يَظهر قطاع غزة في الصور الجويّة من الأعلى ككتلة خرسانية؛ نتيجةً لتضخم أعداد الوحدات السكنية الناتجة عن الكثافة السكانية العالية. وينعكس هذا الأمر سلباً على العديد من سكان المناطق لاسيما الحدودية منها وبخاصة فئة النساء، والتي تعاني صعوبات في الحركة والتنقل.
وتتضاعف معاناة النساء مع أزمة التنقل بصفتهن يتحملن مسؤوليات عدّة في تلك المناطق التي تعاني من التهميش في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعل النساء بحاجة إلى تحمل مسؤولية أكبر تجاه الأسرة وأهمية الحفاظ على صحة العائلة وبالتالي الانتقال للمراكز الصحيّة والتعليمية والأسواق وغيرها؛ وبالإضافة إلى ذلك فإنهن يواجهن تحديات قصوى في خدمات البنى التحتية للمناطق التي يقطن فيها بشكلٍ عام.
وتتربع المشكلة بشكل خاص في المحافظة الوسطى من قطاع غزة والتي يبلغ عدد سكانها وفقًا لبيانات حكومية، 220 ألف نسمة، وتقام فيها سبع بلديات تشرف على تقديم الخدمات للمواطنين.
من هذه البلديات، بلدية وادي غزة التي تأتي جغرافيًا في المنطقة الواقعة في منتصف المسافة بين محافظة غزة والوسطى في القطاع، وتعاني من قلّة الإمكانات والخدمات، فيما تبلغ المساحة العمرانية فيها 100 دونم فقط.
نرمين النباهين، تقطن في قرية جحر الديك (التابعة لبلدية وادي غزة)، وهي واحدة من النساء اللواتي يشتكين حالة صحيّة ونفسية مؤرقة نتيجة سوء الطرقات في المناطق الحدودية.
تقول النباهين لـ "آخر قصّة": "نضطر لقطع مسافة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة صيفًا أو الأمطار شتاءً، في طرقٍ ترابية غير مستوية تسبب لنا آلامًا في القدمين حتى نصل إلى شارع مرصوف تنقلنا منه سيارة أجرة".
وتقدّر معطيات حكومية بأنّ 13% فقط من مساحات الطرق في الخرائط هي طرق مرصوفة، بينما هناك 87% منها غير مرصوفة في قطاع غزة.
ولا تقتصر معاناة السكان والنساء القاطنات في المناطق الحدودية بالمحافظة الوسطى على مشكلة الطرقات؛ بل تمتد إلى ضعف في الخدمات الصحيّة والبنى التحتية. وهو ما أشارت إليه بشكل واضح سناء مجدي التي تعيش في منزلٍ متردي لا تدخله أشعة الشمس ولا تتسلل إليه الإنارة إلا من الأعمدة المعلّقة في أسقف بعض المنازل القريبة منه، كما لا تصله خطوط الإمداد التي تشرف عليها البلدية.
قد تشعر أنّك عدت للوراء سنوات طويلة، عندما تتحدث السيدة الثلاثينية عن معاناتها اليومية في غسل الملابس على يدها بطريقةٍ بدائية؛ لعدم وصول التيار الكهربائي لبيتها أو حتى إمدادات خطوط المياه.
في وضعٍ مشابه من النباهين، تضطر السيدة أمونة أبو رجيلة التي تقطن شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، للمشي في شارعٍ ترابي غير مرصوف، لمسافة تتجاوز الثلاثة دونمات؛ لتصل أرضها الزراعية وترعى مزروعاتها.
وعلى الرغم من أنّ أبو رجيلة تسلك طريقًا يحده العشب الأخضر من كل الاتجاهات؛ إلا أنّه محفوف بالمخاطر والمطبات الترابية التي يصطدم بها المارّة، فتؤدي إلى تعثرهم أرضًا وتعيق حركتهم وحركة المواشي التي تنقلهم للأراضي الزراعية.
إضافة إلى تلك المشكلات، يعاني مجمل سكان المنطقة الحدودية في مدينة خانيونس التي تُعد الأكبر من حيثُ المساحة ويقطن فيها 438.557 نسمة، من انتشار الكلاب الضآلة في هذه الطرق ليلًا فتصبح غير آمنة عليهم.
وبشكلٍ خاصّ، يأتي الشتاء تحديدًا ثقيلًا على هذه السيدة المزارعة؛ نتيجة ارتفاع منسوب مياه الأمطار التي تغمر الأرض وتُعثِر المشي في الشوارع الترابية؛ الأمر الذي يمنعها من الوصول إلى مزروعاتها ونقل المنتجات للسوق حيث بيعها.
يعوّل أغلب سكان المناطق الحدودية على الزراعة في كسب رزقهم وإعالة عائلاتهم، إذ تعد المناطق الشرقية موردًا مهمًا في توفير السلة الغذائية لأهالي القطاع، وهي جزء مما نسبته 24.6% مجمل المساحة المزروعة في قطاع غزة.
هذا الواقع برمته، يتناقض تماماً مع مجموعة كبيرة من الحقوق الواجب توافرها في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة الحق في السكن اللائق والبيئة الآمنة والمرافق الترفيهية والبنى التحتية السليمة.
لكن وفي ظل الافتقاد إلى ذلك كله، توجهت مراسلة "آخر قصّة"، لمساءلة وزارة الحكم المحلي في قطاع غزة، حول الأدوار والإجراءات المُتَبَعة من قِبلهم لتحسين الواقع الإسكاني والخدماتي لسكان المناطق الحدودية.
وقال مستشار وكيل وزارة الحكم المحلي، زهدي الغريز، إنّ الوزارة تتابع معاناة سكان المناطق الحدودية وتسعى لمساعدتهم؛ لكنها ترفض أن يكون تحسين البنى التحتية سببًا وراء خنق المساحة الزراعية الخضراء في المكان.
وبرر الغريز ترك تلك المنطقة وسكانها دون رعاية خدماتية، بأنّ الحكومة ترغب في الحفاظ على ما تبقى من المناطق الزراعية، فلا تترك الاسمنت يطغى عليها في ظلّ الزحف العمراني المتزايد نتيجة الكثافة السكانية التي بلغت 2.3 مليون نسبة في مساحة القطاع المقدّرة بـ 365 كيلوا مترًا.
وكان جُلّ ما قدمته الوزارة لسكان المناطق الحدودية والمهمشة هو إخضاعها للبلديات المحيطة بهم، وفقًا للغريز الذي قال إنّ تلك البلديات هي الأقدر على تقديم الخدمات وتسهيل حصولهم على الماء وغيرها، مشيرًا إلى أنّهم يجتهدون في تقديم خدمات البنية التحية داخل التجمعات السكانية في تلك المناطق.
وعزا الغريز التقصير الحاصل تجاه تلك المناطق وسكانها إلى ممولي المشاريع والمانحين الذين يهتمون بتوفير مشاريع تطويرية للمناطق المكتظة بالسكان وليس الريفية غير المأهولة بأعدادٍ كبيرة منهم، والتي تحصل على مشاريع زراعية تنموية في الغالب. أما الحكومة الفلسطينية (في الضفة الغربية وقطاع غزة) فوصفها بالضعيفة وغير قادرة على تمويل مشاريع بنفسها.
غير أنّ، وزارة الحكم المحلي سعت إلى الحصول على منحة لتطوير وإمدادات الصرف الصحي للمناطق الحدودية في مدينة خانيونس، وقال الغريز، "اهتممنا بهذه المنطقة لأنها الأكبر مساحة والأكثر كثافة سكانية، وسنبدأ العمل التطويري لها خلال الأشهر القادمة".
وما بين اهتمامات المانحين ومساعي الحكومة الفلسطينية التي تعاني من ظروف الانقسام منذ 17 عامًا، يبقى السكان الذين يقطنون في مساحة تزيد عن ثلثي مساحة القطاع، يُعانون من مشكلات في التنقل والحركة بسبب عدم رصف الطرق، وتستمر مشكلات أهالي المناطق الحدودية والمهمشة في البنى التحتية لمنازلهم قائمة دون حراك فعلي وحقيقي على أرض الواقع للتحسين من أوضاعهم.
سكان المناطق الحدودية