مثلّت التحولات الجذرية التي طرأت على عاداتنا الاجتماعية تحدّيًا أمام الكثير من السلوكيات في ظلّ التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. لا سيما التزاور وعيادة المرضى والعادات المرتبطة بالقيام بهم بما يتناسب مع واقع الحياة اليوم.
في الماضي، كانت الزيارات المفاجئة أمرًا عاديًا ومقبولًا في مجتمعنا الفلسطيني؛ نظرًا لعدم وجود وسائل اتصال فورية مثل الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية. ولكن في الوقت الحاضر، شهدنا تغيرًا في توقعاتنا وتصوراتنا للخصوصية والتواصل الشخصي. وأصبحت الزيارات المفاجئة غير مألوفة ومستهجنة؛ بسبب تغير نمط الحياة وتوفر وسائل الاتصال التي تسهل التواصل والتنسيق المسبق.
يقول المختص الاجتماعي والنفسي عرفات حلس، إنّ الإنسان كمخلوق اجتماعي، يتطلع دائمًا للتواصل وبناء العلاقات الاجتماعية، سواء في المجتمع الذي يعيش فيه أو خارجه. ومن هنا، يأتي دور الزيارة كجزء أساسي من هذه العلاقات الاجتماعية. فالناس يحبون زيارة بعضهم البعض في المناسبات وغير المناسبات لتوطيد العلاقات والتواصل الاجتماعي.
وعندما نتحدث عن الزيارة في الماضي، فلم تكن تخضع لقواعد وأدبيات مُحددة. يوضح حلس، "كان من غير الضروري أن يُطلب الاستئذان أو يتم التبليغ قبل الزيارة، لأنَّ الحياة الاجتماعية كانت أكثر بساطة، وكان عدد الناس في المجتمع أقل، ولم تكن هناك العبء الاجتماعي الكبير الذي نواجهه اليوم".
ويُشير إلى أن الناس قديمًا كانوا يمضون وقتًا أطول في الفراغ، وكان بإمكان كبار السن الجلوس في الديوان وتبادل الزيارات لتعزيز الروابط الاجتماعية واستكشاف متطلبات الحياة المحدودة. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك وسائل اتصال متقدمة مثل الهواتف والشبكات الاجتماعية عبر الانترنت.
ومع تطور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف المحمولة، تغيرت تلك العادات والتقاليد. أصبح بإمكاننا التواصل الفوري والتنسيق المسبق مع الآخرين قبل زيارتهم، سواء عبر الرسائل النصية أو التطبيقات الاجتماعية. هذا الاتصال المسبق يسمح للأشخاص بتخصيص الوقت والتأكد من ملاءمة الزيارة للطرفين.
ومع ذلك، قد يجد البعض نفسهم في مواقف تستدعي زيارة المريض دون استئذان، ونتيجة لذلك، قد تنشأ بعض التأثيرات السلبية. يقول حلس، "يشعر المريض بالارتباك أو الإزعاج بسبب الزيارة المفاجئة، خاصة إذا كان في حالة صحية حرجة أو بحاجة إلى الراحة والهدوء". أيضًا تتسبب الضغط الاجتماعي والاحتمالات غير المتوقعة للمريض بالتوتر الناتج عن الزيارة المفاجئة التي قد تأتي في وقت غير ملائم.
لذلك، ينصح حلس بضرورة الاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا كبيرًا في تغيير شكل حياتنا اليومية، ومن الأهمية بمكان أن نتعلم كيفية استخدامها بحكمة واحترام لخصوصية الآخرين.
ويشير إلى أهمية أن نولي اهتمامًا لقواعد الأدب الاجتماعي والتواصل الراقي، حتى وإن كانت الزيارة الشخصية المفاجئة لا تزال ممكنة في بعض الحالات. لكن يُفضل أن نستأذن قبل الزيارة ونتخير وقتًا مناسبًا للطرفين وألا نطيل مدة الزيارة؛ لئلا أن نشكل عبئًا على الآخر.
من المهم أن يكون لدينا وعي حقيقي بتغير مجريات الحياة، وأن نتمتع برفعة الذوق في احترام وتقدير القيم الاجتماعية، وليس شرطًا أن تنحصر هذه السلوكيات في الأشخاص المتعلمين وحملة الشهادات، وفقًا لحلس، بل على العكس على الجميع أن يتمتع باللباقة والقناعة في تقدير خصوصية ومشاعر الآخرين.
ونبّه حلس إلى أن الاستئذان يأتي على شكل الاتصال والتأكد من موافقة الآخر على موعد الزيارة، وقال، "اذا اعتذر الشخص عن الزيارة فيفضل ألا يُفهم خطأ وعلينا أن نقدم له العذر، لأن ظروف الناس تبقى في طيّ الكتمان سواء كانت مادية، اجتماعية أو أسرية".
في النهاية، يجب أن نتذكر أن التواصل الشخصي والزيارات الحقيقية تحمل قيمة كبيرة في بناء العلاقات الاجتماعية والتواصل الإنساني. على الرغم من التحولات التكنولوجية، يجب أن نجد الوقت لزيارة الأحباء والأصدقاء وتقديم الدعم المعنوي في الأوقات الصعبة، وذلك بمراعاة حقوقهم وأن نكون حساسين لاحتياجاتهم وتفضيلاتهم.
زيارة المريض