غزة: ذوي الإعاقة يُعانون الأمريّن بلا كهرباء

غزة: ذوي الإعاقة يُعانون الأمريّن بلا كهرباء

بخطى متثاقلة يحمل والد حسام أبو شنب ابنه البالغ من العمر (18) عامًا والذي يُعاني من الإعاقة الحركية، وينقله من الشقة السكنية الواقعة في الطابق الثالث إلى خارج البناية هربًا من حرارة الطقس الشديدة، والتي تضاعف معاناته في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وعدم توفر أيّة مصادر للتهوية والتكييف داخل المسكن. 

درجة الحرارة الشديدة تحرم "حسام" - الذي يعاني الإعاقة منذ الطفولة، ويقطن بحي الشجاعية شرق مدينة غزة- النوم وتتسبب له بقلقٍ متكرر، قد يتحول إلى أرق وضغط نفسي شديد يُكابده طوال فصل الصيف إذ يحتاج مساعدة طوال الليل ليتقلب من جانب إلى آخر في ظلّ عدم توفر كهرباء لتشغيل المراوح وجهاز التكييف.  

كلما نام حسام على طرف سرعان ما يصبح جمرًا، فيصبح بحاجة إلى مساعدة من الأسرة للانتقال إلى الأتجاه الأخر، وهكذا ينقضي الليل تاركًا آلام في الأعصاب والعضلات وتسلخات في الجلد من شدّة الحرارة وغيرها الكثير. 

يتسبب هذا الطقس مرتفع الحرارة في الكثير من المشكلات الصحية الخانقة لذوي الإعاقة في قطاع غزة، لحاجتهم للتهوية وشحن أجهزتهم الكهربائية التي تساعدهم في الحركة. لذلك؛ يهدد هذا الطقس سلامتهم ويعزلهم اجتماعيًا في ظلّ صعوبة توفر احتياجاتهم بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي المتواصلة منذ 16 عامًا وإلى اليوم.

يقول أبو شنب في حديثه لـ "آخر قصّة": "لم توفر لي أي جهة حكومية كرسي متحرك، واشتريت الدراجة النارية الخاصة بنا على نفقتي الخاصّة، لكنها تحتاج إلى شحن كهربائي دائم، وهو ما يصعب توفره نظرًا لانقطاع الكهرباء لساعات طويلة".

حسام واحد مما نسبته 1.1% من الأفراد في فلسطين عامة يعانون من إعاقة حركية، فيما يعد هذا النوع الأكثر انتشارًا ما بين البالغين، ويحتل أعلى معدل في الإعاقات الأخرى بنسبة 55% وفقًا لبيانات وزارة التنمية الاجتماعية.

لم يحظَ الشاب الذي يعاني الإعاقة الحركية باهتمام حكومي حسبما قال، باستثناء وزارة التربية والتعليم التي وفرت له جهاز حاسوب للتخفيف من عبء الدراسة خلال العام المنصرم الذي حصل فيه على معدل دراسي 75% في الثانوية العامة. وقال: "تعاونت الوزارة معي والمدرسين أيضًا إذ كانوا يشحنون دراجتي الكهربائية، أما اليوم في هذه الإجازة الصيفية أعاني الأمرين فلا تهوية جيدة في البيت ولا إمكانية للخروج لصعوبة شحن الدراجة في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر".

وعلى غراره تعاني رشا أبو دراز (39 عامًا) التي تقطن في حيّ الرمال بمدينة غزة، من إعاقة حركية ينتج عنها خلال فصل الصيف مشكلات صحية عديدة، منها التقرحات المستمرة وغيرها من الأمراض التي تؤثر بالسلب على وضعها الصحي.

ويتسبب ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف الحالي الذي تصل فيه إلى نحو 34 درجة مئوية، لأبو دراز بالكثير من الآلام، خاصّة في ظلّ إصابتها بمرض السكري المعروف بإضعاف المناعة والحدّ من وصول الأكسجين للأنسجة؛ الأمر الذي يؤدي إلى جروح مزمنة وتقرحات يصعُب علاجها.

تقول السيدة التي تعاني ظروفًا مادية صعبة بعد وفاة والدها قبل عام؛ ما يحدّ من قدرتها على تأمين احتياجاتها بشكلٍ كامل لا سيما المستلزمات الصحية، "تتسبب الحرارة العالية لي بتقرحات وفطريات تنتشر في كل جسدي بشكلٍ يؤلمني، ويصعب عليّ توفير تكييف أو بدائل لانقطاع الكهرباء".

وعلى الرغم مما أشار إليه مدير دائرة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية غسان فلفل، بأنّ هناك جزءا من علاجات ذوي الإعاقة يمكن توفيره في وزارة الصحة مجانًا وآخر يتوفر عبر التنسيق بين الوزارتين (التنمية و الصحة)؛ إلا أنّه عاد وقال إنّ الأمر يتطلب جهدا وتعاونًا ما بين الوزارات والمؤسسات، مشيرًا إلى أن الاستجابة ضعيفة لدى كل الأطراف. 

لا تتوقف مشكلات ذوي الإعاقة في الحر داخل القطاع المحاصر للعام السادس عشر على التوالي، على الجانب الصحي، بل تزداد الأمور سوءًا عندما يصعب توفير الأجهزة التي يحتاجونها، وفقًا لما أشار إليه ذوي الإعاقة، ومنهم ما يعانيه الأخوان غادة وعلاء أبو صليح الذين يقطنون في وادي السلقا شرق دير البلح وسط القطاع، حيث يعانون من إعاقاتٍ حركية، فيما يتبادلان الأدوار على الكرسي المتحرك و الدراجة الكهربائية الوحيدين المتوفرين لهما. 

ويقطن الأخوان في بيتٍ من الصفيح تزداد فيه درجة الحرارة ارتفاعًا أو "غليانًا" كما تشير غادة (25 عامًا) التي تشكو من التهاب جلدي طوال فترة الصيف.

تقول غادة: "تحرق الشمس أجسادنا عند الخروج من المنزل، و الطرقات ترابية والسير فيها متعب، لكن درجة الحرارة في المنزل تعادل ضعف الخارج بسبب الصفيح الذي يغطي المسكن لذا نضطر للخروج".

وحول أزمة عدم توفير الأجهزة اللازمة لذوي الإعاقة، قال مدير دائرة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية "فلفل"، إنّ الكراسي الكهربائية تتوفر عن طريق منح خارجية وتبرعات، بسبب تكلفتها العالية، أي بمعنى أن الوزارة لا تستطيع شراءها والتبرع لها لصالح ذوي الإعاقة. 

وأشار فلفل إلى ضعف تلبية كافة احتياجات ذوي الإعاقة من هذه الأجهزة معبر وزارة التنمية، مبينًا أن هناك احتياجًا كبيرًا يقابله جهدًا عاليًّا لا يلبي أدنى الاحتياجات، إذ يتوفر 100 كرسي مقابل 700 شخص محتاج.

وعن آلية توزيع تلك الأجهزة وضمان تحقيق العدالة، قال فلفل إن هناك شروطًا تستلزم تقديم أولوية بين الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، يتم تقييمها وقياسها عن طريق طاقم طبي متخصص من وزارة الصحة الفلسطينية، بجانب مسؤول من وزارة التنمية وأيضًا مختص من جمعية التأهيل. 

أما حول المشكلة الأكبر التي يعاني منها ذوي الإعاقة عموما في  القطاع خلال في فصل الصيف تحديدًا، قال فلفل: "إنّ الوزارة تتعاون مع كافة الجهات لترشيح أسماء ذوات إعاقة مزمنة من أجل الانتفاع من مشروع الطاقة البديلة". 

وأشار إلى أنّ وزارة التنمية الاجتماعية، توفر للبيوت التي يكون أحد أفرادها من ذوي الإعاقة، كرت لشحن الكهرباء بقيمة (50 شيكلا)، للتخفيف من الاعباء الاقتصادية الملقاة على عاتقهم في ظلّ أزمة الكهرباء والصيف.

واختتم حديثه قائلًا إنّ وزارته تنسق مع كافة المؤسسات ذات الصلّة للعمل على توفير احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال برنامج يعمل على خدمتهم وحصر أعدادهم وطرق التواصل معهم، "بما يتوفر لديها من إمكانات ودعم متاح".