مساكن للأشباح .. شقاء العمر صار حصى 

 مساكن للأشباح .. شقاء العمر صار حصى 

أجبرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المسن الفلسطيني منصور عيد (70 عاماً)، على إخلاء مسكنه الواقع في حي الصفطاوي شمال قطاع غزة، ولجأ إلى بيت أقرباءه للاحتماء من عمليات القصف الجوي والبري.  
عندما أعلن اتفاق التهدئة في الرابع والعشرين من نوفمبر بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بوساطة (قطرية- مصرية) رعتها واشنطن، سارع المسن عيد كما المئات من النازحين الفلسطينيين داخل مراكز اللجوء في مدينة غزة وشمال القطاع، لتفقد مساكنه، فوجده كتلة من الركام.  
لم يحتمل المسن مشهد الدمار الذي حل بمسكنه، حتى فارق الحياة من الفور. وقال نجله الوحيد عماد (42 عاماً) إن أبيه أصيب بجلطة قلبية بمجرد أن رأى شقاء عمره تناثر هباء، أمام عينيه.
المسن عيد لاجئ فلسطيني عمل لأكثر من أربعة عقود موظفاً في منظمة (الأونروا) بمدينة غزة، واستثمر مدخراته في بناء بيت مستقلٍ، كانت تزدان شرفاته وسطحه بالأشتال الخضراء والورود. لكنه أصبح أثراً بعد عين، كما يقول نجله عماد. 
وتشكل عمليات تدمير المساكن من خلال القصف الجوي، أزمة بالنسبة للسكان المدنيين في قطاع غزة، على اعتبار أنه ليس هناك ضمانات لإعادة إعمار ما خلفته الحرب، لاسيما مع ضخامة جحم الأضرار الناجمة عنها.
وهدم الجيش الاسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، حتى الرابع والعشرين من نوفمبر، نحو 300 ألف وحدة سكنية، بينها أكثر من 50 ألف وحدة هدمت بشكل كلي، إضافة إلى 250 ألف وحدة تعرضت للهدم الجزئي، طبقاً لإحصاءات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع.


وتشيع بين سكان قطاع غزة مقولة "المال يساوي الروح"، في إشارة إلى أن الخسائر المادية لا تقل أهمية عن الخسائر في الأرواح. وذكرت السيدة نجوى أبو ريالة (38 عاماً) هذه المقولة مراراً وهي تروي مأساتها مع فقدان مسكنها الواقع في حي المخابرات شمال غرب مدينة غزة.
وقالت أبو ريالة والحزن بادياً عليها "لقد سحقت الصواريخ مسكننا وسوته بالأرض، وأصبحنا مشردين، ننام في مدارس الإيواء، دون غطاء أو ملبس يقي أطفالي السبعة برد الشتاء"، مبينةً أنها لم تظفر بشيء من مقتنيات بيتها بما في ذلك ألبوم الصور، وقد سحقت جميعها.
وعبرت السيدة عن مخاوفها من استمرار الحرب، وأن تتجاهل صفقات وقف إطلاق النار التي يجري التباحث حولها، حق المتضررين في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال، لأنها ستصبح هي وعائلتها ومئات الآلاف أيضا من السكان بلا مأوى.
المواطن محمد أبو سعادة (55 عاماً) كان أوفر حظاً ما سابقيه، حيث تمكن بعد وقف إطلاق النار المؤقت من جلب بعضٍ من مقتنيات مسكنه الذي لم يعد صالحاً للسكن بفعل عمليات القصف التي طالت أجزاء كبيرة منه. وقال أبو سعادة من سكان بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وهو يشير بإصبعه إلى أغطية وفرشات مكومة فوق عربة يجرها حمار، "هذا كل ما استطعنا استخراجه من المبنى الذي تعرض للتدمير".
وتساءل الرجل صاحب الشعر الأبيض "ما قيمة أن تكد وتعمل لسنوات طويلة من أجل بناء مسكن، ثم بعد ذلك تصبح على ناصية الطريق بلا مأوى بفعل القصف الوحشي الذي دمر معظم مساكن البلدة؟"، مشيراً إلى أن فقدان المسكن يشكل بالنسبة له ولأفراد أسرته المكونة من خمسة عشر فرداً، مأساة حقيقة خصوصاً أن لديه أبن متزوج ولديه أطفال أيضاً، وجميعهم يقيمون الآن في مدارس لجوء بحي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، وينتظرهم مصير مجهول.


ووفقاً لمنظمات حقوق الإنسان فإن إسرائيل تجاوزت التزاماتها تجاه القانون الدولي الإنساني من خلال تدمير المساكن في قطاع غزة، وترحيل السكان المدنيين الذين يُفترض أن توفر لهم الحماية. كما ويشكل ذلك مخالفة جسيمة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.  
فضلاً عن ذلك يشكل الحرمان من المسكن اللائق، انتهاكاً للقانون الدوليـ والذي يقصد في المسكن اللائق ضمان الحيازة، بمنأى عن الخوف من الإخلاء، أو الحرمان من المنزل أو الأرض، طبقا لمنظمة الأمم المتحدة.