أصيب هاتف مي عامر (19 عامًا) بعطلٍ فني، فذهبت لإصلاحه لدى متجر متخصص في بيع وصيانة الهواتف المحمولة في مدينة غزة، لكنها لم تلتفت إلى سحب الذاكرة الخارجية منه والتي تتضمن الصور والملفات المحفوظة.
ولم تتخيل الفتاة للحظة أنها بعد أيام من استلام هاتفها وهو بحالٍ جيد، ستتعرض لابتزاز حيث أصبحت ترد إليها صورها الشخصية عبر رسائل واتساب من رقم مجهول، اكتشفت فيما بعد أن المرسل هو صاحب متجر الصيانة الذي طلب منها التقرب منه بدعوى الصداقة.
هذه الحادثة هي واحدة من عشرات الحوادث التي تتكرر في الأراضي الفلسطينية، ففي دراسة معنونة بـ "شبكة منتهكة: العنف الجندري ضدّ الفلسطينيات في الفضاء الرقمي"، أجريت عام 2022، وشملت عينة البحث فيها (1000) مواطنة فلسطينية من أراضي 48، القدس الشرقي، الضفة الغربية، وقطاع غزة، تبين أنّ 16% من المستطلعات تعرضن لمحاولة ابتزاز على منصات التواصل الاجتماعي.
وتوزعت نسب تعرض المشاركات في الدراسة للابتزاز الإلكتروني، على مختلف المناطق الفلسطينية، أبرزها كان من مناطق الـ 48 فجاء بنسبة (26.4%)، وفي المرتبة الثانية كانت المشاركات من قطاع غزة بنسبة (18%)، فيما تعرضت المشاركات من القدس الشرقية بنسبة (8%) لهذه الحوادث، وكانت النسبة الأقل في الضفة الغربية وهي (1.9%).
يُعرّف العنف الجندري بأنه الأفعال الضارَّة المُرتكبة ضدّ الأفراد على أساس جنسهم، ووفقًا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة فإنّ النساء أكثر عرضة للمضايقات عبر الانترنت بمقدار (27) مرة من الرجال، فضلاً عن تعرّض نحو 73% من النساء حول العالم للعنف الالكتروني.
وبحسب باحثون رقميون فإنّ خطورة العنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي تنبثق عن عدّة أمور، أبرزها سهولة الاحتيال والتخفي خلف حسابات مزيفة ومن وراء الشاشة. إضافة إلى إمكانية وصوله إلى كل فرد في ظلّ توافر الأجهزة الذكية لدى معظم أفراد وشرائح المجتمع.
ومما يزيد من خطورة العنف الرقمي، قلّة أو التأخر في الإبلاغ عن العنف الرقمي تبعًا لثقافة المجتمع السائدة أو عدم الثقة في الشرطة والمنظومة القضائية. وهو ما حدث مع مي التي لم تخبر أحد بالحادثة وقامت بحذف حسابها "الواتساب" لفترة طويلة حتى تأكدت مع عدم تواصل الشخص معها مرة أخرى.
غير أن، الكثير من النساء أو الرجال الذين تعرضوا إلى واحدٍ من أنواع العنف الالكتروني، قاموا بتقديم شكاوى إلى وحدة الجرائم الالكترونية في الشرطة الفلسطينية التي تلقت في العام 2020 (2070 شكوى)، وقد بلغت نسبة شكاوى الذكور (51%) أما شكاوى النساء شكّلت ما نسبته (42%)، فيما تقدمت شكاوى مشتركة بما نسبته (7%).
غيداء أحمد (30 عامًا) هي واحدة من أولئك الذين تقدموا بشكاوى إلى الشرطة بعد حادثة تهديد تعرضت لها. في التفاصيل تقول أحمد، "كنت مخطوبة لشاب ولم أجده ملائمًا لي وبعد تكرار المشاجرات بيننا، قررت وأهلي فسخ الخطبة وهنا قام بتهديدي بنشر صوري الخاصة وصور خطوبتنا على الانترنت، فتقدمنا فورًا بالشكوى".
ويعد التهديد أحد أبرز أساليب العنف الالكتروني الجندري، إذ بلغ عدد شكاوى التهديد وحده (599 شكوى)، فيما وصل للشرطة الفلسطينية (475) شكوى قرصنة في العام 2020، أما الابتزاز الالكتروني فقد بلغ عدد شكواه (414) شكوى، كما وصلت شكاوى أخرى حول إفساد الرابطة الزوجية وبلغت (57) شكوى.
أما في قطاع غزة وحده، فقد أظهر تحقيق استقصائي عملت عليه منصة "آخر قصّة"، استلام الشرطة النسائية بغزة خلال عام 2022، (490) شكوى ابتزاز إلكتروني، فيما أشارت مدير الشرطة النسائية ناريمين عدوان إلى أنّ معدّل الابتزاز الالكتروني زاد بنسبة 200% خلال العام الماضي 2022، عن العام الذي سبقه.
وقد تؤدي أفعال العنف الرقمي إلى تشويه السمعة على سبيل المثال، وبحسب السياق الاجتماعي والثقافي، من الممكن أن تتسبب بأذى جسدي قد يصل حدّ القتل، أو أذى جنسي يصل حدّ الاغتصاب، في حيّن لا يخلوا الكثير منهم من الأذى النفسي أو الاقتصادي في معظم الأحيان.
احدى أولئك اللواتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني كانت شروق حامد (25 عامًا) التي استمرت في مفاوضاتٍ طويلة لنحو عامين مع شابٍ جمعتها به "علاقة حب" تبادلا على إثرها صور شخصية خادشة للحياء، وبعد مرور أشهر من علاقة وصفتها بـ "الفاشلة"، ومنذ أن أصبحت تعمل وتجني المال، بقي الشاب يبتزها بنشر صورها مقابل أن تدفع له مبلغًا من حينٍ لآخر.
يسمى الابتزاز الالكتروني الذي تعرضت له حامد بابتزازٍ مالي فيما تصنف أنواع الابتزاز الالكتروني ما بين ابتزاز جنسي، أو مالي، أو على خلفية سياسية. وتوزعت نسب المواطنات الفلسطينيات المشاركات في دراسة (شبكة منتهكة) اللواتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني على النحو التالي: (35.7%) ابتزاز جنسي، (27.9%) ابتزاز على خلفية سياسية، (18.8%) ابتزاز مالي، (17.5%) أخرى.
وعلى الرغم من المساحة التي أتاحتها التكنولوجيا الرقمية ورواج وسائل التواصل الاجتماعي للمرأة والمجموعات المهمشة في التعبير عن آرائهن، إلا أنها فتحت المجال أيضًا لارتكاب وممارسة أعمال عنف ضدّ النساء، باتت تُعرف على أنها جريمة إلكترونية.
وعلى الرغم من اعتماد السلطة الوطنية الفلسطينية على القرار المرسوم بقانون رقم (10) بشأن الجرائم الإلكترونية عام 2018؛ إلا أن حقوقيون يرون أن هذا القانون ليس له منظور جنساني، ويعتقد نشطاء حقوق الإنسان أن هذا القانون يقيد الحق في حرية التعبير والخصوصية ولا يضمن حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.
بناءً على التشتت القانوني الحاصل وارتفاع نسب العنف الجندري الرقمي في الأراضي الفلسطيني، يتعين على الحكومات والجهات المعنية تعزيز القوانين واللوائح المتعلقة بالعنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي، وتوفير الدعم والحماية للضحايا، وتعزيز وعي الجمهور بأهمية الحفاظ على الخصوصية والأمان عبر الإنترنت.
العنف الجندري