تحمل الشابة سارة أحمد (23 عامًا)، خريجة كلية التمريض من جامعة الأزهر بقطاع غزة، العديد من الأحلام والتطلعات، ومع ذلك، تجد نفسها متعطلة عن العمل ومحاصرة في دوامة الفقر التي تستبدل أحلامها بالقلق واليأس.
تنحدر سارة من أسرة فقيرة تقيم في محافظة خانيونس جنوب القطاع، وتتكون من 8 أفراد، وفي ظل غياب مصدر دخل ثابت، تشكل الحياة تحديًا يوميًا لها ولأفراد أسرتها، مما يؤثر سلبًا على ثقتها بالنفس.
بعد الانتهاء من دراستها واكتسابها المهارات اللازمة من خلال التطوع، بدأت سارة البحث عن فرص عمل في مجال التمريض، ولكنها واجهت صعوبات كبيرة في العثور على وظيفة مناسبة، حيث يعاني القطاع الصحي في غزة من نقص في الوظائف وتحديات اقتصادية كبيرة.
وحال سارة يعكس حال نحو 25% من الشباب (19-29 عامًا) من الخريجين حملة الدبلوم المتوسط فأعلى، والمتعطلين عن العمل في قطاع غزة بسبب الظروف التي يعيشها القطاع في ظل الحصار المفروض للعام الـ17 على التوالي، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
بمرور الوقت ومع فقدان الأمل في العثور على فرصة عمل تساهم في تحسين ظروف "سارة" المعيشية، أصبحت تفتقد إلى الشغف والثقة بقدراتها ومهاراتها، ومن هنا بدأت تعاني من الاكتئاب والإحباط، حيث تشعر بالعجز وعدم القدرة على تحقيق طموحاتها والمساهمة في تحسين حياة أسرتها.
تراقب سارة حالتها النفسية التي تشهد تدهورًا مستمرًا، وتشعر بالعزلة والضغط النفسي الذي يتراكم بسبب تحديات الفقر والبطالة. ومع ذلك، تستمر سارة في السعي لتجاوز أزمتها النفسية.
وطبقاً لنتائج مسح القوى العاملة في فلسطين خلال العام 2022، فقد بلغ مستوى البطالة بين الإناث 61.3% مقابل 34.3% بين الذكور، أما على مستوى المنطقة فقد بلغ معدل البطالة للشباب الخريجين في الضفة الغربية 28.6% مقابل 73.9% في قطاع غزة.
أمام هذا الواقع، يعاني المئات من الخريجين ظروفا اقتصادية صعبة، ليس ذلك فحسب، حيث من المهم أن ندرك أن الفقر ليس فقط قضية مادية، بل يؤثر أيضًا على الجوانب النفسية والعاطفية للشخص، لذا، يتطلب مواجهة الفقر التركيز على تعزيز الثقة بالنفس وتوفير الفرص والدعم اللازم للأفراد المتأثرين به، وفق ما يقوله مختصون نفسيون.
يقول أستاذ علم النفس إسماعيل أبو ركاب، إن الفقر يمكن أن يؤثر بشكل كبير على ثقة الشخص بالنفس، وهناك علاقة وثيقة بين الفقر وفقدان الثقة بالنفس، وذلك يرجع إلى عدة عوامل، بما في ذلك:
قلة الفرص، إذ أن الفقر يقيد الفرص ويقلل من الاختيارات المتاحة للشخص، وبالتالي يشعر بالعجز والتقييد، مما يؤثر سلبًا على ثقته بقدرته على تحقيق أهدافه والنجاح في الحياة.
فضلا عنن ذلك فإن أبو ركاب أشار إلى أن القيود المالية الشديدة مثل عدم القدرة على تلبية احتياجات الحياة الأساسية أو تحقيق الأهداف الشخصية، تؤدي إلى شعور بالعجز والقلق وفقدان الثقة في القدرة على التغلب على التحديات المالية.
يشير المختص النفسي إلى أن الفقر يمكن أن يؤدي الفقر إلى العزلة الاجتماعية والتمييز والتهميش، حيث قد يشعر الأشخاص المحرومون بعدم المساواة والتفضيلات السلبية وتعرضهم للتهميش الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على ثقتهم بالنفس وصورتهم الذاتية.
ولكن في المقابل، وجه أستاذ علم النفس مجموعة من الخطوات النفسية التي قال إنها تساعد الفقراء على التغلب على تحديات الفقر واستعادة الثقة بالنفس، والتي تلعب دورًا حاسمًا في تحسين جودة حياتهم وتجاوز العقبات التي تعترضهم. إذ تعتبر الخطوات النفسية التالية أدوات قوية للفقراء للتغلب على التحديات النفسية واستعادة الثقة بالنفس:
أولاً قبول الواقع: يكون البداية في استعادة الثقة بالنفس بقبول الحالة الحالية والواقع الذي يواجهه الفرد، ويتضمن ذلك التفكير بواقعية حول التحديات والصعاب والتعامل معها بشكل مناسب بدلاً من الانكار أو الهروب منها.
ثانيا تحديد الأهداف الواقعية: يساعد تحديد الأهداف الواقعية في توجيه الأفراد نحو تحقيق أشياء صغيرة قابلة للقيام بها والنجاح فيها، عن طريق تحقيق هذه الأهداف، يزداد الشعور بالكفاءة والقدرة على التغلب على التحديات.
ثالثا تطوير مهارات جديدة: يعتبر تطوير مهارات جديدة وتعلم أشياء جديدة طريقة فعالة لتحفيز الفرد وزيادة الثقة بالنفس، يمكن تحقيق ذلك من خلال الدورات التدريبية، القراءة، التطوع أو تعلم مهارات جديدة عبر الإنترنت.
رابعاً بناء شبكة دعم اجتماعية: يعتبر بناء شبكة دعم اجتماعية قوية أمرًا حاسمًا في استعادة الثقة بالنفس، حيث يمكن للفقراء أن يستعينوا بأفراد الأسرة والأصدقاء المقربين أو الانضمام إلى مجموعات دعم اجتماعي للتواصل مع من يشاركونهم نفس التحديات عبر الجمعيات الأهلية النشطة في المجال.
خامساً العناية بالنفس والصحة العقلية: يتضمن ذلك الاهتمام بالصحة العقلية والجسدية من خلال ممارسة الرياضة المنتظمة، والتغذية الصحية، والنوم الكافي. كما يمكن الاستفادة من تقنيات الاسترخاء والتأمل لتخفيف التوتر والقلق.
سادساً التحفيز الذاتي والإيجابية: يعزز التحفيز الذاتي والتفكير الإيجابي الثقة بالنفس، حيث يمكن للفقراء أن يستخدموا التحفيز الذاتي من خلال إعطاء أنفسهم تشجيع وثناء بعد تحقيق الأهداف، والتفكير بشكل إيجابي وتركيزهم على نجاحاتهم وإمكانياتهم.
باستخدام هذه الخطوات النفسية، يمكن للفقراء التغلب على تحديات الفقر واستعادة الثقة بالنفس. يجب أن يكون هناك توجيه ودعم من المجتمع والمؤسسات المحلية والحكومية لتوفير فرص العمل المستدامة والتدريب والدعم النفسي للفقراء لمساعدتهم في تجاوز الصعاب وبناء مستقبل أفضل.
وهنا يتبين، أنه إذا ما حاولت الخريجة سارة وغيرها المئات، التمسك بالأمل بغدٍ مشرق، سيتمكنون من تطوير مهاراتهم وتحصيل المزيد من المعرفة من خلال الدورات التدريبية المجانية والموارد المتاحة عبر الانترنت، لاسيما أن الخريجين عليهم أن يؤمنوا بأن التعليم المستمر وتطوير الذات هو المفتاح لتحقيق تحسين وضعها المعيشي، والنفسي أيضا.