وسط مدينة غزة وفي قلب المدينة القديمة التي تمتزج فيها الحداثة مع القدم، خرجت مبادرة "بيتكم عامر" بهدف الحفاظ على الأماكن التاريخية والأثرية في المكان، وتوظيف هذه الأماكن في النشاط الثقافي والمجتمعي أيضًا.
ووفقًا لوزارة السياحة والآثار فإن 90% من البلدة القديمة في غزة هي مباني ومواقع أثرية، تعود إلى حضارات وعصور مختلفة، فيما تعد "بيتكم عامر" واحدة من أنشط المبادرات في تلك المنطقة التي تعمل على توعية المواطنين بالمواقع الأثرية وأهميتها، والتعريف بتاريخها، من خلال تنظيم الجولات الميدانية للمواقع، وتنفيذ الأنشطة التوعية.
وقد انبثقت المبادرة في محاولة لإحداث تغيير في المنطقة التي تشهد إهمالًا على جميع الأصعدة، فتحول بعض منها نتيجة الإهمال والترك إلى مَكبات نفايات أو أماكن مهجورة، كما يهدد التزاحم والتمدد العمراني فيها إلى تحول المكان من تاريخي قديم إلى تجاري استثماري وعصري.
ترى أميرة حمدان أحد أعضاء مبادرة "بيتكم عامر" أنه من الضروري إعادة إحياء وتفعيل المناطق الأثرية في البلدة القديمة من خلال حملات التهيئة والتنظيف بعد سنوات من الهجر والإهمال؛ لبث الروح من جديد فيها وإضفاء الطابع الثقافي عليها من خلال الأنشطة والفعاليات الثقافية.
تعمل حمدان وأعضاء المبادرة الشبابية منذ 3 سنوات على مبدأ المشاركة المجتمعية من خلال حشد الموارد والشراكات الرسمية وغير الرسمية، وهي وليدة مجموعة من الفنانين والكتاب والمسرحين والنشطاء في المجال الثقافي والمجتمعي.
يهدف هؤلاء الفنانون القائمون على المبادرة إلى استخدام الأدوات الثقافية من مسرح وفن وأدب، كأدوات للتعبير عن احتياجات ومشاكل المجتمع في تلك المناطق الأثرية والتاريخية التي تحظى بمكانة وأهمية في تعزيز المشهد الثقافي، والتي وفقًا لحمدان، تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وتسليط الضوء الإعلامي.
يُلاحظ في هذه المبادرة مشاركة مختلف شرائح المجتمع، وذلك من خلال استهدافها المشاريع التي تتلاءم مع فئة، فتجد مسرح خيال الظلّ للأطفال، وورش عمل النحت والرسم والفنون البصرية والمعارض التفاعلية للشباب، وغيرها.
ومن خلال الإقبال المتزايد على الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تنفذها المبادرة، استطاع الفريق تحقيق الأهداف المرحلية، على الرغم من التحديات التي يواجهونها في منطقةٍ تشهد تغيرًا سريعًا في الفترة الأخيرة نحو التحول إلى منطقة استثمارية تجارية.
وتشير حمدان إلى أن هذه التحدّيات ولّدت حالة من التعطش الثقافي في المجتمع الغزي، وأن إحياء المناطق الأثرية التاريخية يساعد في تعزيز المشهد الثقافي من خلال عقد الأمسيات، والمعارض الفنّية واللقاءات الأدبية في تلك المناطق الأثرية.
هل هناك مبادرات ومشاريع أخرى قمتم بها في ذات الإطار؟، تجيب حمدان، "هذه المبادرة تركز على الجانب الثقافي، لكن كان هناك مشاريع أخرى تُعنى بترميم المناطق الأثرية قمنا بتنفيذها بالتعاون مع مركز عمارة التراث "إيوان" بغرض استخدامها في الأنشطة الثقافية.
وكانت باكورة المبادرة بالتعاون مع "إيوان" هو ترميم بيت السقا الأثري الذي يعود إلى الفترة العثمانية، وذلك بهدف نشر التوعية بالمسؤولية المجتمعية وتعزيز الدور الثقافي في المجتمع.
هذا المنزل هو واحد من أصل 145 منزلًا يعود للفترة العثمانية ونحو 25 مبنى عاما يعود إلى الفترة العثمانية والمملوكية يوجدوا في مدينة غزة، وذلك بحسب آخر إحصائية سجلتها البلدية، وفقًا لما أشار إليه محمود البلعاوي وهو مسؤول المشاريع في مركز إيوان للتراث الثقافي.
وثمّنت حمدان على فضل جهود الشراكة الفعالة مع بلدية غزة ومؤسسات الحكم المحلي والمؤسسات ذات الصلة في إنجاح المبادرة والتأكيد على المشاركة المجتمعية من خلال تنفيذ عدد من المشاريع والمبادرات منها: مدرسة الكاملية الأثرية التي يعود تاريخها إلى 700 عام ويجري تحويل جزء منها إلى مركزٍ ثقافي، بالإضافة إلى ترميم بيت السقا الأثري، ومبادرة حي الدرج وغيرها.
وحول الرؤية المستقبلية لمبادرة "بيتكم عامر"، توضح حمدان، "بيتكم عامر هي مقولة متداولة للكناية عن كرم الضيافة، ومنها تهدف المبادرة إلى عمار المناطق الأثرية الحضارية من خلال ديمومة واستمرار الأنشطة والفعاليات الثقافية في تلك المناطق والمباني الأثرية التاريخية".
مبادرة بيتكم عامر