في قطاع غزة، تتصاعد معاناة الأسر الفقيرة وتزداد تحدياتهم في تأمين حاجاتهم الأساسية، خاصة فيما يتعلق بتوفير الفواكه، فالأسعار المرتفعة للفاكهة تفوق قدرة تلك الأسر على تلبية تلك الحاجات الغذائية الأساسية.
تعكس هذه الأحوال السيئة واقع ارتفاع نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي الذي يعاني منه نحو ثلثي سكان القطاع. وفي ظلّ الظروف الصعبة، ينظر الناس إلى شراء الفواكه كشيء من الرفاهية، حيث يتعين عليهم الأولوية لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والعلاج.
وتتراوح أسعار الفاكهة حسب المتوفر منها في الأسواق المحلية خلال فترة الصيف الحالية، ومنها فاكهة: التفاح، والعنب، والسنتروزة، والخوخ، والمانجا، وتباع بأسعار من (8 - 10 شواكل) للكيلو الواحد، وهو ما يُعد باهظًا على الأسر معدمة الدخل.
يواجه تيسير خالد (48 عامًا) وهو أبٌ لستة أطفال، صعوبة كبيرة في تأمين احتياجات أسرته، خاصّة أنّه متعطل عن العمل نتيجة إصابته بغضروف في الظهر، ويعتمد على المخصصات المالية التي يتلقاها من وزارة التنمية الاجتماعية في القطاع. وهذه الأسرة هي واحدة من 80 ألف أسرة في غزة تعتاش على ما يعرف بـ"شيكات" الشؤون الاجتماعية.
لكن خالد يواجه معضلة في أنّ هذه المخصصات غير مُنتَظمة، إذ تمنَح كل بضعة شهور مبلغ زهيد بالكادّ يكفي لتغطية النفقات الأساسية؛ مما يشير إلى أنّه على الرغم من المساعدات المحلية والدولية إلا أنّ القدرة الحكومية على توفير الدعم الكافي للأسر الفقيرة لا تلبي الطلب المتزايد.
أمام هذا الواقع تصبح الفاكهة هي احتياجاً هامشيا بالنسبة للمئات من الأسر الفقيرة، إذ يرى المواطن "خالد" أنّ توفير الفاكهة لعائلته هو أمر ثانوي جدًا وبالكادّ يحدث في المناسبات، على الرغم من رغبته وأطفاله الشديدة في شرائها؛ لكنه يجد صعوبة في تلبية هذه الرغبة بسبب ارتفاع أسعارها مقابل حالة العوز التي يعيشونها.
على صعيدٍ آخر، يُعبر بائع الفواكه أحمد لؤي، عن خيبة أمله من كساد المنتجات لديه، ويقول: "إنّ الأسر تبتاع كميات قليلة، ويكون هامش الربح لدينا بسيطا للغاية، ونلاحظ أن الشراء يأتي من أسر متوسطة وعالية الدخل فقط".
يشير لؤي الذي يساعد والده في البيع في متجر صغير بسوق الشجاعية شرق مدينة غزة، إلى أنّهم يبيعون الفاكهة برأس المال (أي دون ربح أو خسارة) فمعظم الناس ليس لديها قدرة على الشراء؛ ويتساءل "ماذا تفعل أسرة فقيرة مكونة من 10 أفراد بكيلو من الخوخ.. إنهم يحتاجون كمية أكثر وهذا ما يصعب توفيره".
ويقترح مختصون اقتصاديون أن تتخذ الحكومة خطوات إضافية لدعم الأسر الفقيرة وتحسين أوضاعهم المعيشية وإنعاش السوق المحلي، مرجعين أسعار الفاكهة التي لا تتناسب مع جميع الفئات في المجتمع، إلى تكلفة زراعتها العالية في قطاع غزة أو الضرائب المفروضة على استيرادها من الخارج.
منى جميل (41 عامًا) سيدة أرملة تعيل أطفالها الأربع بعد وفاة زوجها بمرضٍ عضال وتعمل في الحياكة، تقول إنّها تعاني في توفير المواد الغذائية لعائلتها وعلى الرغم من أنها تدرك ضرورة توفير الفاكهة لكنها لم تشتريها منذ وقت طويل، إلا لو اصطحبها زائر إلى بيتها.
توضح، "عملي بالكادّ يوفر أهم أساسيات البيت ولكن رغم كل الظروف لا يمكنني تجاهل رغبة أطفالي في تذوق الفاكهة، وأشعر بالحزن الشديد عندما أرى في عيونهم نظرة الحاجة وهم يشاهدونها في أيدي الأطفال مثلهم".
يتقاطع ما قالته الأسر الفقيرة مع ما يراه أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سمير أبو مدللة، والذي قال إن في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل لدى الشباب وأرباب الأسر، يصبح اقتناء الفاكهة لدى العديد من الأسر أمرًا ثانويًا ويكادّ يكون معدوماً.
وأشار أبو مدللة إلى أن الظروف تجتمع على سكان غزة فهناك نسبة تتجاوز 80% تعتمد على المساعدات الغذائية في تلبية احتياجاتها، ويعمل العمال من 10-12 ساعة يوميًا بأجرٍ زهيد لا يزيد عن 20 شيكل، كذلك يواجه الموظفين ظروفًا صعبة في ظلّ خصومات الرواتب وتقاضيهم نسب محددة من قيمة أجورهم تبعًا لمشكلات سياسية متعددة ناتجة عن الانقسام.
وقال: "أمام هذا الواقع نجد أن العمال في القطاع، لا يقتنون الفاكهة إلا الزهيدة منها أو المزروعة في غزة كالبطيخ مثلا، في المقابل تشتريها عائلات الموظفين في الأسبوع الأول من الشهر بعد استلامهم الراتب فقط، وتبقى متاحة أمام كبار الموظفين والأسر الثرية".
ما المطلوب من الحكومة فعله في ظلّ هذه الأوضاع؟ يجيب أبو مدللة، "تفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة يعود لحالة الانقسام الفلسطيني الحاصلة والحصار الإسرائيلي المفروض منذ 17 عامًا، ومن هنا ندعو الحكومة إلى أمرين:
الأمر الأول: تخفيض الضرائب المفروضة على السلع الأساسية أو إلغائها، كالحليب والدقيق والفاكهة وغيرها، فهناك ضرائب مفروضة من قبل إسرائيل وأخرى من حكومة غزة.
الأمر الثاني: محاولة توفير فرص عمل لإنعاش القطاع الخاصّ وتشغيل الشباب مما يساعد في تحسن الأوضاع و ازدهار الوضع الاقتصادي.
في ظل هذا الواقع المؤلم، يأمل السكان أن تدعم الحكومة في قطاع غزة تنمية الزراعة المحلية، وتوفر فرص عمل مستدامة من خلال تعزيز المشاريع الصغيرة؛ الأمر الذي قد يساعد في تحسين حياة الأسر الفقيرة وتوفير فرص الاكتفاء الذاتي.
لكن هذا الأمر يتطلب تكاتف الجهود لتحقيق تحسن حقيقي في حياة الأفراد المتأثرين بالظروف الصعبة في قطاع غزة، خاصّة في ظلّ التحديات التي ما فتئت الحكومة أن تعبر عنها، والتي تقول إنها تتعلق بالقيود الأمنية والسياسية نتيجة الحصار المفروض على القطاع للعام السابع عشر على التوالي، "والذي يؤثر على قدرتها في توفير الإمدادات والدعم اللازم للمواطنين".
هذه الظروف بطبيعة الحال تزيد من أعباء الحياة على الأسر الفقيرة وتعزز حالة انعدام الأمن الغذائي، وتؤثر بشكل مباشر على جودة حياتهم وصحتهم العامة.