مبتورو الأطراف: صعوبة في تقبل الواقع الجديد

مبتورو الأطراف: صعوبة في تقبل الواقع الجديد

خضعت الشابة الفلسطينية سناء عبد الله (اسم مستعار)، لجلسات للدعم النفسي على ضوء بتر ذراعها نتيجة إصابة تعرضت لها خلال الحرب على قطاع غزة في ديسمبر الماضي، ومع ذلك لم تشعر بزوال الألم النفسي الناتج عن الإصابة.   

سناء ذات الواحد والعشرين عاماً، تقول إنها كلما نظرت إلى نفسها في المرأة، أو قلبت في ألبوم الصور يتعمق الألم بداخلها. إلى حد أنها فقدت الشغف نحو مواصلة الحياة، وتعاني أعراض اكتئاب، وفق ما أخبرتها به المرشدة النفسية التي تتابع حالتها. 

تلك ليست الفتاة الوحيدة في غزة التي ترفض تقبل الواقع الجديد الذي يحمل الكثير من الألم النفسي والصحي، فهناك الآلاف من الفلسطينيين قد فقدوا أطرافهم خلال الحرب التي مضى على اندلاعها عامل كامل وسط غياب أفق وقف إطلاق النار.

 وطبقا لتقديرات كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، فإن أكثر من 22 ألف شخص في قطاع غزة يعانون من إصابات غيرت حياتهم، إضافة إلى إصابات خطيرة في الأطراف تتراوح بين 13 ألفا و17 ألفا.

أحمد عبد السلام (27 عاماً)، شاب فقد ساقه في الشهر الخامس للحرب، ومنذ ذلك الحين وهو يسير بواسطة عكازين، ومع ذلك إلا أنه يجد أن مستقبله قد قتل في مهده. وبخاصة أنه كان شابا رياضيا ويذيع صيت ركلاته في مباريات كرة القدم.

وقال عبد السلام الذي أنهى تعليمه في مجال هندسة الديكور قبل خمسة أعوام، إن إصابته تشعر بالكثير من العجز وبخاصة أنه في كثير من الأحيان يعتمد على مساعدة ممن هم حوله. ووصف الحرب بأنها خلقت جيلاً بإعاقات دائمة يستحيل التعافي منها.

وعزى حالة التشاؤم التي يعانيها، بأنها متعلقة بالحرمان من الأمان والاستقلال وانهيار الرعاية الصحية والطبية، وبخاصة مع انعدام فرص الحصول على طرف صناعي يعينه على مواصلة حياته.  

ويحرم قطاع واسع من مبتوري الأطراف من الحصول على أطراف صناعية في الوقت الراهن، لاسيما بعدما أخرجت الحرب مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية (غرب غزة) عن الخدمة، فضلا عن تعطل مركز الأطراف الصناعية التابع إلى بلدية غزة عن العمل بشكل كامل، بينما لا يوجد في مناطق جنوبي القطاع مراكز لصناعة هذه الأطراف البديلة.

من جهته قال عرفات أبو مشايخ، رئيس قسم الصحة النفسية في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، "إن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها لأنها أفرزت جيشا كبيرا من فاقدي الأطراف من المصابين، الذين فقدوا أيضا الأهل والمنازل".

وأضاف أبو مشايخ في تصريحات صحفية: "اختلاف شكل الجسم وفقدان أحد الأعضاء وعدم المقدرة على مزاولة المهام اليومية يدخل المصاب بحالة نفسية صعبة". وتبدأ الصدمات النفسية، وفق أبو مشايخ، "بالإنكار وتنتهي بالتقبل، لكن الوصول لمرحلة تقبل البتر طويلة وصعبة".

وأوضح أن عدم توفر مراكز للتأهيل النفسي والجسدي وأو مراكز للأطراف الصناعية والصحة النفسية يجعل من تعافي المبتورين أمرا صعبًا.

ولفت إلى أن التدخل النفسي اليوم يحدث "بجهود شخصية حيث تعجز وزارة الصحة عن دعم كل هذه الأعداد من المبتورين"، مشيراً إلى أن جزءا كبيرا من المبتورين هم من الأطفال والنساء الذين من الصعب عليهم استيعاب فقد الطرف.

وفي ظل النقص الذي يعاني منه قطاع غزة، قال أبو مشايخ إنهم "بحاجة لجيش كبير من متخصصي الصحة النفسية لمعالجة حالات البتر وإيصالهم لمرحلة التقبل، فضلا عن الحاجة لمراكز ومستشفيات للصحة النفسية خاصة بعد تدمير مستشفى الطب النفسي الوحيد بغزة".