نساء غزة وقيود الاستقلالية في أزمنة الصراع

نساء غزة وقيود الاستقلالية في أزمنة الصراع

النساء الفلسطينيات التي كانت في وقت سابق تنادي بضرورة الفصل بين الأبناء في سن مبكر، اضطررن اليوم للمبيت داخل غرفة واحدة هن وأزواجهن وأبناءهن مهما كان عددهم. وتنعدم الخصوصية داخل الخيام التي انتشرت في مختلف مناطق قطاع غزة على ضوء الحرب الإسرائيلية التي اندلعت في السابع من اكتوبر الماضي وتستمر لأكثر من 169 يوماً ودمرت مئات الآلاف من الوحدات السكنية بين تدمير جزئي وكلي.

ولا يتمتع الأفراد النازحون بأي شكل من أشكال الخصوصية داخل الخيام التي نزحوا إليها تحت وطأة القصف أو هدم المسكن. حتى أولئك الذين اضطروا للنزوح باتجاه مساكن أمنة نسبياً لأقربائهم أو أصهارهم، يعانون الأزمة ذاتها، حيث يعدم التكدس السكاني داخل المساكن أي مساحة شخصية للأفراد لاسيما النساء والمراهقون.

وقالت إخلاص عطية (27 عاماً) إنها اضطرت للنزوح من مخيم الشاطئ في اليوم السادس للحرب باتجاه حي الشيخ رضوان إلى الشمال الغربي لمدينة غزة، بوصفه حينها أكثر أمناً. أقامت إخلاص وأسرتها المكونة من أحد عشر فرداً في مسكن مكونة من ثلاثة طوابق يعود ملكيته لأقربائها من جهة الأب، وهو مسكن يقيم فيه نحو 60 شخصاً أخرين، الأمر الذي جعلها تعاني من انعدام الاستقلالية.

وأشارت إخلاص وهي مدرسة رياض أطفال، إنها بالكاد ظفرت بمساحة نصف متر عرضاً للنوم داخل صالة المسكن وقد كان يشارك أفراد أسرتها أشخاص أخرين من نفس العائلة، وجميعهم يستخدمون المنافع ذاتها بما فيها دورة المياه.

وقالت: "كنت أنتظر أنا وشقيقتي أن يخلد الجميع إلى النوم، حتى ننام.. فنحن من أسرة محافظة ولم يكن مقبولا بالنسبة لنا النوم أمام أشخاص أخرين". وأشارت إلى أن الغارات الجوية لم تكن تسمح للنوم ساعات طويلة، لذلك كانت تقضي أكثر من نصف ساعات الليل جالسة القرفصاء في انتظار بزوغ الفجر، كما قالت.

وأبدت الشابة استياء كبيرا على ضوء حرمانها من الحياة الاعتيادية كأي أنثى ترغب في الحصول على قسط من الراحة أو النوم في ساعات النهار، وخلع غطاء الرأس عند النوم، أو حتى ممارسة حقها في الاستحمام بالماء الساخن وبخاصة في فصل الشتاء، حيث إن انقطاع مياه الشرب حرم السكان من التمتع بالحق في استخدام المياه.

ويحظر القانون الدولي الإنساني الأعمال الانتقامية بما فيها الأشياء التي لا غنى عنها لاستمرار حياة السكان المدنيين، يدخل في هذا الإطار الحصول على الماء، كما يفرض القانون الدولي الإنساني قواعد الحماية العامة على الأطراف المتنازعة، إذ يتمتع جميع السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، بالحماية من القتل أو نقلهم وترحيلهم إلى خارج المناطق المحتلة.

وقوضت الحرب حرية النساء اللواتي  اضطررن للنزوح رفقة عائلتهم وأقمن في مراكز لجوء، بشكل أكبر من أولئك اللواتي أقمن داخل مساكن أقربائهن، بل أن المسألة تعدت أكثر من ذلك، حيث إن العديد منهن حرمن من اقتناء حقائبهن والتي كانت تحتوي على الفوط الصحية، لاسيما أولئك اللواتي طالبهن جيش الاحتلال بالنزوح قسراً تحت وطأة التهديد بالسلاح من مراكز اللجوء داخل مدينة غزة، وأجبرهن على التوجه إلى جنوب القطاع. 

الظرف القاهر الذي عاشته السيدة الثلاثينية سامية عبد ربه وهي من سكان محافظة شمال قطاع غزة، ألقى بظلال سلبية قاهرة عليها. وقالت إنها بعد رحلة تشرد من مأوى إلى آخر، أصبحت تشعر بالكثير من السوء والتحدي النفسي.

تشير عبد ربه وهي أم لأربعة أطفال، إلى أن انعدام الاستقلالية أثر سلباً على صحتها النفسية، لاسيما أنه لم يكن لديها القدرة على ممارسة حياتها الطبيعية سواء كان ذلك متعلقًا بالحرمان من استخدام الفوط الصحية بعد إجبارها على ترك حقيبتها والتوجه إلى جنوب القطاع مشياً على الأقدام. وأبدت امتعاضا شديدا من عدم قدرتها على شرح تفاصيل معاناتها خلال النزوح، ناهيك عن حرمانها من استخدام مستحضرات العناية بالبشرة التي أصيبت بالجفاف أو الاهتمام بالمظهر الخارجي أو الحفاظ على شعرها الذي يشهد تساقط كثيف بفعل الخوف والفزع الذي عايشته.

وقالت عبد ربه، هذه الأشياء ربما تعتبر ترفاً خصوصا في ظل حالة الحرب، أو محط انتقاد كبير في عين المجتمع الذي يفرض قيودا كبيرة على النساء.

وانتقدت السيدة النظرة المجتمعية التي تفرض تميزا بين الرجل والمرأة حتى في ظل الحرب، حيث إنه يعتبر من حق الرجل أن يحافظ على مظهره عبر قص وتصفيف الشعر وتهذيب اللحى أو حلقها، فيما تستحي فئة كبيرة من النساء من الولوج إلى الأسواق الشعبية التي انتشرت في الأحياء بفعل الحرب، لشراء مساحيق ترطيب الشعر أو العطور أو حتى مساحيق وأدوات إزالة الشعر، لأن ذلك سيجعلها مثار انتقاد. 

ونبهت إلى أن المجتمع يمارس أيضا انتقادا لاذعاً للنساء إذا ما ارتدين ملابس ذات ألوان فاتحة، وقالت: "النساء اللواتي نزحن في الأيام الأولى للحرب خرجن بملابس صيفية خفيفة ذات ألوان مختلفة، ظنا منهن أن الحرب لن تدوم لأشهر، على عكس ما حصل، وهذا ما عرض بعضهن إلى انتقاد وهن يصطففن في طابور للحصول على مياه أو خبز بلباسٍ ملونٍ، وكأنه فرض على النساء أن يرتدين اللون الأسود ومشتقاته فقط".

انعدام الاستقلالية الذي واجهته النساء، واجهه أيضاً المراهقون من الذكور. حيث قال الشاب عوني أبو مصطفى (17 عاماً) من سكان محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، إنه اعتاد كل صباح أن يقوم بتصفيف شعره باستخدام مسحوق لامع، وهذا جعله يتعرض لانتقادات من الوسط المحيط، لاسيما أنه كان يقيم داخل مركز لجوء يقطنه عشرات الآلاف غرب المحافظة.

وأضاف أبو مصطفى وهو طالب في المرحلة الثانوية وقد حرم هو وعشرات الآلاف من الطلبة من ممارسة حقهم في التعليم نتيجة الحرب، أنه كان يتعرض للانتقاد من قبل أقارب من الدرجة الأولى، والذين كانوا ينظرون إلى الاستحمام وتصفيف الشعر على أنه ترف لا حاجة له في ظل الحرب، حسبما قال.

وعبّر عن استيائه من النظرة المجتمعية التي تحرم الأشخاص استقلاليتهم حتى في ظل الحرب، وقال: "لا أحد منا يملك أمنه أو توقيت موته، وفي الوقت الذي كان يفضل فيه الناس أن يقضوا أيامهم الأخيرة بلا استحمام أو بهيئة مغبرة، أنا كنت أفضل أن أموت بوجه ناظر وهيئة أنيقة".