العنف ضدّ النساء يتصاعد وسط الجوع والنزوح

العنف ضدّ النساء يتصاعد وسط الجوع والنزوح

لم يكن أمام السيدة أماني عبد الواحد (*) من خيار بعدما وقع الطلاق بينها وزوجها داخل خيمة النزوح غرب مدينة غزة منتصف ليلة الخامس عشر من يوليو الحالي، إلا اللجوء إلى خيمة جارتها طلباً للمبيت، حتى طلوع الشمس.

أماني هي أم لثلاثة أطفال، فقدت والديها خلال الحرب ولم تزل جثتيهما تحت الأنقاض في شمال قطاع غزة، ومع وقوع الطلاق باتت بلا مأوى. تدرك السيدة أن الواقع المعيشي صعب للغاية ويتعذر على الأفراد توفير غذائهم اليومي، والبعض لا يحظى برغيف خبز، ولذلك لم ترغب في اللجوء إلى خيمة شقيقها من أجل ايواءها، كي لا تجد نفسها ضيفا غير مرحب به. بعد مرور 24 ساعة، لم تجد بداً إلا الرضوخ للأمر الواقع فعادت إلى جحيم العنف داخل الخيمة.

واقع، يدفع النساء في قطاع غزة للسقوط في بئر الحيرة والاستغلال، فإما الرضوخ لعنف الأزواج، أو الرفض ومواجهة تحديات أخرى أكثر إيلاماً كفقدان المساحات الأمنة ومصادر الدخل والإيواء.

وسط الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة في غزة، تظهر أزمة أخرى خفية لكنها عميقة: تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تواجه النساء والفتيات مخاطر متزايدة من الاعتداءات الجنسية، والاستغلال، والزواج القسري، وسط انهيار شبه كامل لأنظمة الحماية والرعاية الصحية.

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 714 ألف شخص – أي نحو ثلث سكان القطاع – نزحوا مجددًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مما زاد من تفاقم الأوضاع الإنسانية وزاد من حدة التوترات داخل الأسر التي تعيش في ظروف قاسية.

في إحدى المساحات الآمنة للنساء في النصيرات-وسط قطاع غزة-، تعمل السيدة تهاني عبد الله وهي مختصة نفسية، على تقديم الدعم للناجيات من العنف. قالت لـمراسلة (آخر قصة): "الوضع كارثي. نستقبل يوميًا حالات لنساء تعرضن لاعتداءات جسدية ونفسية، لكننا نعمل بموارد شبه معدومة".

وتضيف تهاني التي غير الجوع ملامح وجهها مثلما فعل بمئات الآلاف من النساء: "الوقود شحيح، والاتصالات متقطعة وفقدنا خط الاتصال الساخن، وكثير من الناجيات لا يستطعن الوصول إلينا، فنضطر إلى تقديم الدعم عبر الهاتف عندما يكون متاحًا".

وتشير بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) إلى أن 14 مساحة آمنة فقط ما زالت تعمل في غزة، بينما أُغلقت ثلاث أخرى بسبب القصف ونقص الإمدادات.

منيرة بشير (45 عامًا)، إحدى النازحات التي لجأت إلى أحد الملاجئ المؤقتة، تصف الوضع بأنه "جحيم". تقول: "نعيش دون ماء نظيف، أو صرف صحي، أو خصوصية.. الخوف من القصف لا يتركنا، والبحث عن الطعام أصبح معركة يومية".

وتضيف منيرة: "رأيت نساءً يضطررن إلى النوم في العراء، دون أي حماية، البعض يتعرضن للمضايقات والاعتداءات خصوصا خلال البحث عن المساعدات، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث خوفًا من الفضيحة أو الانتقام".

في مخيم البريج للاجئين، تعمل الأخصائية النفسية أمل علي في مركز لدعم الناجيات من العنف. تقول: "النزوح دمّر شبكات الحماية الاجتماعية، العائلات تشتت، والنساء أصبحن أكثر عرضة للاستغلال، خاصة في نقاط توزيع المساعدات حيث الازدحام والفوضى".

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، تلجأ بعض الأسر إلى عمالة الأطفال أو الزواج القسري كوسيلة للبقاء. تقول سلمى (*) وهي موظفة في إحدى مؤسسات المجتمع المدني، وتعمل كمديرة حالة في خان يونس جنوب القطاع: "سمعتُ عن عائلات تزوجت بناتها المراهقات مقابل الطعام أو المال. البعض يعتبر ذلك حلًا، لكنه في الحقيقة كارثة أخرى غير مرئية".

وتشير تقارير محلية إلى أن ما لا يقل عن 30% من الأسر في بعض مناطق غزة اضطرت إلى اتخاذ إجراءات يائسة، مثل إخراج الأطفال من المدارس (التعليم الإلكتروني) أو تزويج الفتيات مبكرًا.

مع تدهور النظام الصحي، أصبحت الناجيات من العنف الجنسي يواجهن صعوبات جمة في الحصول على الرعاية الطبية أو النفسية. المرشدة النفسية أسماء المصري التي تقدم خدمات الدعم النفسي للنازحات في شمال غزة، قالت: "حتى الإبلاغ عن الاعتداءات أصبح مستحيلًا، المحاكم لا تعمل، وجهاز الشرطة متعطل، الضحايا يشعرن بأن لا أحد يحميهن".

وتضيف المصري : "الأخطر هو وضع النساء ذوات الإعاقة، اللواتي أصبحن أكثر عزلة، الكثيرات منهن لا يستطعن الوصول إلى المراكز الصحية أو مراكز الدعم".

بالزامن مع ذلك، حذرت الأمم المتحدة من أن 80% من المرافق الصحية في غزة قد تتوقف قريبًا بسبب نفاد الوقود، مما سيزيد من معاناة الناجيات. كما أن الإمدادات الطبية الخاصة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل مجموعات النظافة الصحية للنساء، نفدت تقريبًا.

تقول تهاني عبد الله: "نحاول الصمود، لكننا نعمل في ظروف مستحيلة، كل يوم يأتي بحالات جديدة، ومواردنا تنفد، العالم يتحدث عن وقف إطلاق النار، لكن من يتحدث عن النساء اللواتي يعانين في صمت؟".

في الوقت الذي تستمر فيه الحرب على قطاع غزة، يطالب العاملون في المجال الإنساني بفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات العاجلة، وتعزيز آليات الحماية للنساء والأطفال.

وتختتم الأخصائية النفسية أمل علي حديثها بالقول: "نحتاج إلى أكثر من الطعام والدواء.. نحتاج إلى أن يعرف العالم أن الحرب لا تقتل فقط بالقنابل، بل أيضًا بالصمت والإهمال".

 

(*) أسماء مستعارة

 

موضوعات ذات صلّة:

زواج القاصرات: ضحايا جدد تحت ظلال الحرب

خمسة حلول لنجاة النساء من العنف تحت الحرب

مع غياب القانون: الأرامل يخضن حرب الوصاية على الأيتام

عدالة مفقودة: قضايا معلقة بين حطام المحاكم

عنف تحت غطاء الحرب: أوجه صراعات سكان غزة

غزة: تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي في خضم الحرب