على الرغم من أن الخطوبة تعتبر خطوة مهمة في حياة الشابات، إلا أنها قد تواجه العديد من المشاكل والتحديات في مجتمعنا الفلسطيني التي تتطلب منهن المعرفة بحقوقهن وواجباتهن وتحديدًا الفتيات اللواتي عقدن عقد نكاحهن. فقد يحدث العديد من الأزمات التي تؤثر على الفتيات وتجعلهن غير قادرات على ممارسة حقوقهن بشكل صحيح، سواء بسبب عدم الوعي أو قلة المعرفة بالقانون.
لذا، تأتي أهمية زيادة الوعي القانوني والشرعي للفتيات المخطوبات. تقول المحامية آية المغربي، إنه من الأهمية بمكان أن تكتسب الفتيات وعائلاتهن المعرفة اللازمة حول حقوقهن وواجباتهن خلال فترة الخطوبة. إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستشارات القانونية والتوعية التي تقدمها المؤسسات المختصة وجمعيات حماية حقوق الأطفال.
وأشارت المحامية المغربي إلى أنّ سنّ الزواج القانوني المعمول به في قطاع غزة هو (17 عام) للفتاة، و(18) للشاب. بينما يوجد استثناء للتزويج تحت هذا السن، وهو لا يُقرّ إلا بقرار من القاضي الشرعي الذي يوافق بناءً على البنية الجسدية والبدنية للفتاة والشاب. لكن المغربي تفيد بأنّ هذا الاستثناء أصبح غالب نتيجة انتشار ظاهرة الزواج المبكر في مجتمعنا، إذ بلغ عدد الفتيات (3201) مقابل (246 شباب)، وذلك حسب آخر إحصائية للعام 2019.
تعرّف الخطبة في الشرع بأنها وعد بالزواج وهو ما لا يُلزِم الطرفان بأيّة استحقاقات، أما في مجتمعنا الفلسطيني، يصبح الشابان مخطوبان بعد إجراء كتب الكتاب، لكنهما وفقًا لما أشارت إليه المغربي يكونان زوجان من ناحية شرعية وقانونية غير أن الدخلة لم تحدث، إذ يتم دفع المهر من قِبل الشاب وأهله إلى الفتاة وولي أمرها، وهو ما يترتب عليه استحقاقات شرعية وقانونية.
من أبرز الحقوق غير المالية هي المعاملة بالمعروف وبشكلٍ لائق ومحترم، لذلك نصحت المغربي الفتيات في فترة الخطوبة بضرورة الانتباه إلى مدى الانسجام بينهما، فإذا ما اكتشفت أن ثمة اختلاف جوهري ومشكلة أساسية بينهما تحول دون استمرار العلاقة، عليها تتخذ قرار بإنهاء الخطبة وألا تنتظر حدوث الزفاف وإتمام الزواج والتورط فيما بعد، كما عليها أن تغض الطرف عن النظرة المجتمعية القاصرة تجاه الحدث.
إضافة إلى ذلك فمن الأمور التي يجب على الفتيات المخطوبات معرفتها هي حقوقهن المالية والشرعية. فعندما تحدث خلافات أو ترغب الفتاة في إنهاء الخطوبة، يجب أن تكون على علم بحقها في استرداد المهر الذي قدمته أو أي مستحقات مالية أخرى. كما يجب على الشابات التعرف على حقوقهن في إنهاء الخطوبة والتبعات المالية المرتبطة بها.
وأشارت المحامية المغربي إلى أن المهر يقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول هو المهر المعجل، والثاني تابع المهر المعجل (عفش البيت)، والثالث هو المؤجل أو المتأخر. أما فيما يتعلق بالجزء الأول فهو من حق الفتاة أن تستلمه في يوم كتب الكتاب، مؤكدة على ضرورة عدم توقيع ولي الأمر على استلام المبلغ في حال لم يستلمه وهي واحدة من أبرز المشكلات التي تطرأ في محاكم قطاع غزة وفقًا للمغربي.
من المشكلات الأخرى المتعلقة بهذا الجزء من المهر هو أن العُرف السائد مجتمعيًا أن تشتري الفتاة بقيمة المهر ذهب وملابس، لكن المغربي تنبه إلى أن الشرع والقانون يتفقان على أن هذا المبلغ هو مال خاص للزوجة وذلك وفقًا للمادة رقم (55) من قانون حقوق العائلة الفلسطيني، فلا يشترط أن تبتاع فيه أي شيء. وأكدت على أن الكثير من المشاكل تنتج عن سوء فهم الفتيات في هذا الجانب، وعليه تشدد المغربي على أن المهر المعجل هو حق للزوجة كالميراث تمامًا ولا يجوز للزوج أن يتحكم به أو يأخذه منها بعد الزواج.
وبخصوص الجزء الثاني من المهر (عفش البيت) وهو مبلغ نقدي يعد استكمالا للجزء الأول من المهر وتستحقه الزوجة بمجرد كتب كتابها ووجود عقد زواج صحيح بين الفتاة والشاب، وعلى إثره تستحق الزوجة هذا المبلغ بقيمة عفش بيتها كما تستحقه الفتاة المخطوبة أيضًا.
كما يجب أن يكون للفتيات المخطوبات وعائلاتهن وعي بأن القانون الشرعي الذي ينظم المحاكم الشرعية في قطاع غزة يستند إلى مذهب الإمام أبي حنيفة بن النعمان. وعلى الرغم من أن هذا المذهب هو المذهب الرسمي الذي تم تبنيه في مجلة الأحكام العدلية، إلا أنه من الضروري مراعاة التحديثات والتطورات الحديثة في القوانين وتوجيهات العصر الحالي.
وأكدت المغربي على اختلاف حقوق الطرفين في حال توصلا إلى قرار بإنهاء الخطوبة، وذلك بناءً على الطرف الذي يقرر بينهما، وقالت، "إذا أرادت الفتاة إنهاء الخطوبة بعد كتب الكتاب فهي لا تحصل على شيء من قيمة مهرها كاملا، أما إذا أراد الشاب بناء على رغبته وإرادته فهنا تستحق الفتاة نصف المهر المسمى أي المذكور في عقد الزواج".
ومثال على ذلك، أنه إذا كان مهرها (ثلاثة آلاف دينار أردني معجل وثلاثة أخرى عفش بيت وثلاثة أيضًا مؤجل)، فهنا تحصل الفتاة التي يرغب خطيبها بإنهاء الخطبة على قيمة (ألف دينار ونصف من المعجل ومثلهم من عفش البيت ومثلهم كذلك من المؤجل).
لكن المغربي نوهت إلى وجود استثناء في هذه الحالات مبني على وقوع الخلوة الشرعية بين الخاطبين، فإذا ما حدثت ورغب الشاب بإنهاء الخطوبة تستحق الفتاة على إثر ذلك المبلغ كاملًا كأنها متزوجة تمامًا، أما إذا رغبت هي في هذه الحالة بالإنهاء تستحق نصف المهر المسمى. وأشارت إلى أن الخلوة تعني أن يختلي الشاب والفتاة في مكانٍ يأمنان على نفسيهما من إطلاع الغير، وهي تثبت من ثلاثة مرات وعادةً ما تُسأل الفتاة عنها في المحكمة.
وهل يمكن أن يتم إنهاء الخطبة بالتراضي بين الطرفين؟ تُجيب المغربي، "نعم هناك دائمًا حلول رضائية في القضاء الشرعي"، ومنها مثلاً في حالة وقوع الخلوة واستحقاق الفتاة نصف المهر المسمى بينهما وإذا كانت قد ابتاعت بقيمة المهر الذهب والملابس فإن الكثير منهم يُفضلن إعادة الذهب للخاطب والإبقاء على الجهاز (الملابس وغيرها) عندها، لكن الأمر بالعموم يرجع إلى طبيعة كل حالة وخصوصيتها.
أما فيما يتعلق بالهدايا والعزائم وغيرها، أوضحت المحامية المغربي أن الهدايا التي تتلقاها الفتاة من خطيبها خلال فترة الخطبة هي تأتي من باب الهبة وفقًا للمادة رقم (3) من قانون حقوق العائلة، وبناءً عليه لا تُجبر على إعادتها إليه أو دفع قيمتها في حال انتهت الخطبة، أما ما حصلت عليه بالإجبار أو تحت وقع الضغوط المجتمعية فلا يوجد أيّ مادة قانونية أو شرعية تُلزِم الفتاة على إعادته، لكنها أشارت إلى أن هناك عرف مجتمعي في بعض الأحيان يُلزم الفتاة بإعادة قيمة ذلك إليه.
بناءً على ذلك، ينبغي تعزيز التوعية القانونية والشرعية وتوفير المشورة القانونية للفتيات المخطوبات وعائلاتهن في مجتمعنا الفلسطيني. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم جلسات توعية وورش عمل تسلط الضوء على حقوق الفتيات خلال فترة الخطوبة والتزامات الأطراف المتعاقدة.
وتختم المغربي حديثها بالتأكيد على أهمية الوعي بكل الجوانب القانونية. إذ يجب أن تتمتع الفتيات بالمعرفة والمهارات اللازمة للحفاظ على حقوقهن وتحقيق مستقبل آمن. ومن المهم أن يتعاون المجتمع والمؤسسات المعنية لتوفير الدعم والمساعدة للفتيات خلال فترة الخطوبة، وذلك من خلال توفير المعلومات الصحيحة والتوجيه القانوني المناسب.