البريج: تشكيل مدرسي يواجه رفضاً شعبياً وتربوياً 

البريج: تشكيل مدرسي يواجه رفضاً شعبياً وتربوياً 

ضربت السيدة سميرة عيسى كفاً بكف بعدما تلّقت إفادة من أحد مدارس (الأونروا) بأن طفتلها في الفصل الرابع الابتدائي قد جرى نقلها إلى مدرسة أخرى داخل مخيم البريج وسط قطاع غزة، تبعد عن مسكنهم أكثر من كيلو متر، وذلك بدءًا من انطلاق العام الدراسي الجديد 2024/2023.

وقالت عيسى في بداية عقدها الثالث، إن طفلتها ستواجه تحديًا كبيرًا يتعلق بعدم قدرتها قطع هذه المسافة ذهاباً وإياباً إلى المدرسة بشكل يومي، في ظلّ معاناتها من سوء التغذية وانعكاس ذلك على بنيتها الجسمانية.

ولم تملك أسرة عيسى القدرة المالية على توفير سائق تاكسي ينقل طفلتها من وإلى المدرسة بشكلٍ يومي، نظراً لتعطل رب الأسرة عن العمل. وقالت الأم: "لا أدري كيف قررت الأونروا فعل ذلك بشكلٍ منفرد بعيداً عن دراسة ظروف وواقع الطلبة".

اشتكى مواطنون من مخيم البريج وسط قطاع غزة، من تشكيل مدرسي جديد لمدارس الأونروا في المخيم يتسبب في مشكلتين، الأولى هي الجمع بين المراحل الدراسية الأساسية والعليا داخل المدرسة الواحدة، والأخرى هي نقل طلبة إلى مدارس بعيدة جغرافيًا عن مكان سكنهم وبيوتهم.

وقال فريد أبو زبيدة وهو متحدث باسم أهالي البريج وهو واحد من أصل ثمانية مخيمات موزعة على خمس محافظات في قطاع غزة، إنّ هناك مدارس موجودة أنشأت من عشرات السنين ولا يوجد تغيير على عددها رغم النمو الديمغرافي الكبير والازدياد الهائل في عدد السكان والطلبة.

وأوضح أبو زبيدة أن هناك مشاكل تتولد نتيجة هذه القضية بالإضافة إلى ما يتسبب به التشكيل المدرسي الجديد للعام الدراسي 2023/2024، منها أن يضطر طلبة إلى قطع مسافات كبيرة تُقدّر بنحو كيلومتر، خلال الحر الشديد صيفًا أو البرد القارس شتاءً للذهاب إلى مدارس في أقصى المخيم.

ويخشى أبو زبيدة أن يتسبب الأمر في مشكلات نفسية للطلبة كشعورهم بالنفور من العملية التعليمية، والنظر إلى المدرسة التي هي مؤسسة تربوية على أنها سجن والمعلم سجانه؛ ما يؤدي إلى انتشار حالات كثيرة من تمزيق الكتب في الشوارع والأماكن العامة نهاية العام الدراسي.

ويتوقع المتحدث باسم أهالي البريج أن يُقابَل التشكيل المدرسي الجديد باحتجاجات من أولياء الأمور، فمن غير المنطقي وفقًا لأبو زبيدة، أن تكون المدرسة بجانب البيت ويذهب الأبناء إلى مدرسة أخرى في أقصى المخيم وتبعد مئات المترات.

عادةً ما يتم التقسيم الطلابي في وزارة التربية والتعليم لطلبة قطاع غزة كل واحد حسب مكان سكناه بدّقة وفقًا للحيّ والمنطقة الجغرافية، لكن في هذه الحالة الناتجة عن التشكيل المدرسي الجديد اختلفت المعايير إلى جانب الخلط والدمج بين طلبة المراحل الدنيا والعليا في المدارس، وذلك وفقًا لأبو زبيدة ناتج عن احتجاج معلمات ورفضهن تدريس طلبة ذكور من صف سادس ابتدائي.

وبناءً على الخطة الجديدة، سيتضمن التشكيل الجديد طلبة من صف رابع وخامس وسادس ابتدائي مع طلبة الصف السابع (الأول الإعدادي)؛ مما يعني أن يتواجد طالب الصف الرابع مع طالب الصف السابع، وهو ما نبذه أبو زبيدة وسكان المخيم.

وللتعرّف على دور اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم البريج باعتبار أن جميع المدارس فيه هي تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، قال مسؤول اللجنة فوزي عوض إنهم تابعوا التشكيلات المدرسية وآلية عمل المدارس وتوزيع الطلبة فيها، فتبين أن هناك إشكاليات فأعطينا تحفظًا عليهم ثم رفضناهم.

في التفاصيل، قال عوض إن هناك مدرسة إعدادية تضم طلبة من الصفين الخامس والسادس موجودة وقائمة منذ سنوات، لكن في بداية هذا العام اقترحت إدارة مدارس الأونروا في القطاع ضمّ صف رابع لهذه المدرسة وهو ما أثار تحفظنا ورفضنا.

وأشار عوض إلى أنه لا يجوز تربويًا ضمّ أطفال بعمر 9 سنوات مع آخرين بعمر 13 عامًا في ساحة مدرسية واحدة و"مقصف واحد"، موضحًا أن الأمر يُغيب عملية انسجام البيئة المدرسية، كما أنه لا يجوز ضمّ طلبة من ثلاث مراحل في مدرسة واحدة تربويًا؛ لأن التقسيم الصحيح والأساسي هو من صف أول إلى رابع مرحلة دنيا، ومن خامس إلى سادس عليا، ومن ثم من سابع إلى تاسع إعدادي.

ومن الآثار السلبية على العملية التعليمية التي يتسبب بها التشكيل المدرسي الجديد والخلط بين طلبة المراحل الدراسية، بحسب عوض، أولًا التسرب المدرسي الذي يجرؤ عليه طلبة المرحلة العليا والإعدادي وقد ينقله طلبة المرحلة الدنيا بالتقليد.

إضافة إلى أن الأطفال في سن التاسعة لم تنضج شخصيتهم بالشكل الذي يمنحهم استقلالاً فكريًا، وسمتهم العمرية في تلك المرحلة هي التقليد سواء سلوكيات أو مصطلحات؛ مما يعني التسبب بآثار تربوية لا تُحمد عقباها.

أما عن دورهم إزاء هذه المشكلة كلجنة شعبية في المخيم، قال عوض إنهم توجهوا إلى دائرة غوث اللاجئين في منطقة الوسطى التعليمية وأبدوا موقفهم منذ اليوم الأول، ثم أرسلوا وفد وُجهات المخيم بصحبة خبير تربوي، لكن "الأونروا" رفضت موقفهم وبررت ذلك بأن التشكيل الجديد جاء لإحداث توازن في الشُعَب، بينما علّق عوض: "هذا غير مقبول، الشُعَب متوازنة وصحيح أن هناك ازدحامًا صفيًا لكن حلّه يكون بافتتاح مدارس جديدة وليس بدمج المراحل".

ولم تتوقف محاولات اللجنة إلى هنا، وإنما أحدثت تجمعًا في بلدية البريج لمناقشة الموضوع ولم تخرج بنتيجة، لكن ما تزال هناك محاولات لمقترح جديد وهو بناء مدرسة جديدة وهو ما يتوقع أن يقدموه بشكلٍ رسمي إلى إدارة الأونروا.

أما على المستوى الشعبي فعملت اللجنة على التوجه من خلال الإذاعات الفلسطينية ونشر فيديوهات على صفحاتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي لإجراء استفتاء لأهالي المخيم حول مدى قبولهم أن يقطع أبناؤهم وبناتهم مسافة كيلومتر ذهابًا ومثلها إيابًا إلى جانب تواجدهم مع طلبة المرحلة الإعدادية في مدرسة واحدة.

بدوره عقّب المختص والخبير التربوي فتحي مطير، على التشكيل المدرسي الجديد بقوله، "كل عام نقابل تشكيلًا جديدًا من قِبل الإدارة التعليمية لوكالة الغوث فننظر إذا كان في مصلحة الطالب نقبله وإذا لم يكن فنرفضه ونقدم توصياتنا".

وعن هذه التغييرات المستحدثة في مدارس مخيم البريج، يرى مطير أنه لا يصب في مصلحة الطالب بل يضيف عبء كبير على الأهالي والطلبة في الوقت نفسه. وأشار إلى أن التشكيلات المدرسية السابقة تضمنت ثلاثة مدارس ابتدائي ذكور، أما اليوم فأصبحت أربعة مدارس إعدادي ولم يتبقى إلا مدرسة أو مدرستين ذكور ابتدائي.

ويتسبب دمج الفئات العمرية، بحسب مطير، بتأثيرات تربوية ونفسية وسلوكية على الطلبة قد تؤدي إلى مشاكل عدوانية داخل المدرسة؛ ولذلك يرفض المختصون قرار الأونروا الأخير بخصوص التشكيل المدرسي الجديد في مخيم البريج ويأملون بالعدول عنه وإجراء حلول جذرية ومنطقية لمشكلة الازدحام الصفي.