أن تكون من دون مأوى، فكرة قاسية جدّاً. ليس المأوى مكان العيش فقط، بقدر ما يمثّل مصدر الأمان للفرد. إذا أُسقطت هذه المقولة على واقع قطاع غزة، الذي يعيش حالياً حرباً قاسية لليوم التاسع على التوالي، عندها يكون الحديث عن أكثر من ألف أسرة تعيش الآن خارج حيّز الأمان.
المواطن علاء شمالي خَبِر تجربتَين قاسيتَين نتيجة فقدان بيته، الأولى خلال حرب عام 2014، والثانية اليوم بفقدانه شقّته التي أصبحت أثراً بعد عين، بفعل قصف الاحتلال للبناية السكنية التي كان يقطنها، ليلة السابع عشر من أيار الجاري.
يقول علاء (في أواخر العقد الثالث من عمره): "خلال حرب عام 2014، كانت لي تجربة أولى في قصف منزلي وتدميره بشكل كامل في حيّ الشجاعية، وأصبحنا مهجّرين مشتّتين إلى أن استقرّ بي الحال في وسط غزة، وما بينهما تفاصيل عظيمة من المعاناة".
ويضيف بأسًى: "حاولت بكلّ الطرق المتاحة البحث عن الاستقرار، وقمت بامتلاك شقّة في شارع اليرموك وسط مدينة غزة، بنظام الأقساط لمدّة 8 سنوات، غير أن الحرب اندلعت مرّة أخرى ودمّرت شقتي السكنية الجديدة".
تجربتان مريرتان عاشهما علاء مهجّراً هو وأسرته، خلال أقلّ من سبع سنوات، ليعود مجدّداً باحثاً عن أمن أسرته المفقود. وعن ذلك يقول: "هذه تجربة ثانية في تدمير المنزل والتهجير وفقدان أغلى ما نملك والعودة إلى مربّع المعاناة من جديد"، مضيفاً أن "الشقة انهارت وذهبت أدراج الرياح في غمضة عين، لكن ديونها وأقساطها لم تنتهِ، وبقيَت على كاهلي وستتواصل لمدّة عامين مقبلين".
إلى جانب بيت علاء، ثمّة أكثر من ألف بناية سكنية دمّرتها الطائرات الإسرائيلية، فيما باتت أكثر من ستّة آلاف أسرة تعاني نتيجة تدمير مساكنها بشكل جزئي، وفق تأكيد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
كذلك، يفيد المكتب الحكومي بأن خسائر القطاع الإسكاني، منذ بدء المواجهة الحالية، بلغت 48 مليون دولار. وتأتي هذه الخسائر بعد نحو أربعة أشهر من إعلان وزارة الأشغال العامة والإسكان في القطاع أن نسبة العجز في الوحدات السكنية تصل إلى 120 ألف وحدة.
عُلا الحاج فقدت، هي الأخرى، شقّتها السكنية أثناء تدمير الاحتلال لأحد المباني غرب مدينة غزة. تعيش مع أسرتها الآن حياة التهجير والبحث عن مأوى آمن من قذائف الحرب.
تُعبّر علا، التي تُعدّ طاهية طعام معروفة (في العقد الرابع من عمرها)، عن حالتها بالقول: "الفكرة أبداً مش حيطان ولا حجر... الفكرة ذكرياتنا الحلوة وضحكنا وفرحنا الساكن في كلّ أركان البيت".
وتضيف: "الفكرة هي فقدان بيتنا الذي يمثّل مصدر أماننا ومأمننا، وأغراضنا التي نحبّها والتي اخترناها بعناية... تعب سنين ذهب في لمح البصر".
تستنكر الحاج، وقد بدا على وجهها الغضب، واقعة إخلاء البناية السكنية. وتشير إلى أن "الاحتلال لن يسمح لأحد بأن يظفر بشيء من مسكنه قبل تدميره، فقط يمنحنا بضع دقائق للخروج بملابسنا وأوراقنا الثبوتية... هم دائماً يلاحقون أحلامنا للقضاء عليها".