خلال فترة الإجازة الصيفية المدرسية، تواجه العائلات محدودة ومعدمة الدخل في قطاع غزة، صعوبة في الوصول إلى أماكن ترفيهية مناسبة لأطفالهم دون أن تُرهِق ميزانيتهم المُتعبة.
ويعاني أكثر من ثلثي السكان في القطاع من الفقر، ونحو 64% من انعدام الأمن الغذائي؛ الأمر الذي يجعل توفير تكاليف الطعام أولويتهم الأولى بعيدًا عن الترفيه، خاصّة في ظلّ عدم وفرة وجود أماكن ترفيهية مجانية آمنة ومناسبة.
فاطمة محمود، سيدة ثلاثينية تقطن شرق قطاع غزة، وهي أمّ لثلاثة أبناء تحاول جاهدة توفير أفضل الظروف الممكنة لهم، لكنها تُواجه صعوبة في تحمل تكاليف الأماكن الترفيهية المرتفعة الثمن.
تقول فاطمة التي تعمل في وظيفة بسيطة ومنخفضة الأجر، إنّها تبتكر ألعابًا بسيطة وتقليدية لأطفالها ليقضوا أوقاتًا مسليّة في العطلة، ومنها ما تصنعه من المواد المتاحة في المنزل، كألعاب الحظ والألغاز والألعاب الورقية وغيرها الرياضية البسيطة.
وتكادّ المتنزهات والحدائق العامة أن تكون غير كافية لاستيعاب أعداد الأطفال الهائلة في قطاع غزة، إذ يقدّر عددهم بمليون طفل يُشكّلون ما نسبته 47% من سكان القطاع تقريبًا، يواجهون تحديات في الأماكن المخصصة للعب وارتفاع الأسعار المستدام في الأماكن الترفيهية.
وتبدو فاطمة منزعجة وهي تتحدث عن صعوباتها المالية ونفاد خياراتها لتسلية أطفالها، الذين يشعرون بالملل من الألعاب المتاحة في المنزل ويتطلعون بشدة لزيارة الأماكن الترفيهية. وعلى الرغم من ذلك، تجد نفسها مضطرة لإيجاد الأماكن المجانية المتاحة، التي غالبًا ما تكون مزدحمة وتفتقر إلى الخدمات التي تتوفر في الأماكن الأخرى ذات الأسعار المرتفعة.
تتميز تلك الأماكن بالعروض والألعاب الكهربائية المثيرة التي تحتاج إلى ميزانية جيدة لزيارتها. فيما تواجه العائلات الفقيرة صعوبة في تلبية طلبات أطفالهم، إذ يبلغ سعر اللعبة الواحدة من 3-5 شواكل، ويحتاج الأطفال إلى العديد من الألعاب والحلويات والوجبات الغذائية الإضافية التي تزيد من الضغط على ميزانية الأسرة.
فيما نلحظ خلال فصل الصيف ازدهاراً للألعاب المائية في قطاع غزة، رغم التحديات التي تواجهها المنطقة، حيث تشمل الألعاب المائية المتاحة في قطاع غزة الشرائح المائية، والزلاجات المائية، والألعاب النفخية، والقوارب النفاثة، والتزلج على الماء، والغوص والسباحة. تتوفر هذه الألعاب في مجموعة من المواقع والتي تعتبر غالية الثمن بالمقارنة مع دخل الفرد في القطاع.
عبّرت السيدة أسمهان جمال (38 عامًا) عن استيائها من أسعار الألعاب في إحدى صفحات مدن الألعاب، وقالت: "أنا أم لخمسة أطفال، وإذا افترضنا أن كل طفل يحتاج إلى لعب 3 أو 4 ألعاب، فإنَّ ذلك يعني أنني أحتاج راتبا إضافيا فوق راتبي لأرفه عن أطفالي".
وحظي تعليق جمال بتأييد كبير من قبل العديد من السيدات، اللاتي أكدن على ارتفاع أسعار تلك الألعاب وعدم ملاءمتها لكل الأسر، بل تتوفر فقط لطبقات محددة في المجتمع.
يصعب على الأسر محدودة الدخل تحمل تكاليف الدخول إلى المتنزهات والملاهي والأماكن الترفيهية الأخرى المدفوعة، الأمر الذي قد يتسبب في إحداث شعور بالحرمان والاكتئاب لدى الأطفال، إذ يجدون صعوبة في العثور على فرص للترفيه والاستمتاع بأنشطة تنمي مهاراتهم وتساهم في تنمية شخصياتهم.
ويعاني الأطفال من محدودية خيارات أماكن اللعب الملائمة، على الرغم مما ضمنه القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (26) التي أكّدت على حماية حقوق الأطفال وتوفير الرعاية الكاملة لهم، بما يتفق مع المعايير الدولية، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي تُلزم الدولة بضمان حق الأطفال في الراحة والترفيه والوقت الحرّ والمشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية والترفيهية المناسبة لعمرهم. يتطلب ذلك أيضًا توفير بيئة آمنة ومناسبة تسمح للأطفال بالمشاركة في هذه الأنشطة بحرية ودون عائق.
غير أنَّ الواقع يختلف تمامًا عما تنصّ عليه القوانين، فقطاع غزة يُعرف بالكثافة السكانية مقابل مساحة تقدّر بـ (360 كم²)، وينعكس ذلك على قلّة توفر مساحات خضراء ومفتوحة للأطفال نتيجة الزحف العمراني المتواصل، والذي يتضح جيّدًا في نسبة العجز بالوحدات السكنية الذي وصل إلى 120 ألف وحدة.
نتيجةً لذلك، يجد أطفال الأسر الميسورة الدخل أنفسهم مضطرون للعب في المساحات الصغيرة أمام بيوتهم، أو الأزقة الضيقة التي تفصل البيوت عن بعضها، ورغم كل التطور الحاصل في نمط وأشكال الألعاب وتوفرها في قطاع غزة؛ إلا أن نسبة كبيرة من الأطفال ما يزالون يضطرون لممارسة الألعاب القديمة داخل المنازل وفي الحارات.
بدورها، توجّهت "آخر قصّة" إلى مديرة دائرة التخطيط العمراني في وزارة الحكم المحلي، أمل محيسن، للتعرف على دورهم تجاه توفير حدائق عامة في متناول جميع الأفراد بقطاع غزة. وقالت محيسن إنّ لديهم العديد من المخططات لإنشاء مرافق خاصّة بالأطفال والأسر عامة كالمتنزهات والمدارس التي يكتظ فيها الطلبة.
ونفذت الوزارة مخططات على أرض الواقع بمساحة (3160) دونم، ما بين مرافق للأطفال ومدارس ومتنزهات، بحسب محيسن، التي أشارت إلى أنّه ما زال بحوزتهم العديد من المخططات التي يحاولون تنفيذها واستغلالها لكل شرائح المجتمع.
غير أنّ، مديرة دائرة التخطيط العمراني في الوزارة أفادت أنّ هذه المخططات تبقى حبرًا على ورق في حال عدم العثور على تمويل لها، وقالت لـ "آخر قصّة": إنهم يحاولون الضغط على الجهات المعنيّة (لم تسميها) لتوفير مساحات من أجل خلق بيئة ترفيهية مجانية وآمنة للسكان في ظلّ ازدياد النمو الديمغرافي الحاصل.
وفي ظلّ صعوبة تنفيذ وزارة الحكم المحلي مخططاتها، يطالب الأهالي الجهات الرسمية والمجتمع المدني بتوفير مساحات لعب مناسبة للأطفال وفي متناول الجميع، خاصّة خلال فترات الإجازة الصيفية، لتوفير الفرص الترفيهية للأطفال وتخفيف الضغط على الميزانية العائلية.