هكذا فشلت الأونروا في مواجهة موت الأطفال  

هكذا فشلت الأونروا في مواجهة موت الأطفال  

قضى الجوع على الرضيعة سلام أبو وادي من سكان شمال قطاع غزة. رحلت سلام سبعة أشهر من عمرها، بينما تحاول أمها كتم أنينها، لكن جسدها النحيل كان شاهداً على معركة خسرتها أمام الجوع.

حاولت الفرق الطبية إنقاذها بإعطائها محلولاً مغذياً، لكنها فارقت الحياة بعد ساعات. تقول الأم التي قابلناها بعد أسبوع، وهي تمسح دموعها: "لم يكن لديها ما تأكله سوى الماء... حتى الحليب اختفى من السوق".

يملأ قلب الأم الحسرة على طفلتها، وتقول: "لو كان هناك رعاية صحية حقيقية أو غذاء مناسب، لما كنا وصلنا إلى هذه النتيجة، لقد فقدت طفلتي، الأمهات وحدهن اللواتي يعرفن ماذا يعني أن تفجع أم بطفلتها بهذه الطريقة".

وقبل ساعات من وفاتها، وجه والد الرضيعة أبو وادي مناشدة عاجلة لإنقاذ حياتها والسماح لها بالسفر لتلقي العلاج جراء مضاعفات بسبب سوء التغذية وعدم توفر العلاج داخل القطاع.

سلام ليست الوحيدة. فهناك آلاف مثلها، أطفال تحولوا إلى هياكل عظمية بفعل الحصار الإسرائيلي المتزامن مع الحرب التي دخلت شهرها 21، فيما تعجز المنظمات الصحية بما فيها الوكالة الأممية "الأونروا" عن مواجهة الكارثة.

قادنا البحث عن واقع الأطفال الذين يأنون إما داخل الخيام، أو المراكز الطبية المفتقدة للخدمة، تحت وطأة الحصار ونقص الموارد واحتكار السلع، بما فيها الدقيق وحليب الأطفال وحتى الحفاظات، لتحليل المعطيات الرقيمة التي رصدت خلال الكارثة.   

تكشف الأرقام أنّ 5,500 طفل يعانون من سوء تغذية حادّ في قطاع غزة، وفقاً لبيان صادر عن الأونروا.

يُقيم هؤلاء الأطفال وأسرهم قسراً في ثلاث محافظات (خانيونس- الوسطى- غزة) بعد رحلات نزوح ثقيلة ومستمرة خالية من المونة وتفيض بالهزل، تضاعفت معها حالات سوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة بين مارس ويونيو 2024، مع تسجيل 5,500 حالة سوء تغذية حاد شامل، بينها 800 حالة "وخيمة" تهدد الحياة مباشرة.

 ورغم أن الأونروا عالجت 3,500 طفل هذا العام، إلا أن الإمكانات الطبية المنهكة تحول دون إنقاذ الجميع.

"الأطفال يموتون أمام أعيننا، لأننا لا نملك الإمدادات الطبية أو الغذاء المستدام لعلاجهم"، يقول الدكتور أحمد (*)، أحد العاملين في عيادة الأونروا المتنقلة في دير البلح. ويضيف في حديث لمراسلتنا: "نعطي الطفل المصاب بسوء التغذية الحاد محلولاً سكرياً أو حليباً علاجياً إذا توفر، لكن الكثيرين يموتون لأنهم يحتاجون إلى رعاية مكثفة لا نستطيع تقديمها".

تروي سيدة نازحة من شمال قطاع غزة، تدعى أم محمد (3 سنوات) كيف تحول طفلها من طفل نشيط إلى جسد هزيل: "كان يبكي من الجوع، لكننا لم نجد حتى الخبز، وعندما أصيب بالإسهال الحاد، قالوا إنه يحتاج إلى مضاد حيوي، لكن الصيدليات كانت خاوية". بعد أسبوع من المعاناة، مات محمد متأثراً بسوء التغذية والجفاف".

بالانتقال جنوبا إلى محافظة خانيونس فلم يكن الأمر أفضل حالاً، حيث لم تتمكن الرضيعة ياسمين (8 أشهر) من الحصول على دواء مضاد للطفيليات بعد إصابتها بعدوى طفيلية بسبب شرب مياه ملوثة. تقول والدتها: "بحثنا في كل الصيدليات والمراكز الطبية بما فيها الأونروا، لكن مخزون العلاج المخزون قد نفد". توفيت ياسمين بعد ثلاثة أيام من القيء والإسهال المتواصل.

هذه القصص ليست سوى غيض من فيض. فوفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة، توفي أكثر من 54 طفلاً بسبب سوء التغذية منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 203، بينما تحذر منظمات دولية من أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى، نظراً لانهيار النظام الصحي.

حاولنا الإضاءة أكثر على عمل وكالة غوث وتشغل اللاجئين الفلسطينيين، بوصفها المنظمة الأممية الوحيدة التي يمكنها تقديم خدمات صحية لأطفال غزة في ظل خروج العديد من المشافي الحكومية عن الخدمة. غير أننا وجدنا أنها لم تسلم من الحصار.

تقول الوكالة الأممية، التي تقدم 15 ألف استشارة طبية يومياً، أنها تواجه شحاً غير مسبوق. فـ 57% من الإمدادات الطبية الأساسية نفدت، بما في ذلك:

 

 

كما أن 6 مراكز صحية فقط و22 نقطة طبية تابعة للأونروا ما زالت تعمل من أصل 188 منشأة كانت موجودة قبل الحرب. أما البقية، فهي إما مدمرة أو تقع في مناطق عسكرية مغلقة.

"نعمل بأدوات بدائية، وأحياناً نضطر لاستخدام الضوء من الهواتف لإجراء الفحوصات"، تقول ممرضة في عيادة متنقلة تخدم النازحين في خان يونس.

الأزمة لا تقتصر على الغذاء والدواء، بل تمتد إلى المياه. فمن بين 10 آبار كانت تعمل قبل الحرب، لم يتبق سوى بئرين فقط، بينما تعمل 41 بئراً صغيراً داخل الملاجئ، تقول الأونروا. فيما توقف توزيع المياه في شمال غزة بسبب أوامر التهجير الإسرائيلية، مما أثر على 25 ألف نازح.

"المياه التي نحصل عليها ملوثة، لكننا نشربها لأننا لا نملك خياراً"، يقول أبو خليل رجل في الخمسين من عمره نازح في رفح. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن 60% من أمراض الأطفال في غزة مرتبطة بالمياه الملوثة.

لماذا فشلت الأونروا.. بين الحصار الدولي والقيود الإسرائيلية؟.

رغم جهود الأونروا، فإن العوائق التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلية تحول دون وصول المساعدات. فمنع دخول الوقود والأدوية والغذاء منذ مارس الماضي، يجعل عمل الوكالة "مهمة مستحيلة"، كما يقول مدير أحد مراكزها، الذي فضل عدم ذكر اسمه.

لكن بعض المواطنين يتهمون الأونروا بـ"البيروقراطية والتقصير"، يقول عمر سالم (33عاماً) "بعض الشحنات التي وصلت إلى مراكزها إما تعرضت للسرقة نتيجة سوء إدارة، أو تتلف بسبب التخزين غير المناسب". بينما يقول مدير أحد مراكز الوكالة إن "الحصار هو السبب الرئيسي، وليس نقص الكفاءة، فنحن نعمل في غزة منذ أكثر من 76 عاماً ولم ندخر جهدا أو شيئا عن السكان".

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كم طفلاً آخر يجب أن يموت قبل أن يتحرك العالم؟

 

موضوعات ذات صلة:

"الأونروا": سكان قطاع غزة لا يجدون طعامًا لعائلاتهم

الجوع ينهش قطاع غزة … الأمم المتحدة غائبة عن المشهد

أطفال حرموا الغذاء: لا طاقة على اللعب

مع نفاد الحليب: 110 طفل يزور المشفى يومياً

غزة: الناجون من الحرب قد يقتلهم الجوع