شيخ يدعو الشباب للزواج: من أين يا حسرة؟

شيخ يدعو الشباب للزواج: من أين يا حسرة؟

أثارت دعوة الشيخ الداعية الفلسطيني محمود الحسنات على موقع فيسبوك، للشباب بالزواج الكثير من الجدل حول واقع وظروف وبيئة الشباب الفلسطيني في قطاع غزة، عجزه عن توفير احتياجات تكوين أسرة في ظلّ تحديات الفقر والبطالة التي يعانيها القطاع.

وقال الحسنات عبر منشور نشره على حسابه: "أغلب الشباب يعيشون في صمت، ‏لا مال، لا عمل، لا زواج، يبتسمون بألم، ‏اللهمّ اجعل لهم من كل ضيقٍ مخرجاً وفرجاً". وتفاعل مع هذا المنشور ما يزيد عن 25 ألفاً، فيما أبدى 5 آلاف آرائهم حول الموضوع.

وعقّب الشاب إبراهيم نعيم، على المنشور، وقال: "الزواج يحتاج إلى مال كثير، والناس لا تملك ثمن عَزيمة غدّاء. فكيف يمكن أن يتجوز عامل بأجرة يومية قيمتها 20 شيكل وكيف سيطعم أهل بيته؟".

اتفق محمد الرمضان مع نعيم، وعلّق: "يا شيخ محمود كثر مطالبة الماديات هي التي تمنعنا من الزواج، ليتهم يسألوا إذا كان العريس يصلي أو لا، يخاف ربه أو لا، كل همهم الفلوس والله المستعان".

وتلك إشارة واضحة إلى ارتفاع تكاليف الزواج في قطاع غزة، إذ تتراوح مهور العرائس بمتوسط من 3 إلى 5 آلاف دينار أردني أو يزيد، إلى جانب تكاليف حفل الزفاف ومستلزماته. لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الأمور بل يمتد إلى الحاجة لتوفر شقة سكنية للزوجين وضرورة أن يعمل الزوجان أو أحدهما على الأقل ليتمكنا من توفير أبسط متطلبات الحياة الكريمة.

غير أن، الشباب في قطاع غزة يعانون من محدودية فرص العمل نتيجة الارتفاع الحادّ لمعدل البطالة الذي يتسبب في حرمان ثلثي الشباب من الاستقلال المادي، إذ أظهرت إحصاءات محليّة رسمية إلى أن نسبة البطالة في صفوف شباب غزة الحاصلين على شهادات عليا "بكالوريوس فأعلى" وصلت إلى 65%.

كما بلغ عدد العاطلين عن العمل (239 ألف شخص) سواء كانوا حاصلين على شهادات أو لم يحصلوا، وهو ما يتقارب من عدد العمال أنفسهم المُقدّر بـ (285 ألف عامل)، إلا أنّ هؤلاء العمال أيضًا يحصلون على أجور منخفضة لا تتواءم مع الحدّ الأدنى للأجور الذي حددته الحكومة الفلسطينية في جلستها رقم (121) لعام 2021، بـ (1,880 شيكلاً) شهرياً في جميع القطاعات، و(85 شيكلاً) يومياً لعمال المياومة.

هذا الواقع يفرض نفسه على حياة الكثير من الشبان الذين يفكرون في الزواج، فلا يجدون فرص عمل متكافئة مع شهاداتهم العلمية أو مهاراتهم المهنية، إضافة إلى عدم تقاضيهم أجور تُمكنهم من توفير تكاليف الزواج الباهظة بالمقارنة مع أوضاعهم الاقتصادية.

بالإضافة إلى أنّ العديد من الأسر والعائلات تطالب بتوفير شقة سكنية لابنتها عندما يتقدم إليها الخُطاب، سواء كانت شقة إيجار أو تمليك، وهو أيضًا ما يبدو صعب المنال في ظلّ التكاليف التي تبدأ في حالة الإيجار من 150 دولار شهريًا على الأقل، وتصل إلى عشرات آلاف في حالة التمليك.

يأتي ذلك إلى جانب العجز الإسكاني الذي يعاني منه القطاع ويصل إلى الحاجة السنوية إلى 14 ألف وحدة سكنية؛ لمعادلة النمو الديمغرافي العالي وفقًا لما أظهره تقرير وزاري بأنّ عدد السكان تجاوز المليونين و375 ألفً نسمة، يقيمون ضمن حدود مساحة تُقدّر بـ 365 كم²، وذلك حتى نهاية العام المنصرم 2022.

أمام هذه الظروف تصبح إمكانية توفير الشباب تكاليف الزواج محدودة أمام الكثير منهم، وهو ما انعكس على ردود الشباب المتفاعلين على منشور الداعية محمود الحسنات من غزة، الذي يدعوهم للزواج دون أن يُشير إلى واقع حياتهم وظروفهم المادية.

ويمتنع العديد من الشبان عن الزواج نتيجة لقلّة ذات اليد، فيما يضطر بعضهم للتفكير في الهجرة والسفر بعيدًا عن واقع قطاع غزة المرير، ومنهم فؤاد سالم (32 عامًا) الذي لم يكمل دراسته ولم يحظى على فرصة عمل تُكسبه قوت يومه، فعمل في مجالات مهنية مختلفة دون أن يستطيع إثبات نفسه في أيٍّ منها.

وعمل الشاب في صناعة المثلجات وبيعها خلال فترة الصيف؛ إلا أنّه كبّد والده ديون متراكمة إثر عدم مقدرته على تحصيل أرباح مُجدِّية إلى جانب استدانته الأدوات اللازمة من الثلاجات وتوفير بدائل الكهرباء لحفظ التبريد وغيرها. فيما يُفكر الشاب بالهجرة حاليًا ويُعاني ظروف نفسية معقدة وهو واحد مما نسبته 71% من الأفراد (18 عام فأكثر) يعانون في فلسطين من الاكتئاب.

وتسببت هذه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المترديّة بالعديد من المشكلات الاجتماعية للشباب، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ثُلثا الشباب يعتمدون على عائلاتهم في الحصول على الدخل، وتبين أن 49٪ منهم يُعانون التوتر والقلق والاكتئاب، و34.5٪ منهم يعانون مشاكل اجتماعية مُتعلقة بالروابط الاجتماعية، و12.4٪ يمتنعون عن الزواج.

وأمام رغبة العديد من الشبان في قطاع غزة بالزواج لتحقيق الاستقرار العاطفي والنفسي والاجتماعي، يجدون أنفسهم مُعلّقون وسط تراكيب مختلفة من واقع البطالة وقلة فرص العمل، وارتفاع التكاليف والركود الاقتصادي الكبير في القطاعات المختلفة؛ وهو ما ينعكس على الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تصيب الشباب والسكان عامة.