اشتكى عدد من المواطنين في قطاع غزة، من ابتياعهم منتجات ألبان وأجبان اكتشفوا أنها فاسدة بعد فتحها، على الرغم من عدم انتهاء تاريخ الصلاحية المسجل على العبوات المغلفة.
من هؤلاء المواطنين، محمد فرج الذي يقطن مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وقد اعتاد التأكد جيدًا من تواريخ الإنتاج والانتهاء على المنتجات الغذائية قبل شرائها، إلا أنّه تعرض لحادثة جعلته يتردد عدّة مرات قبل شراء أي منتج.
وفي التفاصيل، يقول فرج إنّه عاد ذات يوم إلى بيته محملاً بمعلبات مواد غذائية من الألبان والأجبان وقدمها وجبة عشاء لأطفاله وزوجته، ولكن الصدمة كانت عندما فتحها ورأى العفن يأكل وجهها.
وعلى الفور قام الرجل بإعادة أكواز اللبن المتعفنة إلى صاحب المحل، واتخذ قرار بعدم الشراء منه مرة أخرى رغم اعتذاره عما حدث.
يشير فرج إلى أنّه يرى الكثير من المنتجات التي تعرض في الأماكن العامة وأرصفة الشوارع وغيرها، ومنها الأجبان البيضاء والصفراء وغيرها من المواد الغذائية، في المقابل هو لا يفضل الا شراء المنتجات المحفوظة داخل البراد.
وعلى الرغم من حذره؛ إلا أنَّ الرجل لم ينجُ من الوقوع في شِباك شراء منتج فاسد. تتكرر هذه الأحداث مع أنّ القانون الفلسطيني يحفظ لكافة المواطنين الحق في الحصول على الغذاء المناسب.
ووفقًا لقانون حماية المستهلك في المادتين (2) و(3) على التوالي، للمستهلك الحق بما يكفل له عدم التعرض لأية مخاطر صحية أو غبن أو خسائر اقتصادية. كما يتمتع المستهلك بحقّ الحفاظ على صحته وسلامته عند استعماله للسلعة أو الخدمة من حيث الجودة والنوعية.
تزداد شكاوى المواطنين من الأطعمة الفاسدة في الفترات التي تنشط فيها العروض على أسعار المنتجات، بالإضافة إلى فترات الصيف التي ترتفع فيها درجات الحرارة بالتزامن مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. وتتحفظ "آخر قصة" على فيديوهات تلقتها من أشخاص وثقوا منتجات الأجبان الفاسدة التي اشتروها.
تقول شيماء غازي، التي توجهت للشراء من أحد المحالّ التجارية بمدينة غزة، بعدما أعلن عن تخفيض سعر منتجات الألبان، "ابتعتُ بعضًا منها لكني تفاجأت عندما فتحتها بتعفنها".
ويُقبل الغزيون على حملات "تخفيضات" الأسعار على المنتجات الغذائية التي تتبعها بعض المحال والمجمعات التجارية، والتي قد يتبقى على تاريخ انتهاء صلاحيتها فترة قليلة، لا تتعدى الأسبوع غالبًا. وذلك نظرًا إلى الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية التي يعاني منها نحو 80% من سكان القطاع.
تروي شيماء التي تقطن في محافظة شمال قطاع غزة، تفاصيل الحادثة التي جرت معها، لـ "آخر قصّة": "غضبتُ كثيرا وصرخت في وجه صاحب البقالة، لم أتحمل أن أتسمم أنا وعائلتي بسبب المنتجات التالفة، ولا يهمني مَن سبب المشكلة".
غضب شيماء جاء انعكاسا لتخوفها على صحة والديها كبيري السن، اللذان لا تحتمل أجسادهم أيّ إهمال أو تقصير، خاصّة في ظلّ إصابتهم بأمراضٍ مزمنة كغيرهم من الكبار، إذ أظهرت إحصاءات رسمية أنّ ثلثي كبار السن في فلسطين مصابين بمرضٍ مزمن واحد على الأقلّ.
أما آمنة محمود، وهي أمٌ لطفلتين، وتقطن في ذات المنطقة، أشارت إلى أن إحدى طفلتيها عرضت عليها اللبن بطعم الفراولة قائلة: "ماما طعمه حامض جدًا"؛ ما جعلها تتأكد منه لتجده تالفًا ثم ترميه في النفايات وتحرص أكثر عند شراء المنتجات من سلامة المنتج.
من جهة أخرى، ألقى مصطفى رضا، وهو صاحب بقالة مواد غذائية في المحافظة الوسطى، مسؤولية وجود منتجات غذائية فاسدة رغم عدم انتهاء صلاحيتها على الموزعين والموردين الذين يوفرون المنتجات من مصادرها الرئيسية.
ومن تلك المصادر مصانع الألبان، حيث يوجد في قطاع غزة _وفقًا لمصادر حكومية_ ما بين (9-15) مصنع للألبان ومشتقاتها، تتمتع أربعة منها بقدرة إنتاجية عالية ومنافِسة في السوق المحلي، فيما تُعد البقية وحدات إنتاجية صغيرة تعتمد على تصنيع الجبن البلدي واللبنة و"اللبن أب" فقط.
يقول رضا لـ "آخر قصّة"، "يترك بعض التجار والموزعين المنتجات دون تبريد داخل سيارات النقل من الصباح الباكر حتى آخر الليل؛ ما يتسبب في تعفنها نتيجة نشاط البكتيريا الضارة داخلها". مشيرا إلى رفض بعض التجار إعادة المنتجات التالفة؛ ما يقود أصحاب المحال التجارية والمستهلكين إلى رميها في النفايات مع تكبدهم خسارة مالية.
رضا الذي لجأ إلى إقامة بقالة كمصدر رزق وتجاوز البطالة التي تزيد نسبتها عن 40% في المجتمع، يقول إنّه يشعر بالحرج من شكاوى المواطنين على المنتجات الفاسدة؛ ما يضر بسمعة البقالة.
بيد أن نائل وادي وهو أحد العاملين في مجال توزيع المنتجات الغذائية، إنّهم يحرصون على نقل المنتجات التي قد تتعرض للتلف السريع كالألبان وغيرها، للمحالّ في أوقات قصيرة ويمتنعون عن نقلها في فترات الظهيرة تجنبا لأشعة الشمس.
وعلى الرغم من أنّ وادي لا يمتلك حافلة مصفحة ومكيّفة لنقل بضائعه؛ إلا أنّه يعزو وجود منتجات فاسدة في المحال التجارية إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تمتد إلى 8-12 ساعة يوميًا، فيما قد يتعذر على الكثير من أصحاب البقالات الصغيرة توفير خطوط كهرباء بديلة، وفق قوله.
وفي ظلّ تقاذف كلٌ من أصحاب المحال التجارية والموردين المسؤولية بينهما، توجهت "آخر قصّة" إلى دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بقطاع غزة، للوقوف على قدرتها تجاه إصدار الإجراءات العقابية للمخالفين لحماية المستهلك من المخاطر الصحية.
فيما رفض المهندس نافذ الكحلوت من إدارة دائرة حماية المستهلك، اعتبار ما يحدث من تكرار تعرض المواطنين لشراء منتجات تالفة، بأنّه ظاهرة مُنتشرة في قطاع غزة، وعدّ حالة فساد المنتج داخل العبوات بأنها "نادرة الحدوث".
وأوضح الكحلوت، أنّ تلف المنتجات يحدث في حالتين: هما التخزين السيء سواء داخل القطاع، أو وقت الاستيراد من الخارج، مشيراً إلى أن وزارته تستقبل شكاوى المواطنين أو أصحاب المحال؛ ليأخذ القانون مجراه في حال التعرّض للغش عند شراء المنتجات، وذلك عبر تطبيق بلاغ اقتصادي على الجوال أو من خلال الوسائل الاتصال المتعددة التي تعلن عنها الوزارة.
على الرغم من شكاوى بعض مواطنين وأصحاب محال تجارية وإتلاف منتجات وتكبد خسائرها، وتحجيم وزارة الاقتصاد الوطني للمشكلة الحاصلة باعتبارها "نادرة"، إلا أنّ هذه الحوادث تتكرر وتستمر خاصّة في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.