واقع الشباب: مستقبل مدفون بين الركام

واقع الشباب: مستقبل مدفون بين الركام

تسيطر حالة من التشاؤم في أوساط الشباب الفلسطيني في قطاع غزة بعد مضي عام كامل على الحرب، وذلك نتيجة انعدام فرص استئناف صناعة المستقبل سواء التعليمي أو الانخراط في سوق العمل، أو الهجرة، أو تكوين أسرة.

ومما هو واضح فإن المستقبل يلفظ أنفاسه بين أنقاض القطاع، وبخاصة أن الاضرار الاطول أجلًا الناجمة عن الحرب، حتماً ستخلف آثاراً اقتصادية وديمغرافية واجتماعية ونفسية سلبية وعميقة، ستطال معظم فئات السكان وبخاصة الشباب.

وأصبح الشاب محمد رزق (23 عاماً) يعتمد على السير بواسطة عكازين، ذلك بعدما فقد إحدى ساقيه خلال الحرب. وكان يستعد لإتمام مراسم حفل زفافه. وبعد حادثة البتر ونتيجة تردي حالته النفسية، انفصل عن خطيبته وذهب حلم الزواج وبناء أسرة، هباء منثوراً، كما قال.

رزق الذي يحمل شهادة في إدارة الأعمال، وكان يعمل سائق أجرة نتيجة محدودية فرص العمل منذ ما قبل الحرب، كان يتمتع بحيوية عالية ويذيع صيته بين أصدقائه بأنه شخص ذو حس فكاهي محب للحياة، غير أنه قال إن الإصابة جعلته يفقد حسه الفكاهي وتسيطر عليه حالة من اليأس والاكتئاب، "نحن نعيش في المجهول الآن، ولم يعد هناك أي أفق للمستقبل" قال ذلك ثم اسند جبينه على ركبة ساقه السليم، وصمت مطولاً.

وطبقا لتقديرات كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، فإن أكثر من 22 ألف شخص في قطاع غزة يعانون من إصابات غيرت حياتهم، إضافة إلى إصابات خطيرة في الأطراف تتراوح بين 13 ألفا و17 ألفا.

وكان يقيم في الأراضي الفلسطينية نحو 5.6 مليون فلسطيني منهم 1.2 مليون شاب وشابة (18-29 سنة)، وهم يشكلون ما نسبته 21% من إجمالي السكان في قطاع غزة، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ويشكل عدد ضحايا الحرب من قطاع غزة، ما نسبته 1.8% من اجمالي سكان القطاع، منهم حوالي 24% من الشباب (26% ذكور، 22% اناث)، كما غادر القطاع عدة الاف من الفلسطينيين منذ بداية الحرب.

 كيف أثرت الحرب على التركيب العمري للشباب؟

وإذا كانت الإصابة وتردي الحالة النفسية الناتجة عن الحرب قد حرمت الشاب رزق من تكوين أسرة، فإن محمد عليان (27 عاماً) والذي تزوج قبل اندلاع الحرب بأيام، قد اتخذ وزوجته قراراً مشتركاً بالامتناع عن الإنجاب إلى حين انتهاء الحرب والهجرة بحثاً عن مأمن خارج أسوار غزة، التي قال "إنها لم تعد صالحة للحياة". 

والشاب عليان، كان يعمل منسقاً ميدانيا في إحدى المؤسسات الأهلية، لكنه قد فقد عمله نتيجة الحرب، ولم يعد لديه أي مصدر للدخل. وقال: "فكرة إنجاب أطفال في هذه الظروف تكاد تكون فكرة غير منطقية على الإطلاق، كيف ستنجب طفلاً وأنت لا تستطيع أن تحميه أو توفر له طعامه أو تغطي احتياجاته الأساسية؟" في إشارة إلى المجاعة التي يعاني منها الأطفال نتيجة انعدام الطعام وسوء التغذية.  

 يقول الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إن معدل النمو سينخفض من نحو 2.7% وفق تقديرات الجهاز لعام 2023 الى نحو 1% فقط خلال عام 2024 وتحديدا بعد منتصف العام، اذ ستنخفض معدلات المواليد والانجاب بصورة كبيرة جدا نتيجة لتوجه الازواج لعدم الانجاب نظرا للأوضاع السائدة وخوفا على صحة الامهات والاطفال وانخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال الحرب الاسرائيلية إلى مستويات متدنية للغاية.

كما يتوقع الجهاز المركزي أن يتأثر التركيب العمري والنوعي للسكان مباشرة، نتيجة لاستهداف الجيش الإسرائيلي لفئات محددة للسكان كالأطفال والشباب، مما يؤدي الى تشوه في شكل الهرم السكاني خاصة في قاعدته، مع العلم ان هناك تأثير متوسط وبعيد المدى يتوقع أن يطال التركيب العمري للسكان يتمثل بانخفاض عدد المواليد للسنوات القادمة والذين يمثلون القاعدة الاساسية للهرم السكاني نتيجة لاستشهاد واستهداف الفئة العمرية (فئة الشباب 18-29 سنة) التي تنجب أو التي يتوقع أن تساهم في إنجاب الأطفال خلال السنوات القادمة.

كيف أثرت الحرب على القطاع التعليمي للشباب؟

لم يمض على التحاق الطالب مريد نبهان (19 عاماً) بالجامعة سوى أسبوع واحد، حتى اندلعت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، ومنذ ذلك الحين وهو محروم من التعليم. وقال إن الظروف التي يعيشها رفقة أسرته في خيام النزوح لا تؤهله لاستئناف تعليمه الجامعي بواسطة أدوات التعليم الإلكتروني نظراً لانعدام الكهرباء والانترنت. 

يوضح نبهان الذي ترك العمل على بسطة لبيع المعلبات تحت وقدة الشمس، أثراً واضحاً على وجهه، أنه كان يحلم بأن يصبح مهندسا إلكترونيا، وأنه كان مولعاً بمتابعة تطورات الذكاء الاصطناعي، غير أنه لم يعد يفكر الآن سوى في توفير لقمة العيش لأسرته المكونة من سبعة أفراد.

وفي سؤاله عن شكل المستقبل الذي يتخيله بعد انتهاء الحرب، قال: "كان بالإمكان أن أخبرك أنني سأصبح مهندساً، لكن استمرار الحرب على هذا النحو لزمن أطول، فذلك يعني أني لن أكون سوى بقال، أو أن أقتل وانضم إلى قافلة الضحايا الشباب".

تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن سبعة شهداء من بين كل ألف طالب وطالبة ملتحقين في مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة. ووفقا للبيانات التي جرى توثيقها حتى تاريخ السادس من أغسطس الماضي، فإن 619 طالب وطالبة من الملتحقين في مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة قد سقطوا شهداء خلال الحرب.

 في حين ارتقى 105 عامل وعاملة ممن يعملون في مؤسسات التعليم العالي في غزة، نتيجة الغارات الجوية المستمرة. فيما بلغ عدد الجرحى من الطلبة الملتحقين في مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة 1,283 جريح وجريحة.

وفي الواقع، يعد التعليم الاستثمار الحقيقي بالنسبة للفلسطينيين في قطاع غزة؛ نظرا لأهميته على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فبيانات العام 2023 تشير إلى أنه من بين كل 100 شاب/شابة في العمر 18-29 سنة هناك 18 شاب/شابة حاصلون على درجة البكالوريوس فأعلى، ولعل الشابات الاوفر حظا، إذ ان 23 شابة من بين كل 100 شابة حاصلة على درجة البكالوريوس فأعلى مقابل 14 شاب من الذكور.

في المقابل فان معدلات البطالة تشكل التحدي الأكبر أمام الشباب في قطاع غزة، إذ بلغت معدلات البطالة في الربع الرابع 2023 حوالي 75%، حيث أن أعلى معدلات للبطالة كانت بين الشباب 18-29 بواقع 95% كما تشير التقديرات إلى أن معدلات البطالة بين الشباب الحاصلين على مؤهل علمي دبلوم متوسط فأعلى بلغت حوالي 91%.

ويعزو المختص الاجتماعي والتربوي عطا سليمان، الإحباط في أوساط الشباب في قطاع غزة، إلى غياب أفق وقف إطلاق النار، وانعدام فرص الأمان والاستقرار.

وقال سليمان إن الدمار الهائل الذي طال كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، جعل الشباب عاجزين عن التخطيط أو التفكير في المستقبل، وهذا بطبيعة الحال يعزز من فرص تعمق الأزمات النفسية التي يمكن أن يمر بها الشباب نتيجة الإحباط وفقدان الشغف والحرمان من التعليم والسفر وتكوين أسرة.

وأكد على ضرورة إيجاد خطط تنموية مركزية تقوم عليها المؤسسات الحكومية من أجل دعم وإسناد فئة الشباب في قطاع غزة، ومساعدتهم على صناعة مستقبلهم مهما كانت الظروف، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي والتمكين الاقتصادي، وإتاحة التعليم المجاني أمام طلبة الجامعات.

في المقابل، قال مسؤول حكومي رفض الكشف عن اسمه، إن الاحتلال لم يعط فرصة لأي تدخل عاجل يمكن أن يساند الشباب ويدعم مستقبلهم بما في ذلك جهود استئناف العملية التعليمية.

وأضاف المسؤول الحكومي، "هناك محاولة لقتل المستقبل في غزة بكل الطرق، من خلال تدمير كافة القطاعات بما في ذلك قطاع التعليم الذي يشكل عماد المستقبل بالنسبة للشباب الفلسطيني في غزة"، مؤكداً أنه لا مجال للحديث عن خطط تنموية في الوقت الراهن نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، وأن التدخلات الإنسانية والإغاثية العاجلة تستحوذ على اهتمام مختلف الجهات بما فيها الحكومية.

وأوضح أن وقف الحرب من شأنه أن يعزز تحسين جودة حياة الشباب، وسيساعد في تطوير وبناء خطط استراتيجية خاصة بالشباب، تقوم على تنفيذ برامج ومشاريع حكومية وأهلية تسهم في تعافي الشباب من أثار الحرب القاسية على مختلف الصعد، بما في ذلك الصحة النفسية، والبيئة التعليمية وتعزيز التمكين الاقتصادي.