يجتمع العامل الغزاوي أحمد عمر (اسم مستعار) في العقد الخامس من عمره، رفقة عدد آخر من العمال على مائدة إفطار رمضان حيث يقيمون الآن بمدينة رام الله بالضفة الغربية، وقلوبهم معلقة في قطاع غزة حيث الحرب الدائرة للشهر السادس على التوالي.
يكتم العامل عمر المنحدر حي الشجاعية شرق قطاع غزة، الكثير من الألم في صدره، وهو يرمق أطباق الطعام أمامه، ويفعل الكثير من العمال العالقين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي، الشيء نفسه، دون قدرة منهم على التعبير عن حجم القلق الجاثم فوق صدورهم، على حياة أبنائهم وأسرهم.
يقول عمر: "عندما اندلعت الحرب اضطررت للجوء إلى رام الله والمكوث فيها إلى حين انتهاء الحرب والعودة إلى غزة، وكلما مر الوقت يزداد الحزن والقلق على أبنائنا الذين يواجهون الموت في القطاع"، مشيراً إلى أنه حزين جداً لعدم استطاعته التخفيف عن أبنائه الخمسة الذين خلفهم رفقة أمهم وهم نازحون الآن في محافظة أقصى جنوب قطاع غزة.
يواجه عمال قطاع غزة الذين لجأوا إلى في الضفة الغربية عندما اندلعت الحرب، معاناة إنسانية صعبة، بفعل البعد عن الأهل والأبناء منذ ستة أشهر. وبحسب نادي الأسير الفلسطيني واتحاد عمال فلسطين، فإن الاحتلال لاحق المئات منهم ونكل بهم ورحل من استطاع إلقاء القبض عليه إلى غزة، فيما بقي الآلاف عالقين بالضفة الغربية.
وإذا كان سكان قطاع غزة يواجهون حرباً عسكرية، فإن العامل سليم عبد الله (اسم مستعار) يقول إنه يعيش حربين في آن، حرب نفسية تجاه الخوف والقلق الذي يساوره صباح مساء على حياة أطفاله وزوجته، وحرب أخرى تتعلق بالشعور بالوحدة.
وقال عبد الله في أواخر العقد الثالث: "نحن الآن نعيش حربين، حرب نفسية، ننام ثم نستفيق وفكرنا معلقًا هناك مع الأهل في غزة، ناهيك عن الوحدة التي نعانيها لوحدنا لاسيما كلما سمعنا عن أبناء تثير الخوف والقلق على حياة أهلنا هناك.. نحن الآن في أحوج ما نكون إلى جمع الشمل مع العائلة لمؤازرتها ومساندتها في محنة الجوع التي تعيشها في شمال غزة".
ووفق اختصاصيين، فقد يخلف البعد عن الأهل والأقارب في غزة والخوف على مصيرهم، تداعيات نفسية وصحية على العمال الفلسطينيين الذين يقيمون مؤقتاً في الضفة الغربية.
وقال الاختصاصي النفسي عبد الله العراوي، إن العائلات التي تعانين التشتت وبخاصة العمال المقيمون في الضفة، هم من أكثر الفئات التي تعانين من الحزن وأعراض الاكتئاب نتيجة الحرب الدائرة في القطاع".
وأضاف العراوي "عندما ينظر الناس إلى وجوههم بعد ستة أشهر من عمر الحرب سيشعرون بأنهم قد هرموا كثيراً نتيجة تلك المعاناة".
وكشفت الحرب على القطاع أوجه أخرى من أوجه المعاناة الاجتماعية والنفسية والأسرية لعمال غزة المتواجدين في الضفة الغربية، إذ يقولون إن معاناتهم لن تنتهي إلا بجمع شملهم مع أسرهم في القطاع المحاصر.
حرمان العمال من الوصول بسلام إلى أسرهم في قطاع غزة، لا يحرمهم جمع الشمل فقط، وإنما يلقي بظلال سلبية على الواقع الاقتصادي المتردي أصلاً بفعل الحرب. إذ إن فئة كبيرة منهم صادر الاحتلال أمواله أو على الأقل حرمه من الحصول على مستحقاته من مشغليه.
بدوره، أوضح المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن الحرب كبيرة جداً لاسيما على فئة العمال، وقال: "العمل في الداخل المحتل كان يُشكّل رافد مهم من روافد الإيرادات لقطاع غزة في الشهور الأخيرة التي سبقت الحرب وبحرمان العمال من حقهم في العمل، يلقي بنتائج سلبية عليهم وعلى أسرهم" .
ويعاني السوق المحلي في قطاع غزة من ضعف في السيولة بشكلٍ كبير في ظل الحرب، لاسيما في شمال القطاع، جزء من هذا الضعف عائد إلى توقف ضخ أموال الناتجة عن عمل العمال والتجار داخل الخط الأخضر، فقد كان له أهمية كبيرة في تنشيط الحركة التجارية ورفع القدرة الشرائية لدى الناس عمومًا.