الحق في السكن وآثار الاستثمار العقاري على الفقراء

سبع خطوات لتجاوز الأزمة

الحق في السكن وآثار الاستثمار العقاري على الفقراء

في أحد الأزقة الضيقة لمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، يعيش المواطن سامي خليل هو وأسرته على الكفاف. يحمل الرجل على كاهله عبء حياة مليئة بالتحديات والصعاب. 

سامي في بداية عقده الرابع، فقيرٌ يعتمد على مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية التي تأتي كنقطة نور ضئيلة في حياته المظلمة، والتي تسد جزءًا من رمق أسرته الصغيرة فيما يعتمد في الكثير من الأحيان على ما تجود به أيدي فاعلي الخير.

أسرة سامي تتكون من خمسة أطفال، الأصغر يبلغ من العمر عامًا واحدًا، والأكبر هي فتاة في الثالثة عشرة من عمرها. يعمل سامي الذي يعاني من مرض مزمن بجدية مذهلة لتوفير مأوى لأسرته، يستأجر بيتًا صغيرًا متهالكاً يقف على أطراف المخيم من الناحية الغربية المتاخمة لشاطئ البحر، ويدفع ثمن الإيجار بصعوبة تامة. "مخصصات الوزارة البسيطة تساهم في سد جزء من الفجوة المالية، ولكنها لا تكفي لتغطية جميع النفقات" يقول الرجل.

المسكن تقريبا غرفة واحدة إلى جانب المنافع الرديئة ويبدو ذلك بوضوح في الشروخ التي تتوسط الجدران، جميع أفراد الأسرة ينامون معاً على فرشات من الاسفنج قد سويت بالأرض. ومع ذلك يقول سامي إنه يبذل قصارى جهده للحفاظ على ابتسامة أطفاله رغم قسوة الواقع.

لاحظ سامي كيف أن الاستثمار العقاري قد ضاعف أسعار الشقق السكنية، بشكل مبالغ فيه. وهذا يقوض الأمل في عينيه بأن يكون له شقة خاصة، وعلى الرغم من كل محاولاته لتوفير ما يكفي لشراء مسكن لأسرته، فإنه يجد نفسه دائمًا في دوامة من الاحتياجات والضغوط المالية التي تتزايد يوما بعد يوم.

كانت حالة البؤس والإحباط تعتريه، فهو يعرف أنه بوسعه أن يقدم حياة أفضل لأسرته إذا كان بإمكانه امتلاك مسكنهم الخاص، ولكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال. زوجته وأطفاله يشعرون بقلقه وضيقه، ولكنهم يظلون معاً في هذه المعركة ضد الصعاب، وبخاصة أنهم مهددون بالطرد من المسكن بين الحين والآخر نتيجة العجز عن دفع ثمن الإيجار.

ويحرم الاستثمار العقاري بشكل عام الكثير من أصحاب الدخل المحدود والفقراء على حدٍ سواء، من امتلاك مساكن، وعلى الرغم من أن الأسواق العقارية تختلف من منطقة لأخرى داخل قطاع غزة وتتأثر بعوامل اقتصادية وأمنية واجتماعية متعددة، لكنها في حدها الأدنى تشكل عبئًا على السكان.

وتقول السيدة شهيرة معروف (45 عاماً) وهي أرملة تعيل ستة من الأبناء اثنين منهم أنهيا تعليمهم الجامعي ولم يحصلا على فرصة عمل، إن أسعار الشقق السكنية المرتفع يضعها أمام خيارات صعبة هي وأبناءها، حيث إنها تفتقد المعيل وفي نفس الوقت تعيش في مسكن يحرم الأبناء خصوصيتهم.

وأضافت السيدة المكناة بأم محمود أن هذا الواقع يؤثر على الفرص التي يمكن للفقراء الاستفادة منها لشراء مساكن بأسعار معقولة، ويجعلهم مضطرين للقبول بشقق سكنية تقل مساحتها عن 70 متراً وفي مناطق عشوائية من أجل تجاوز معضلة الأسعار الباهظة والتي لا يقوون على دفعها.

ووفقاً لتقديرات اقتصادية محلية، فإن عوامل كثيرة تؤثر على سوق العقارات وتوافر الإسكان للفئات ذات الدخل المحدود والفئات الهشة عموماً، حيث تعتمد الحلول الممكنة على سياسات الحكومة والتدابير الاقتصادية والاجتماعية المتخذة لتوفير الإسكان بأسعار معقولة والمساعدة في تقليل الفجوة الإسكانية.

وتبلغ نسبة العجز في الوحدات السكنية بقطاع غزة، طبقاً لتصريحات حكومية صدرت أواخر العام المنصرم 2022، نحو 120 ألف وحدة سكنية، تبلغ قيمة إنشائها نحو نصف مليار دولار.

ويشير اقتصاديون إلى أن تحقيق التوازن بين حقوق الفقراء واحتياجات الاستثمار العقاري، يمثل تحديًا معقدًا يحتاج إلى تفكير استراتيجي وسياسات متوازنة. أمام هذا التحدي طرح المختصون الاقتصاديون بعض الخيارات والمقترحات من منظور اقتصادي لجسر الهوة بين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في امتلاك مسكن، مع مراعاة احتياجات الاستثمار العقاري:

أولاً تنمية الإسكان الاجتماعي:

يمكن للحكومات والمؤسسات ذات الصلة تنفيذ برامج إسكان اجتماعي تستهدف الفئات ذات الدخل المحدود. يمكن تخصيص أراضٍ لبناء وحدات سكنية بأسعار معقولة وبشروط تمويل ميسرة للعائلات ذات الدخل المحدود.

ثانيا تشجيع التمويل العقاري الميسر:

يمكن تقديم حوافز للمصارف والجهات المالية لتقديم تمويل ميسر لشراء وبناء العقارات. ذلك يمكن أن يشمل أسعار فائدة منخفضة وشروط سداد ميسرة للفئات ذات الدخل المحدود.

ثالثا التحفيز الضريبي:

يمكن تقديم تحفيزات ضريبية للمستثمرين العقاريين الذين يساهمون في تطوير وبناء وحدات سكنية بأسعار معقولة. ذلك يمكن أن يشمل تخفيضات ضريبية أو إعفاءات ضريبية مؤقتة.

 رابعا تنظيم السوق العقارية:

يمكن تنظيم السوق العقارية للحد من تقلبات الأسعار الجزئية والتكهن بالعقارات. ذلك يمكن تحقيقه من خلال فرض قوانين وسياسات للحد من المضاربة وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

 خامسا الشراكات العامة والخاصة:

يمكن تنفيذ مشاريع شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص لتطوير وحدات سكنية بأسعار معقولة. ذلك يمكن أن يسهم في تحقيق التوازن بين احتياجات الاستثمار وتلبية احتياجات الإسكان.

 سادسا تطوير التخطيط العمراني:

يجب تطوير تخطيط عمراني مستدام يأخذ في الاعتبار احتياجات السكان من جميع الفئات. ذلك يمكن أن يساهم في تقليل اختلافات الأسعار وتحقيق توازن بين مختلف أنماط الإسكان، وهذا يقع بشكل أساسي على عاتق وزارتي التخطيط والإسكان.

 سابعا التوعية والتثقيف:

يجب زيادة التوعية بأهمية الاستثمار العقاري المستدام والتأثيرات الاجتماعية للعمليات الاستثمارية على الفقراء. ذلك يمكن أن يساهم في خلق توازن بين احتياجات الاستثمار ورفاهية المجتمع.

هذه المقترحات تمثل بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في تحقيق توازن بين احتياجات الفقراء واحتياجات الاستثمار العقاري. يجب مراعاة الظروف المحلية والاقتصادية عند تنفيذ أي إجراءات لضمان تحقيق أقصى فائدة وتأثير إيجابي على المجتمع.