطاع على المستوى الاقتصادي لمدّة طويلة في عملية إعادة الإعمار، وذلك لدواعي إشغال المقاومة عن استكمال مشروع تطوير قدراتها العسكرية، واستنزاف الطاقات لأمد بعيد من خلال خلق المزيد من الأزمات الداخلية وإنهاك البنى التحتية.
وطبقاً لما قاله وكيل وزارة الحكم المحلي في غزة، أحمد أبو راس، في تصريحات صحافية، فإن أكثر القطاعات تضرُّراً على صعيد البنية التحتية، هي الشوارع والطرق والأرصفة، ومن ثمّ شبكات الصرف الصحي ومضخّات الصرف الصحي الخاصة بالأحياء والمدن، ثمّ آبار المياه الجوفية وشبكات تصريف مياه الأمطار الموجودة في مختلف مناطق القطاع.
وأوضح أبو راس أن مدينة غزة كانت الأكثر تضرُّراً جرّاء العدوان، باعتبارها المركز التجاري والرئيسي للقطاع، إذ كان هدف الاحتلال واضحاً بتقطيع أوصال الأحياء ومحاولة التركيز على وسط المدينة، وتحديداً حيّ الرمال الشمالي والجنوبي، وهدم البيوت والمحال التجارية والأبراج.
وقبل ساعات من إعلان التهدئة التي دخلت حيّز التنفيذ فجر الجمعة، أكد رئيس سلطة المياه، مازن غنيم، أن الاحتلال باستهدافه البنية التحتية، سيفاقم الوضع الإنساني الصعب، وسيعيد الكارثة التي كانت تتهدَّد حياة الغزّيين.
وقال غنيم، خلال مؤتمر صحافي عقده في رام الله، إن العدوان على غزة تسبّب في نقص ما نسبته 50% من كمّيات المياه الصالحة للاستخدام المنزلي المزوَّدة للمواطنين، نتيجةَ تضرُّر البنى التحتية ومصادر المياه والخطوط الناقلة والشبكات والمضخّات والخزّانات، إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولمس المواطنون، منذ اليوم الأوّل للحرب، سرعةَ تدخُّل المجالس البلدية المحلية في قطاع غزة، لإعادة إصلاح الطرق المتضرّرة من خلال طمر الحفر وإزالة الركام، إلى جانب بعض الحلول السريعة للطرق الرئيسيّة الأكثر تضرُّراً.
وفي منشور لها عبر موقع «فايسبوك»، قالت الكاتبة هبة الآغا، مُعقّبةً على قيام بلدية غزة بإعادة فتح الطرق الرئيسيّة باستخدام إمكاناتها المتواضعة: «شكراً بلدية غزة هاشم على هذا الجهد... هذا هو الصمود الحقيقي».
ولا توجد تقديرات واضحة حول المدّة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها عملية إعادة إعمار البنية التحتية المتضرّرة وإيواء النازحين، غير أن المسألة مناطة بمدى توفُّر الأموال والمواد الخام.
لذا، يتطلّع المسؤولون الحكوميون إلى ضرورة أن تضمن الجهات السياسية المخوّلة بحثَ التهدئة، إقرار نصوص واضحة متعلّقة بإعادة الإعمار وتوفير ضمانات حقيقية لذلك، إلى جانب رفض آليات الرقابة على برنامج إعادة الإعمار والتي كانت تحدّ في السابق من إكماله.