منتصف ليلة الثامن والثلاثين للحرب على قطاع غزة، وبينما كان يشتد القصف على أحياء متفرقة من مدينة غزة ويتحصن السكان في الغرف الأقل خطورة عن مواطن الخطر، كانت تكابد السيدة سجى سالم (23 عاماً) آلام المخاض، ولا تجد سبيلاً للانتقال إلى المشفى.
بذلت أسرة سالم جهوداً مضنية من أجل تأمين عملية نقلها إلى المشفى عبر سيارة الإسعاف، لكن دون جدوى فقد اعتذر المسعفون عن القيام بذلك في ظل الانشغال بنقل الشهداء والجرحى نتيجة الغارات الجوية المتتالية حينها، فيما تعذر على طواقم منظمة الصليب الأحمر تسهيل مهمة نقلها السيدة "سجى" إلى أي مركز طبي، وفق إفادة الآسرة.
تقول سجى التي لم تكمل تعليمها الجامعي نتيجة للظروف الاقتصادية المتردية التي يعانيها زوجها، إنها لا تعرف سبباً عن ارتباط اشتداد آلام المخاضر باشتداد عمليات القصف، وتضيف: "كلما كنت أسمع صوت القذائف والصواريخ كان يزداد الألم بشدة، وقد كنت حينها احاول كتم صوتي بما أوتيت من قوة".
غير أنها ومع اشتداد الألم لم تجد الأسرة بداً مع التواصل مع المعارف والأقرباء من أجل الإلمام بالطريقة الصحية التي يمكن اتباعها في مساعدة الأبنة على الولادة. وبالفعل حصلت الأسرة على توصيات قابلة تفيد بضرورة احضار الماء الساخن وتعقيم مقص حديدي لاستخدامه في عملية فصل الحبل السري، وكذلك احضار رابط متين لربط الحبل السري منعاً للنزيف، وقد تولت الجدة الستينية هذه المهمة بمساعدة ابنتها، ونجحت في ذلك بعد نحو ساعة على الأقل.
وقالت الجدة وتدعى "أم محمود" لقد كانت تجربة مثيرة للقلق ومخيفة في نفس الوقت، فقد كان القصف يشتد ونحن مرتبكون ومتخوفون على الأبنة وجنينها، ليس هناك كهرباء، وكنا نعتمد على الكاشف، جميع أفراد الأسرة يقفون خلف الباب وأكفهم مرفوعة إلى السماء وقلوبهم تلهج بالدعاء للابنة وجنينها، و ولولا إنها أجواء حرب لما كنت قد وافقت على خوض هذه المغامرة لأنها مسألة حياة أو موت، كما قالت.
في صبيحة اليوم التالي، انتقلت "سجى" عبر صندوق دراجة نارية من حي الشيخ رضوان حيث تقطن الأسرة، إلى مشفى العودة الواقع إلى الشمال من قطاع غزة، للاطمئنان على صحتها وصحة المولود الذي قرر تسميته بـ"أمير"، وقد استقبلها الطاقم الطبي بابتسامة عريضة حسبما قالت، مقدمين التهنئة للأسرة بسلامة الابنة ومولدوها.
آلاء عبد العزيز (26 عاماً) سيدة أخرى تقطن في حي التفاح غرب مدينة غزة، واجهت معاناة مضاعفة مع الحرب، حيث إنها كانت حامل في الشهر التاسع، وقد ازدادت معاناتها مع آلام المخاض في ظل التهجير القسري نتيجة الاستهداف المتكرر للحي الذي تقطن فيه.
وقالت عبد العزيز إنها في المرات الأولى التي شعرت فيها بألم الولادة تمكنت من الانتقال إلى مركز "الصحابة" الطبي الخاص، الواقع إلى الغرب من المدينة وقد كان حينها يقدم خدمات الولادة. لكن الفريق الطبي كان يخبرها بعد عملية الفحص أنه لم يحن موعد الولادة بعد.
وأضافت أنه وقتما حان موعد الولادة ليلة التاسع والثلاثين للحرب، كان قد توقف المركز الصحي عن تقديم الخدمة بفعل نفاذ الوقود المشغل للمولد الكهربائي الخاص بالمركز، ونفاذ الأدوية، والحال ذاته تكرر مع مشافي المدينة الحكومية والخاصة أيضاً. وهنا كانت المعضلة.
وأشارت السيدة عبد العزيز إلى أنها لم تجد بداً من الانتقال إلى محافظة شمال قطاع غزة التي كانت حينها تعاني قصفا متواصلاً على مدار الوقت، حيث توجهت إلى مشفى "العودة"، وحين وصولها ليلاً إلى هناك عبر مركبة زوجها المتهالكة، اختفت آلام المخاض لعدة ساعات، الأمر الذي اضطرها إلى الولادة القيصرية.
وقالت خلال الطريق إلى المشفى، كنت أصرخ من شدة الطلق، وأنا أحمل في يدي اليمنى راية بيضاء أخرجتها من النافذة تجنباً لاستهدافنا من قبل الطائرات التي كانت تغير بين حين وأخر. كنت متخوفة جداً لأن الطرق وعرة والمركبة تسير بلا أضواء أمامية، حقاً كانت تجربة مرعبة ومليئة بالألم.
وأشار مصدر طبي في مشفى العودة، إلى أن عددا كبيرا من النساء اضررن إلى الولادة القيصرية وفي مواعيد مبكرة، نتيجة تخوف الحوامل وأسرهن من أن يحين موعد المخاض في وقت يصعب عليهن التحرك باتجاه المشفى سواء خلال ساعات الليل، أو بفعل الاستهداف المتكرر للمدنيين.
وواجهات النساء خلال الحرب على قطاع غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر، أشكال متعددة من المعاناة، بدءاً من عمليات القتل أو الإصابة أو النزوح، وتحمل أعباء الأسرة وتوفير احتياجاتها من طعام وغذاء في ظل شح الوقود والدقيق والدواء.
وبلغ عداد الشهداء نتيجة الحرب حتى اعداد هذا التقرير، قرابة 32 ألف شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال، طبقا لتقديرات وزارة الصحة بقطاع غزة. فضلا عن أن الاحتلال استهدف 155 مؤسسة صحية وأخرج 32 مشفى عن الخدمة، إلى جانب 5 مراكز صحية.
وقالت الصحة في بيان لها: "المستشفيات فقدت قدرتها العلاجية والاستيعابية، وقد تعمد الاحتلال خنق المشافي في شمال القطاع من أجل إرغام السكان على النزوح جنوباً".
نساء حوامل